يحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم الإثنين الوصول إلى أغلبية حاكمة، ومعها إنقاذ أجندته للإصلاح الاقتصادي، وذلك بعدما عاقب الناخبون تحالفه الوسطي "معًا" في الانتخابات البرلمانية.
وبينما حصل تحالف (معًا) على أكبر عدد من أصوات الناخبين في الجمعية الوطنية (البرلمان) المؤلفة من 577 مقعدًا، فإنه لم يحصل على العدد المطلوب لتحقيق أغلبية مطلقة في تصويت شهد أداء قويًا من تحالف اليسار واليمين المتطرف.
وأظهرت الأرقام النهائية حصول معسكر ماكرون المنتمي لتيار الوسط على 245 مقعدًا، وهو ما يقل العدد اللازم لتحقيق الأغلبية المطلقة والذي يبلغ 289 مقعدًا.
وشكل التصويت انتكاسة مؤلمة لماكرون (44 عامًا)، الذي أُعيد انتخابه في أبريل/ نيسان ويريد تعميق التكامل مع الاتحاد الأوروبي ورفع سن التقاعد وضخ دماء جديدة في القطاع النووي الفرنسي.
الخيارات المتاحة
ومن بين الخيارات المتاحة أمام ماكرون تشكيل ائتلاف حاكم أو الإشراف على حكومة أقلية يتعين عليها الدخول في مفاوضات مع الخصوم على أساس كل مشروع قانون على حدة. وسيكون البديل في حالة عدم التوصل إلى اتفاق أن يصاب ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بالشلل.
وصرحت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن مع ظهور النتائج النهائية في وقت متأخر من ليل الأحد قائلة: "سنعمل اعتبارًا من الغد على تشكيل أغلبية... لضمان تحقيق الاستقرار لبلدنا وتنفيذ الإصلاحات اللازمة".
من جهته، أقرّ الوزير غابريال آتال بأنّ النتائج "بعيدة عمّا كنا نأمله". وقال عبر قناة "تي إف 1"، "إنّ ما يرتسم هو وضع غير مسبوق في الحياة السياسية والبرلمانية سيُجبرنا على تجاوز ثوابتنا وانقساماتنا".
واعتبر الزعيم اليساري جان لوك ميلانشون مساء الأحد أنّ خسارة ائتلاف ماكرون الغالبية المطلقة في الجمعية الوطنية هي "قبل كلّ شيء فشل انتخابي" للرئيس.
وأضاف: "إنه وضع غير متوقع بالكامل وغير مسبوق تمامًا. إن هزيمة الحزب الرئاسي كاملة وليست هناك أي غالبية".
"الامتناع عن التصويت"
وأمس الأحد، توجه الفرنسيون إلى صناديق الاقتراع في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية لاختيار 577 نائبًا لتمثيلهم في الجمعية الوطنية.
وكان لافتًا مقاطعة 54% أي امتناع نصف الفرنسيين تقريبًا عن التصويت غالبيتهم من فئة الشباب مما يطرح تساؤلات حول واقع ومستقبل الديمقراطية في فرنسا ومدى اتساع الفجوة بين الطبقة السياسية والشعب.
ووصفت نتائج الانتخابات بـ"التسونامي" مع دخول اليمين المتطرف بزعامة ماري لوبن بكثافة في مفاجئة قلبت الطاولة حيث سيتمكن نوابها من سحب الثقة من الحكومة وتمريرها على البرلمان للتصويت، كما أن ائتلاف اليسار حل في المركز الثاني ليتصدر باب المعارضة الأول.
"مأزق حقيقي"
وفي هذا الصدد، أوضح رئيس تحرير إذاعة "مونت كارلو" الدولية أندريه مهاوج أن الرئيس الفرنسي وجد نفسه في مأزق حقيقي في طريق إدارة ولايته الثانية على مدى السنوات الخمس المقبلة، مشيرًا إلى أن لدى ماكرون غالبية نسبية وهو بحاجة إلى تحالفات عند التصويت على أي المشاريع المطروحة.
وأضاف في حديث إلى "العربي" من العاصمة الفرنسية باريس، أن برنامج ماكرون الإصلاحي والذي اضطر لتغيير بعض بنوده خلال حملته الانتخابية غير قابل للتنفيذ الآن، لافتًا إلى أن أمام الرئيس الفرنسي أمام 3 قوى رئيسية أساسية لا بد من التعامل معها في ظل صعوبة الموقف.
وتابع مهاوج أن لا مجال للتعاون مع تحالف اليسار الذي أنشأه جان لوك ميلنشون، والذي شن هجومًا على ماكرون بوصف عهده بالفاشل، ودعاه بشكل غير مباشر إلى الاستقالة.
ولفت أيضًا إلى أن ماكرون سيكون حذرًا في التعامل مع مارين لوبن، كما أنه سيكون محرجًا إذا ما صوت نوابها لصالح المشاريع التي سيتقدم بها الرئيس الفرنسي.
أما عن التحالف مع الجمهوريين، فأشار مهاوج إلى أن هناك خلافًا داخل هذا التحالف، مشيرًا إلى نظريتين داخل هذا الحزب، الأولى تدعو إلى التعامل بواقعية وإجراء تحالفات والتفاوض مع ماكرون للحصول على حصة وازنة، وهناك نظرية ترفض هذا التوجه.
وعن النسبة المرتفعة لمن امتنعوا عن التصويت، قال هاوج إن" الرئيس الفرنسي فاز في الانتخابات بسبب رفض الفرنسيين انتخاب ماري لوبن، وليس اقتناعًا ببرنامجه"، مشيرًا إلى أن هناك قلقًا ينتاب الشباب حول القدرة الشرائية ومستقبل الوظيفة في فرنسا خصوصًا في ظل جائحة كوفيد-19، والحرب في أوكرانيا.
وتختتم هذه الانتخابات مشهدًا انتخابيًا طويلًا من شأنه أن يؤكد إعادة التشكيل الواسعة للمشهد السياسي في فرنسا حول ثلاث كتل كبرى على حساب الأحزاب التقليدية اليمينية واليسارية، وهو تحول بدأ مع انتخاب ماكرون رئيسًا عام 2017.
وجاءت الانتخابات في سياق أزمات متتالية، من جائحة كوفيد-19 إلى الحرب في أوكرانيا وارتفاع التضخم والمخاطر الاقتصاديّة.