في خطاب له قبل ثلاثة أيام من بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي، ذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مدينة أوديسا بالاسم، متعهّدًا بـ"القبض على المجرمين هناك" و"تقديمهم إلى العدالة".
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن المدينة، التي تعتبر مفتاح البحر الأسود ومدينة الانفتاح والتنوّع على العالم، تشكّل الهاجس الأكبر للرئيس الروسي الذي يُدرك أن مصير أوكرانيا وإمكانية وصولها إلى البحر، ووصول الغذاء إلى العالم، مرهون بها.
وبعد حوالي ستة أشهر من الحرب، لا تزال أوديسا تقاوم، وعادت مظاهر الحياة اليومية إليها، فأُعيد فتح المطاعم ومسرح الأوبرا، وعاد الناس لاحتساء القهوة في الشوارع.
لكن هذه العودة تخبىء في طياتها القلق من عودة القصف من جديد، خاصة وأن الحرب تقع على بعد حوالي 80 ميلًا إلى الشرق. وتنتشر أكياس الرمل المملوءة من شواطئ المدينة المهجورة، والحواجز المضادة للدبابات من القضبان المعدنية، بينما تفرض الدوريات الليلية حظر التجول في الساعة 11 مساء.
"جوهر الحرب"
وأوضحت "نيويورك تايمز" أن أوديسا هي جوهر الحرب ليس فقط لأنها تحمل مفتاح البحر الأسود، ولكن أيضًا لأن المعركة بين الهوية الروسية والأوكرانية، وبين ماض إمبراطوري ومستقبل ديمقراطي وبين نظام مغلق مقابل نظام متصل بالعالم؛ فالمدينة ترمز إلى كل ما يريد بوتين إبادته في أوكرانيا.
يتحدّث سكان أوديسا اللغة الروسية، ويشتركون الكثير من التاريخ مع روسيا، لكنهم الآن يعيشون في صدمة من الحرب الروسية.
وقال غينادي تروخانوف (57 عامًا)، رئيس بلدية أوديسا الذي كان متعاطفًا مع روسيا في السابق، للصحيفة: "روسيا تدمر ادعاءها بأنها أمة ثقافية، وأوديسا هي العاصمة متعددة الثقافات لأوكرانيا"، مضيفًا: "لقد حوّل بوتين روسيا إلى أمة القتل والموت".
وروى سكان المدينة قصصًا عن ما أسموه "القومية الروسية الاستبدادية مع مدينة التنوّع والانفتاح"، وقالوا إن القوات الروسية تسعى الآن إلى فرض استبداد قمعي على أوديسا كجزء من حملة "تشويه" أوكرانيا الديمقراطية.
ورغم أن تعاطفها مع روسيا استمر لفترة طويلة بعد استقلال أوكرانيا عام 1991، تجد أوديسا نفسها الآن في حرب فكّ الارتباط عن سيطرة روسيا، وضاعفت الحرب الروسية الوعي القومي الأوكراني لدى سكان أوديسا.
تمّ تزيين كل مبنى تقريبًا في أوديسا بخطوط من الطلاء الأزرق والأصفر، وهي ألوان العلم الأوكراني التي ترفرف فوق أبواب المنازل والمحال.
وبينما تتسارع الحرب الروسية على أوكرانيا، وضع بترو أوبوخوف، السياسي المحلي، قائمة بحوالي 200 شارع يحملون أسماء روسية ستغيّرها سلطات المدينة. وقال للصحيفة: "إذا كانت موسكو تريد محو اسم أوكرانيا، كما يعتقد، فإن أوديسا ستمحو معظم آثار روسيا".