الخميس 21 نوفمبر / November 2024

مقاتلات شبح وصواريخ.. أسلحة غربية اتخذت من بلدان عربية حقول تجارب

مقاتلات شبح وصواريخ.. أسلحة غربية اتخذت من بلدان عربية حقول تجارب
الثلاثاء 13 أغسطس 2024

شارك القصة

دول عربية تحولت إلى حقول تجارب لأسلحة أميركية وروسية وصينية ظهرت واختُبِرت للمرة الأولى في ساحات معارك حقيقية
دول عربية تحولت إلى حقول تجارب لأسلحة أميركية وروسية وصينية ظهرت واختُبِرت للمرة الأولى في ساحات معارك حقيقية

قد لا يكون جديدًا توصيف الساحات العربية بأنّها "حقول تجارب" للدول الغربية، لكنّ هذه العبارة قد تجد خير تجسيد لها عند الحديث عن عالم الأسلحة تحديدًا، التي دخل كثير منها الخدمة في دول عربية للمفارقة.

فمن سوريا إلى العراق وليبيا وغيرها، تحوّلت بلدان عربية في محطات تاريخية عديدة، إلى ساحات مفتوحة تُجرَّب فيها مختلف أنواع الأسلحة الغربية للمرة الأولى.

وتتفاوت أنواع الأسلحة التي جُرّبت في الساحات العربية، إذ تضمّ مقاتلات شبح وصواريخ ودبابات وأنظمة دفاع ليزرية، كلها دخلت الخدمة في ساحات قتال عربية ساهمت في تطويرها لاحقًا لتصبح أكثر قوة ودقة.

فماذا نعرف عن الأسلحة التي ساهمت العمليات العسكرية في سوريا والعراق وليبيا في ظهورها ومن ثمّ تطويرها؟ وكيف تحوّلت هذه الدول العربية إلى حقول تجارب لأسلحة أميركية وروسية وصينية ظهرت واختُبِرت للمرة الأولى في ساحات معارك حقيقية؟

يصحبنا حسن هاشم في رحلة بين بلدان عربية تحولت إلى حقول تجارب لأسلحة أميركية وروسية وصينية
يصحبنا حسن هاشم في رحلة بين بلدان عربية تحولت إلى حقول تجارب لأسلحة أميركية وروسية وصينية

أسلحة استُخدِمت للمرة الأولى في سوريا

في التاسع من مارس/ آذار 2022، عاشت مدينة ماريوبول الأوكرانية ما وُصِف بالمشهد القادم من الجحيم، بعد تعرّض مستشفى المدينة لقصف روسي عنيف.

يومها، صدم العالم بأكمله من هول المشهد، لكنه لم يكن يعلم أنه كان مستنسخًا من مشاهد عدّة عاشتها مدن سورية.

فبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش ووكالات إخبارية، استخدمت روسيا خلال هجومها على ماريوبول قنابل عنقودية، كانت قد جرّبتها سابقًا في قصف مجمعات سكنية ومستشفيات في مناطق بسوريا.

هكذا، تعود القصّة إلى العام 2015، حين دخلت روسيا ساحة الحرب في سوريا، لتتحول روسيا بعد ذلك إلى ما يشبه مختبرًا لأسلحة موسكو القديمة والجديدة، حتى إنّ وزير الدفاع الروسي قال إنّ 320 سلاحًا جُرّب أثناء التدخل في سوريا، فما أبرزها؟

سوخوي-34.. "فرخ البط"

من بين الأسلحة التي جُرّبت في سوريا لأول مرة، قبل تطويرها بعد ذلك، المقاتلة سوخوي – 34، الطائرة التي حلقت في سوريا لأول مرة، مسلحة بصواريخ جو- جو للدفاع، بعد أقل من أسبوع من إسقاط طائرة إف-16 الأميركية لطائرة روسية.

وتجمع هذه المقاتلة التي كانت سوريا أول امتحان لها، بين خصائص نسخ سابقة من سوخوي، مثل التفوق الجوي لسو 27 والقصف الأرضي لسو 25.

حلّقت المقاتلة سوخوي – 34، في سوريا لأول مرة، مسلحة بصواريخ جو- جو للدفاع
حلّقت المقاتلة سوخوي – 34، في سوريا لأول مرة، مسلحة بصواريخ جو- جو للدفاع

وبعد تجربتها في سوريا، أضاف لها الروس ميزات الحرب الإلكترونية، فجعلوا منها منصة هجومية فريدة من نوعها، مثل أنظمة ملاحة عبر الأقمار الصناعية، وعاصفة المدمرات: منظومة خيبيني-إم للحرب الإلكترونية القادرة على حجب الطائرة تمامًا من خلال غطاء واق.

وبذلك أصبح بإمكانها ضرب كل الأهداف الجوية والبرية والبحرية باستخدام الخداع والتخفي الراداري، وهو ما ظهر جليا في أكثر من مرة، عندما ضربت أخيرا أهدافًا في أوكرانيا.

