لطالما شكّل الأطفال الفلسطينيون بنك أهداف لآلة القتل الإسرائيلية، من تشريد وحصار واعتقال وتعذيب واستهداف مباشر، فضلًا عن استخدامهم دروعًا بشرية.
وكان آخر فصول الوحشية الإسرائيلية بحقّ أطفال غزة بداية الشهر الحالي، في عدوان استشهد خلاله 48 فلسطينيًا من بينهم 16 طفلًا، من بينهم طفلة في الخامسة من عمرها.
وخلال هذا العدوان، نقل موقع "واي نت" الإسرائيلي عن مسؤولين بجيش الإحتلال تفاخرهم بأن نسبة الضحايا بين "غير المقاتلين" والمقاتلين، كانت "أفضل مما كانت في جميع العمليات السابقة".
وغالبًا ما كانت الرواية الإسرائيلية الأكثر تداولًا داخليًا وخارجيًا، تُفيد بأن القتلى من المدنيين الفلسطينيين ولا سيما الأطفال والنساء، هم مجرد أخطاء غير مقصودة أثناء تنفيذ الضربات الصاروخية على قطاع غزة، إلا أن مجلة "+972" الإسرائيلية كشفت أن جيش الإحتلال تعمّد قتلهم بحجة إصابة هدف، حتى لو كان بين المدنيين.
وكشف جنود سابقون في جيش الاحتلال للمجلة كيف يسمح قادتهم بشنّ ضربات في غزة، وهم يعلمون أن المدنيين سيُقتلون ومن بينهم الأطفال والنساء.
أطفال ونساء ارتقوا شهداء وأبنية تحولت إلى ركام.. هذه حصيلة العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع #غزة المحاصر 👇@AnaAlarabytv pic.twitter.com/JsBk2BG5XV
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) August 8, 2022
تشويه الحقائق
واعترفت ضابطة في جيش الاحتلال بأن الجنود أطلقوا النار على أشخاص عزل خلال الحرب الأخيرة. وقالت الضابطة: "نزل عنصر من الجهاد الإسلامي من منزله، وكان أعزل، لكنني فتحت النار عليه. وعندما سقط، أطلقت المزيد من النار عليه".
وقالت المجلة إن غالبية الإسرائيليين يعتقدون أن أي أطفال أو أُسر مدنية قتلوا خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، يُقتلون عن غير قصد، لأن القوات الإسرائيلية، بنظرهم، لا تقتل الأبرياء عن قصد.
وذكرت المجلة أن هذا الاعتقاد يسمح للمجتمع الإسرائيلي أن ينسى مشاهد الدماء والرعب، ويخرج من وعي الإسرائيليين مئات الأطفال الذين قتلهم جيش الاحتلال في غزة على مر السنين.
"قرار محسوب"
لكن المجلة أكدت أن الواقع أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير؛ حيث كشف الجنود الإسرائيليون الذين خدموا في وحدات مختلفة من قسم المخابرات الإسرائيلي خلال الأشهر الماضية، للمجلة أنه خلال العمليات العسكرية، وفي كثير من الحالات، يعرف الجيش قبل الهجوم أنه سيقتل المدنيين العزل.
وكشفت الشهادات أن قرار قتل المدنيين "ليس بالخطأ، بل هو قرار محسوب وواعٍ" حيث شهد الجنود السابقون بأن رؤساءهم أخبروهم أنه "يُسمح للجيش الإسرائيلي بقتل عدد معين من غير المقاتلين- أي العائلات والأطفال- أثناء الأنشطة العملياتية. وطالما لم يتم تجاوز هذا الحد، فيمكن الموافقة على القتل مسبقًا".
آثار نفسية شديدة.. أطفال #غزة أكبر المتضررين من الحروب #صباح_جديد تقرير: عطالله السليم pic.twitter.com/IwfDa2YY2T
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) August 11, 2022
وقالت "دانا"، التي استخدمت اسمًا مستعارًا مثل جميع الجنود السابقين الذين تمت مقابلتهم، إنها خلال خدمتها العسكرية، شاركت في عملية اغتيال قُتِلَ فيها طفل يبلغ من العمر خمس سنوات في غزة.
