ينظر الفلسطينيون إلى رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الشهيد يحيى السنوار على أنّه مثال يُحتذى لأجيال قادمة، كونه بطلًا في مماته كما في حياته.
في روايته التي حملت عنوان "الشوك والقرنفل"، التي كتبها في الأسر، قال السنوار: "الآن جاء الموعد يا أمّاه، فلقد رأيتُ نفسي أقتحم عليهم مواقعهم، أقتلهم كالنعاج ثم أستشهد. ورأيتني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم، وهو يهتف بي مرحى بك، مرحى بك!".
ويبدو أن السنوار "تنبأ" بمصيره، إذ قاتل حتى اللحظة الأخيرة قبل استشهاده. فرغم إصابته بجرح قاتل في شقة دمّرها القصف الإسرائيلي في رفح، حاول باستخدام عصا صدّ طائرة مسيّرة إسرائيلية كانت تصوّره، قبل أن تفجّر قوات الاحتلال المبنى.
وأصبح هذا المشهد البطولي مصدر فخر وعزة، حيث تداول الفلسطينيون كلمات السنوار في خطاباته السابقة، والتي قال فيها إنّه "يُفضّل الموت على أيدي إسرائيل بدلًا من الموت بنوبة قلبية أو حادث سير".
وقال السنوار في تلك الخطابات: "أكبر هدية ممكن يهديها العدو والاحتلال لي، أنه يغتالني وأن أمضي إلى الله سبحانه وتعالى شهيدًا على يده".
تصميم السنوار على الاستشهاد، تشكّل منذ طفولته التي قضاها في مخيمات اللاجئين في غزة، و22 عامًا في سجون الاحتلال، وتحديدًا في عسقلان المدينة التي تُعتبر موطن والديه قبل فرارهما بعد حرب 1948.
"عيون قاتلة"
في السجن، برز السنوار شخصية قيادية مهيبة. ووصف المسؤول السابق في جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" مايكل كوبي السنوار بأنّه "كان يتمتّع بحضور واضح بسبب قدرته على الترهيب والقيادة".
وقال كوبي الذي استجوب السنوار لمدة 180 ساعة: "كان السنوار يتمتّع بعيون قاتلة، لم يبتسم مرة واحدة خلال التحقيق".
وأضاف: "حين سألته عن عائلته وسبب عدم زواجه في تلك الفترة حيث كان عمره 28 أو 29 عامًا، أجابني: حماس هي زوجتي، وحماس هي ابنتي. حماس بالنسبة لي هي كل شيء".
وعن شخصية السنوار قال كوبي: "كان يعرف كيف يقنع الناس بالعمل معه، وتعاونت سلطات السجن معه، لأنّهم أرادوا أن يكون السجن هادئًا".
وأضاف: "كان يؤمن بالجهاد ضد إسرائيل، وأذكر أنّه قال لي سيأتي يوم نخرج فيه من السجن لتدمير إسرائيل".
وقالت مصادر لوكالة رويترز، إنّ مسألة الأسرى وتبادل المحتجزين كانت شديدة الخصوصية للسنوار، حتى إنّه تعهّد بإطلاق سراح جميع الفلسطينيين المحتجزين في إسرائيل.
كما كان يرى أنّ المفاوضات مع إسرائيل لن تؤدي إلى استعادة الأرض الفلسطينية، بل القوة وحدها هي التي يمكن أن تحقق ذلك.
وفي هذا الإطار، روى يوفال بيتون الذي كان طبيب أسنان السنوار خلال وجوده في الأسر، أنّه سأل الشهيد السنوار عن "عبثية" استراتيجية حماس عندما خطفت الجندي الإسرائيلي جلعاد شليط بهدف استخدامه وسيلة ضغط للإفراج عن أسرى فلسطينيين.
وأوضح بيتون: "قلت للسنوار: هل يستحق الأمر أن يموت عشرة آلاف شخص بريء من أجل تحرير 100 سجين؟ كان رد السنوار واضحًا، يستحق ذلك حتى مئة ألف".
وخرج السنوار من السجن بموجب صفقة "وفاء الأحرار" في 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، حيث تمّ الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط مقابل الإفراج عن 1027 أسيرًا فلسطينيًا.
نموذج مؤثر
إلى ذلك، قال نبيه عواضة، الأسير المحرّر والذي سُجن مع السنوار في عسقلان بين عامي 1991 و1995، إنّ يحيى السنوار وصف اتفاقات أوسلو للسلام عام 1993 بأنّها "كارثية وحيلة إسرائيلية تهدف لسرقة الأراضي الفلسطينية بالقوة، وليس بالمفاوضات دون أي نية للتخلّي عنها".
وأضاف عواضة أنّ السنوار كان يهلّل فرحًا كلما سمع عن هجمات تنفّذها "حماس" أو "حزب الله" ضد إسرائيل، مضيفًا أنّه "بالنسبة للسنوار، كانت المواجهة العسكرية هي الطريق الوحيد لتحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، بينما يظلّ الكفاح المسلّح هو السبيل الوحيد لفرض إقامة دولة فلسطينية".
ووصف عواضة السنوار بـ"العنيد"، وبأنّه كان "نموذجًا مؤثرًا لجميع الأسرى، حتى أولئك الذين لم يكونوا إسلاميين أو متدينين".
وأضاف أنّ "ذهن السنوار المتقد وتوخيه لأقصى درجات الحذر، مكّناه من كشف عملاء جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي المندسّين في السجن".
وروى عواضه أنّ السنوار كان يلعب تنس الطاولة في باحة سجن عسقلان، حافي القدمين في كثير من الأحيان.
وقال: "عندما سألته لماذا تلعب وأنت حافي القدمين، قال: إني ألمس أرضي.. أرض فلسطين. فأنا لست في السجن، أنا في أرضي. أنا في بلدي".