أطلق المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في مقره في الدوحة منصة "الذاكرة السورية"، لحفظ ذاكرة الأحداث السورية والنأي بها عن التزوير أو التشويه.
والمشروع علمي بحثي كان المركز قد أنشأه في العام 2019، بهدف بناء أرشيف موثوق وشامل للأحداث منذ اندلاع الثورة السورية في مارس/ آذار من العام 2011 وحتى الوقت الحالي.
ويشمل تسجيل شهادات على الأحداث في إطار التاريخ الشفوي، وكتابة يومياتها، وأرشفة وثائقها، بما في ذلك المقاطع المرئية والمسموعة والصور والبيانات الخاصة بالكيانات التي نشأت في هذه الفترة بفعل الأحداث.
أكبر أرشيف موثق للأحداث السورية
هكذا، تعد هذه المنصة أكبر أرشيف موثق ومدقق للأحداث في سوريا منذ اندلاع ثورتها. وتعد أول مكتبة للتاريخ الشفوي في سوريا، وتضم أكثر من 2500 ساعة من الشهادات المسجلة.
ويشرح مسؤول الأرشيف في المنصة منقذ عثمان آغا لـ"العربي"، أنها تحتوي على مقاطع مرئية تم أخذها من أكثر من مليونَي مقطع فيديو تم تحليلها، فضلًا عن عشرات آلاف الوثائق وآلاف الشخصيات والكيانات والأحداث اليومية.
وتضمّ المجموعات الأرشيفية الرئيسية للمنصة أكثر من 100 ألف وثيقة، معظمها غير حكومي، تعود إلى مؤسسات مدنية محلية ثورية، وفصائل عسكرية، ومنظمات سياسية، وقوى مختلفة.
وسيتم عرض 50 ألفًا منها في المرحلة الأولى، بعد أن تحقق فريق الباحثين في المنصة من كل وثيقة، ثم ترفع الوثائق الأخرى تدريجيًا.
أوسع مرجع للدوريات غير الحكومية
كذلك تعد هذه المنصة أوسع مرجع للدوريات المنشورة، التي ظهرت منذ اندلاع الثورة، حيث تتيح أكثر من 11200 إصدار من الدوريات السورية غير الحكومية.
كما تشمل بيانات لأكثر من 10 آلاف كيان عسكري ومدني وحكومي ظهرت منذ العام 2011، وتعريفات لأكثر من 13 ألفًا من الشخصيات التي كانت فاعلة بشكل أو بآخر طيلة السنوات التي تلت الثورة.
أرشفة يوميات الثورة
إلى ذلك، تؤرشف المنصة يوميات الثورة من مارس 2011 حتى سبتمبر/ أيلول 2015 في 29 ألف سجّل تشكل الأحداث المحلية القسم الأكبر منها.
وتشمل هذه اليوميات المستويات المحلية الصغرى أي الضحايا والمجازر وغيرها، وصولًا إلى مستوى التفاعل السياسي الدولي.
وبالإضافة إلى الأشخاص والأسماء والأماكن والكيانات والمظاهرات والمعارك، لا تغفل منصة ذاكرة الثورة السورية الإسهام الفني والثقافي الممتلئ من أغان وأهازيج ولوحات ورسومات وهتافات؛ رافقت المظاهرات وجثامين شباب الثورة إلى مثواهم الأخير.
"الذاكرة السورية" بعيدًا عن التحريف
وتوظف منصة "الذاكرة السورية" الثورة التكنولوجية المعلوماتية التي وُلدت الثورة السورية في أوجها، في إنشاء قاعدة بيانات ومحتوى مرجعي. فهي موسوعة رقمية ذات تقنية عالية مزودة بمحركات بحث خاصة.
والمنصة تتطلع لحفظ الذاكرة السورية بمنهجية بحث علمية لتشكّّل أساسًًا لمواجهة عمليات التزييف المحتملة والحيلولة دون طمس الحقائق. وما زال العمل جاريًا لما يعتبره القائمون على المشروع "جهدًا معرفيًا لاستعادة الذاكرة وحمايتها من التشويه والتآكل".
وفي حديث لـ"العربي"، يقول مدير منصة "الذاكرة السورية" عبد الرحمن الحاج: "هناك خوف من أن مراكز السلطة تسعى لتحريف وتغيير وتزوير التاريخ، لذا يجب علينا الآن أن نقوم بمهمتنا".
ويضيف: "كان هناك حواجز أمام القيام بذلك بسبب وجود تحكم من مراكز السلطة، أمّا الآن فقد منحتنا التكنولوجيا فرصة أن نكون خارج نطاق تحكم السلطة فاستغليناها وقمنا بما يجب علينا القيام به".
التاريخ بلسان أبناء الثورة السورية
وتنفي منصة "الذاكرة السورية" مقولة "التاريخ يكتبه المنتصرون"، التي كادت أن تصبح قاعدة معرفية لا تصح عملية التأريخ من دونها. فهي تحاول أن تبرهن أن الأحداث والوقائع يمكن أن تروى وتوثق بشكل مختلف بشهادات وصور من صنعوا الحدث.
وفي هذا الصدد، تشير مسؤولة قسم التاريخ الشفوي في المنصة سهير الأتاسي إلى أنه عادة ما تكتب قوى الأمر الواقع التاريخ، لكنها تقول: "نحن أردنا أن يكتب التاريخ أبناء الثورة السورية، فمن صنعوا الأحداث هم الذين يسجلونها صوتًا وصورة ويتحدثون عن تفاصيل كل ما عاشوه في الثورة السورية".
ويسعى القائمون على منصة الذاكرة السورية إلى أن يشكل مشروعهم مصدرًا ومرجعًا معرفيًا موثوقًا للباحثين والمؤرخين, فهو مكتبة رقمية ونافذة تطل من خلالها الأجيال اللاحقة على رواية دقيقة للأحداث ومختلفة عن تلك التي يرويها النظام.