ظهرت ازدواجية في موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، حيث يبدو أن تل أبيب لا تكترث بإحراج حليفها الأقرب، الولايات المتحدة، التي تقول إنها تمارس ضغوطًا متواصلة على نتنياهو.
وفي ظل هذا الوضع، خرج وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي أنهى زيارته التاسعة إلى إسرائيل منذ بدء الحرب على غزة، ليقول إن نتنياهو وافق على المقترح. وأكدت المندوبة الأميركية على هذا خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي حول تطورات غزة، ليخرج بعدها نتنياهو نافيًا ذلك، ومؤكدًا مضيه في تحقيق أهداف الحرب.
"حكم بالإعدام على الصفقة"
ويوصف بلينكن الآن في تل أبيب بـ"الهاوي"، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين قالوا إن "إسرائيل كانت تتوقع شيئًا وجاءت واشنطن بشيء آخر تمامًا".
فهذا لم يحدث في الغرف المغلقة، كما تقول المنصات الإسرائيلية، تعليقًا على تصريحات بلينكن التي تأتي في إطار بث روح التفاؤل والإيجابية في مسار المفاوضات المتعثرة بسبب التعنت الإسرائيلي.
ويعتقد مسؤولون إسرائيليون أن وزير الخارجية الأميركي "حكم بالإعدام على الصفقة" بعد تصريحاته عن موافقة نتنياهو. ومع ذلك، أرسلت تل أبيب وفدًا إلى القاهرة لبحث وقف إطلاق النار.
دعم متواصل لإسرائيل
وتجدّد الولايات المتحدة في كل محفل دعمها لإسرائيل وتتحدث بإيجابية عن جولة المفاوضات الماضية والمقبلة بشأن غزة.
وتتبنى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الرؤية الإسرائيلية للحرب على غزة، وتزعم ممارسة الضغوط لتمرير بعض البنود التي تصفها بالتنازلات الإسرائيلية.
وتلك الضغوط تطلبها تل أبيب من واشنطن حيث يحدّدها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضرورة ما وصفه "ممارسة الضغط السياسي على حركة حماس"، حيث أن الضغط العسكري تتكفل به إسرائيل، كما قال نتنياهو في وقت سابق.
وأمام ذلك، تبدو حماس متمسكة بمواقفها، محملة تل أبيب مسؤولية إجهاض جهود الوسطاء في التوصل إلى صفقة لوقف الحرب على قطاع غزة.
والآن، هناك اتفاقان الأول تدعمه الولايات المتحدة ويلبي احتياجات إسرائيل، والثاني تؤيده حماس التي وافقت على مقترح بايدن الذي صاغه نتنياهو.
"نتنياهو يعيش مرحلة الراحة السياسية"
وضمن هذا السياق، يقول أمير مخول، الباحث في الشأن الإسرائيلي، إن "نتنياهو يبدو الآن في وضع مريح سياسيًا داخل إسرائيل، وبقي عليه أن يحسم أمر الصفقة".
ويضيف مخول في حديث للتلفزيون العربي من حيفا أن "نتنياهو يتخوف من الانتقال إلى حرب إقليمية، وهذه باتت ورقة ضغط بيد حماس من وجهة نظر نتنياهو، وخاصة أنه يعتقد أنه سحب كل الأوراق من حماس، لذا يبدو أنه غير متحمس لاستعادة الأسرى".
ويعتبر مخول أن "إرسال إسرائيل وفدًا تفاوضيًا إلى القاهرة يشير إلى وجود مناورات سياسية بشأن الصفقة، وخاصة أن نتنياهو لم يُطلع الوزراء على أي صيغة لتجنب إفشال مخططاته".
ويلمح إلى أن "نتنياهو يعيش مرحلة الراحة السياسية، وهذا ما يمكنه من اتخاذ القرار الذي يريده، ولا سيما أن نتنياهو لا يثق بالجيش ولا بالوفد المفاوض، ولهذا لا يمنح هذا الأخير صلاحيات، كونه يرجع كل ذلك إلى حسابات سياسية خاصة به".
"الاحتفاظ بأوراق القوة"
بدوره، يقول الكاتب السياسي إياد القرا، إن "حماس قدمت أكثر من مبادرة خلال الأشهر الأخيرة، وهي متمسكة بما قدمته من مرونة عالية، وخاصة بما تقدم به بايدن".
ويضيف القرا في حديث للتلفزيون العربي أن "نتنياهو أضاف إشكاليات جديدة خلال المفاوضات لم تكن موجودة، حيث أضاف طلبًا يخص النازحين".
وأردف: "نتنياهو يريد أكبر عدد من الأسرى في المرحلة الأولى من أجل تسويق أي صفقة يتم الاتفاق عليها، وهو يريد أن يحتفظ بأوراق قوة في المرحلة الثانية، منها الحدود المصرية الفلسطينية وعودة النازحين".
وتابع: "نتنياهو يناور من أجل استعادة نحو 40 جنديًا إسرائيليًا لدى المقاومة، وهو يلعب على الوقت من ناحية تنفيذ عمليات اغتيال جديدة بحق قادة حماس، كي يعتبر ذلك انتصارًا لتسويق المرحلة الأولى من الصفقة".
وينوه القرا إلى أن "حماس لن تقبل بوجود قوات الاحتلال في غزة، سواء في نتساريم أو حتى في فلادلفيا، لأن وجود الجيش الإسرائيلي سيكون سببًا للتوتر المستمر في القطاع".
"الحافز الإيجابي"
من جانبه، يرى ريتشارد تشازدي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، أن "زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى إسرائيل والقاهرة والدوحة شددت على أن واشنطن لديها قلق بشأن انتشار النزاع في المنطقة وتحوله إلى نزاع إقليمي".
ويضيف تشازدي في حديث للتلفزيون العربي من واشنطن، أن "بلينكن يحاول العمل مع مصر وقطر للوصول إلى اتفاق في غزة وانتزاع موافقة حماس بالتوسط مع إسرائيل".
واستدرك: "نتنياهو رفض أكثر من مرة الاتفاق، وهو يريد أن يكون محوري نتساريم وفيلادلفيا تحت السيطرة الإسرائيلية".
وتابع: "الآن هناك مشكلة تتعلق بإسرائيل وهي محور فيلادلفيا، وهي نقاط ما تزال معقدة في هذه المرحلة، إذ أن إسرائيل لا تريد أن يتحرك الفلسطينيون بسهولة".
ويذهب تشازدي إلى القول: "إدارة بايدن لن تغير موقفها الداعم لإسرائيل، وهذا يجعل التفاوض صعبًا مع نتنياهو، ولكن واشنطن لديها ما تقدمه، وقد يكون في إطار الحافز الإيجابي من قبيل تبديد مخاوف إسرائيل الأمنية من أجل كسر النطاق الواسع لمفهوم وقف إطلاق النار"، وفق قوله.