من قلب دمشق، جاء الإعلان عن بداية الثورة السورية، بعد صرخة ارتفعت لأول مرة مرددة صدى الربيع العربي المنادي بإسقاط النظام.
قيل حينها إن في نبرتها إنجاز يكسر حاجز الخوف الذي بناه النظام السوري بإرثه الحاكم على مدى عشرات السنين. فأين هو هذا الصوت اليوم، وأين هي سوريا بعد 12 عامًا على انطلاق ثورتها؟
إنقاذ النظام من الانهيار
على عكس أحلام الثوار، لم يسقط النظام، ولبقائه حتى اليوم أسباب ومعطيات وتحولات ميدانية وسياسية تقف خلفها جهات إقليمية ودولية غيّرت مجريات الحرب وقلبت المعطيات بما يتناسب مع مصالحها.
روسيا وإيران على رأس القائمة بعدما أدى تدخلهما العسكري إلى إنقاذ النظام من انهيار محتمل وإعادة تفعيل قواته على الأرض، ومن بعده على الساحة السياسية عبر إطلاق موسكو أكثر من مسار تفاوضي لصالحه.
أبرز محطات الثورة السورية منذ اندلاعها في 15 مارس 2011👇#سوريا #تقدير_موقف pic.twitter.com/uQlJyWVFZw
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) March 20, 2023
لكن مساعي الأشهر الأخيرة تكشف عن منعطف جديد للتحولات السياسية مع ظهور مشهد يعكس انفتاحًا واضحًا لتركيا على النظام.
وظهرت أولى هذه الملامح بعقد وزيري الدفاع السوري والتركي محادثات في موسكو في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والتنسيق لاجتماع رباعي على مستوى وزراء الخارجية يضم كلًا من روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري، كان من المقرر أن تستضيفه موسكو الأسبوع الماضي، لكنه أرجئ في اللحظات الأخيرة.
أخطاء المعارضة
في هذا الانفتاح، يرى محللون أن المصالح السياسية تحكم المشهد السوري من جديد، فأنقرة تسعى من خلال هذه المفاوضات إلى الخروج باتفاق قبل انتخاباتها الرئاسية.
ففي هدوء الساحة السورية، مصلحة تعيد تركيا من خلالها آلاف اللاجئين السوريين المتواجدين على أراضيها.
وعلى غرار أنقرة، مدت بعض الخطوط العربية إلى دمشق، على خلفية المساعدات الإنسانية جراء زلزال فبراير/ شباط الماضي.
هذه الأبواب يُتوقع أن تفتح، قاطعة أحلام المعارضة التي انكفأت في حيّز جغرافي ضيق في الشمال السوري، والتي تتحمل جزءًا من النتائج أيضًا، بعد أن فشلت في بناء هيكل صلب يجمع أطرافها، فتشتت أهدافها وتبعثرت أوراقها داخليًا وخارجيًا ليضيع معها الدعم الدولي وتبقى رهن تلك المعطيات الإقليمية ومن دون سلطة واضحة تتكلم باسمها.
النظام في وضع هشّ
في هذا السياق، يرى مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مروان قبلان أن "النظام السوري بات اليوم أضعف بكثير مما كان عليه قبل الثورة".
ويشير قبلان، في حديث إلى "العربي"، إلى أن "النظام لا يسيطر إلا على 65% من أراضي البلاد، كما أن هناك 5 جيوش تتمركز على أراضيه".
ويلفت قبلان إلى أن "سوريا تعيش اليوم وضعًا معيشيًا واقتصاديًا صعبًا وسط انهيار سعر الصرف، مع وصول أكثر من 90% من الشعب إلى تحت خط الفقر".
ويشدد قبلان على أن "كل المعطيات تشير إلى أن النظام بات اليوم في وضع هش كما لم يكن عليه في السابق".
لكنه في المقابل، يلفت إلى أنه "مقارنة مع عام 2014، يُمكن القول إن النظام بات أقوى، لأنه في تلك الفترة كان مهددًا بالسقوط لولا تدخل القوات الروسية".
ويقول: "سوريا اليوم بلد مهشّم ونسيجها الاجتماعي ممزق ووجودها معرض للخطر".
تقاسم للمصالح
من جهته، يشير مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس سلام الكواكبي إلى أن "النظام يبحث اليوم عن بقائه رغم سقوط الشعب السوري".
ويلفت الكواكبي، في حديث إلى "العربي" من باريس، إلى أنه "في السنوات الماضية راهن البعض على الخلاف بين روسيا وإيران، لكن هذا الأمر كان وهميًا".
12 عاما على الثورة السورية.. منعطف جديد للتحولات السياسية مع انفتاح #تركيا على النظام السوري#تقدير_موقف #سوريا pic.twitter.com/5hr6nJVX3p
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) March 19, 2023
ويشير إلى أن "التقاسم الميداني كان واضحًا بين الطرفين، حيث تسيطر موسكو على الوضع العسكري العام، فيما تبسط طهران سيطرتها على أماكن ريفية عبر حزب الله اللبناني وبعض الأحزاب العراقية والأفغانية".
ويوضح أن "إيران تستفيد من سوريا اقتصاديًا عبر اتخاذها لها ممرًا لتبييض الأموال عبر لبنان، فيما تستفيد روسيا من موارد البلاد عبر عقود طويلة المدى".
ضغط على تركيا
بدوره، يعتبر الباحث في مركز "حرمون" للدراسات المعاصرة سمير العبد الله أن "النظام السوري يريد من الزيارات الدبلوماسية الأخيرة، التي يمكن وصفها بالبروتوكولية، أن تكون وسيلة لإعادة تعويمه أمام العالم".
ويشير العبد الله، في حديث إلى "العربي" من اسطنبول، إلى أن "بشار الأسد لا يملك رفاهية قبول وجود القوات الروسية في سوريا، وتصريحاته الأخيرة كانت فقط للمراوغة".
ويقول: "يريد الأسد من إعلان بقاء القوات الروسية على أرضه الضغط على الجانب التركي للقبول بالتطبيع معه قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في أنقرة".
ويضيف: "روسيا تسيطر على كل الأراضي السورية ويمكنها إقامة القواعد العسكرية في أي نقطة تريدها دون العودة إلى النظام".