وقالت: "عندما خدمت في فرقة غزة، كنا نتبع شخصًا من حماس؛ لأن الجيش كان يعلم أنه يخفي الصواريخ، ولقد اتخذوا قرارًا بالقضاء عليه".
وأضافت "دانا"، التي عملت كضابطة تحليل حركة المرور في غرفة العمليات حيث كانت وظيفتها تأكيد أن الصاروخ أصاب الشخص المناسب: "أرسلنا طائرة من دون طيار لملاحقة الرجل لقتله، لكننا رأينا أنه كان مع ابنه، وهو طفل في الخامسة أو السادسة من عمره".
وقالت: "قبل تنفيذ عملية الاغتيال، يجب الرجوع إلى معلومات من مصدرين مختلفين حتى نؤكد أننا نقتل الهدف الصحيح، ولقد أخبرتُ القائد، الذي كان برتبة مقدم، أنني لا أستطيع تحديد الهدف بالكامل، وطلبت عدم تأكيد إطلاق النار، ولكنه قال: لا يهمني، وأعطى الأمر باطلاق النار. كان الهدف صحيحًا، ولكنهم قتلوا الناشط العسكري في حماس، والصبي الصغير الذي كان بجانبه".
ولدى سؤالها عن شعورها حيال ذلك، قالت دانا: "كنت في حالة إنكار حينها. وقال القادة إن هذا يتوافق مع القواعد، ولذا فهو مسموح به. كانت لدينا قواعد في الجيش تتعلّق بعدد غير المقاتلين المسموح بقتلهم في غزة مع الأهداف المسموح بقتلها".
وأشارت المجلة إلى أن العديد من المسؤولين الآخرين في جهاز المخابرات الذين تحدثوا للمجلة ردّدوا كلمات دانا؛ وهم من الذين خدموا في الجهاز ذاته خلال الحروب السابقة على غزة في السنوات الأخيرة.
وقال ثلاثة منهم، بمن فيهم "دانا"، إنه في أعقاب أي قصف إسرائيلي على غزة يُقتل فيه فلسطينيون "يُطلب من الجنود مراقبة المحادثات الهاتفية لأفراد الأسرة، لسماع اللحظة التي يخبرون فيها بعضهم بعضًا أن أحباءهم قد ماتوا".
وأوضحت دانا أنها "طريقة أخرى للتحقّق من القتلى، وطريقة للتأكد من وفاة الشخص الذي أردناه". وكانت هذه وظيفتها بعد مقتل الصبي البالغ من العمر خمس سنوات، حيث قالت: "سمعتُ امرأة تقول: مات؛ الطفل مات، وهكذا أكدتُ إتمام المهمة".
مأساة الفلسطينيين دروس لغة عربية
كما كشفت الشهادات التي قدّمها الجنود أن جيش الاحتلال يحوّل مأساة الفلسطينيين إلى دروس للغة العربية من أجل التجسّس والعمليات العسكرية.
وقال مجند سابق يدعى "زيف": "أثناء التدريب، تعلّمنا اللغة العربية من خلال المكالمات الهاتفية من الفلسطينيين. وذات يوم، قدّم القادة مكالمة من أم أخبرها زوجها عبر الهاتف أن طفلهما قُتل؛ حيث بدأتْ بالصراخ والبكاء، وكان من الصعب جدًا الاستماع إليها، فقد كانت تمزّق القلب، وكان علينا ترجمة صراخها إلى العبرية".
وأضاف: "كنا لا زلنا مجموعة من الجنود صغار السن في عمر الثامنة عشرة؛ حيث خرجنا من جلسة التدريب منزعجين جدًا".
بدوره، قال آدم، البالغ من العمر 23 عامًا، الذي أنهى خدمته في جهاز المخابرات العام الماضي، وذلك بعد ثلاث سنوات في وحدة "سيجنيت" التي أشرفت على غزة: "كان هناك أشخاص لم أكن أتعاطف معهم على الإطلاق، منهم كبار الأعضاء في حركة حماس، الذين سمعتم يقولون إنهم يريدون الموت من أجل الوطن، ولهذا السبب كان لدي مبرر لإيذائهم".