كاموف كا-52.. "صياد الليل"

لم تكن المقاتلة سوخوي-34 الوحيدة التي استفادت من وجودها في سوريا فهناك أيضًا المروحية مي 28، التي توصَف بـ"صياد الليل"، في إشارة إلى المروحية الروسية المعدلة التي تعد واحدة من أفضل المروحيات الهجومية للجيش الروسي.

سوريا كانت أيضًا اختبارًا جادًا لهذه الطائرة، لتظهر بعدها بنسخة أكثر دقة، مع فرقة المظليين الروس في حرب أوكرانيا، فالرئيس التنفيذي لشركة المروحيات الروسية أندريه بوجينسكي، كشف عن تعديلات الطائرة بعد التجربة في سوريا، تتعلق بتصميمها والأسلحة التي تحملها وأنظمة الدفاع على متنها.

تُعَدّ كاموف كا – 52 واحدة من أفضل المروحيات الهجومية للجيش الروسي
تُعَدّ كاموف كا – 52 واحدة من أفضل المروحيات الهجومية للجيش الروسي

بوجينسكي لم يتحدث عن تطوير الطائرة بعد تجربتها في سوريا فقط، بل أشار أيضا إلى أن سوريا، كانت أول ساحة حرب تدخل معتركها هذه المروحية، وهي "كاموف كا-52" التي تُلقب بالتمساح الحربي.

آر 9 إكس.. "قنبلة السكاكين

قد تكون مفارقة مثيرة للاهتمام أنّ روسيا ليست وحدها من استفادت من الحرب في سوريا، فعند الحديث عن الأسلحة التي جُرّبت للمرة الأولى في سوريا، يبرز أيضًا صاروخ هلفاير المعدل آر 9 إكس المعروف بـ"قنبلة السكاكين".

هذا الصاروخ كان محاطًا بالسرية التامة، حتى ظهر لأول مرة بما يبدو أنها نسخته المعدلة، في عام 2017، عندما استهدف الزعيم الثاني لتنظيم القاعدة، أبو الخير المصري صهر بن لادن، الذي كان يتنقل بسيارة في محافظة إدلب شمال غربي سوريا.

يُعرَف صاروخ هلفاير المعدل آر 9 إكس بـ"قنبلة السكاكين" وكان محاطًا بالسرية التامة
يُعرَف صاروخ هلفاير المعدل آر 9 إكس بـ"قنبلة السكاكين" وكان محاطًا بالسرية التامة

يذكر أنّ صاروخ هيلفاير التقليدي كان يستخدم كذخيرة مضادة للدبابات فقط، ولكنه طور بعد عام 2013 بطلب من الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما الذي كان يريد سلاحًا يقلّل من الضحايا المدنيين أثناء عمليات الاغتيال، فاستبدل الرأس الحربي للصاروخ بحلقة من الشفرات الحادة وأصبح يعتمد عمله على إصابة الهدف بدقة.

وبدلا من أن ينفجر، أصبح يحتوي على شفرات سكاكين حادة متداخلة تخرج لحظة الاصطدام، لتصيب هدفها وقد استخدمه الجيش الأميركي والوكالات الاستخبارية خلال العقدين الماضيين، لضرب أهداف في العراق وأفغانستان واليمن.

مركبة قتالية مسلحة تدمر طائرة دون طيار

ومن سوريا إلى ساحة حرب أخرى كانت مفتوحة قبل سنوات، وتحديدًا ليبيا، حيث وقع حدث غير اعتيادي في أغسطس/ آب 2019، عندما دمّرت مركبة قتالية مسلحة، مستخدمة أشعة الليزر، مركبة قتالية أخرى.

حصل ذلك في ساحة مصراتة الليبية، حيث سقطت طائرة بدون طيار صينية الصنع، من نوع وينغ لونغ 2، ووفق الترجيحات العسكرية، فقد أسقطت المسيرة، بواسطة سلاح ليزر محمول على سيارة مدرعة.

ومن المرجح أنّ ذلك المشهد عير العادي وثّق المرة الأولى في تاريخ الحروب، التي تدمر فيها مركبة قتالية مسلحة بواسطة أشعة ليزر، طائرة دون طيار.

ولعلّ ما قد يدهش أكثر في هذا المشهد أنّ السلاح ليس أميركيًا أو روسيًا، بل هو تركي، إذ التقطت منظومة الليزر التركية أرمول، المسيرة وينغ لونغ 2 الصينية، بينما كانت تؤدي مهمة لقوات حفتر، المسيطرة على الشرق الليبي، ويرجح أنها أسقطتها أرضا.

التقطت منظومة الليزر التركية أرمول، المسيرة وينغ لونغ 2 الصينية، بينما كانت تؤدي مهمة لقوات حفتر
التقطت منظومة الليزر التركية أرمول، المسيرة وينغ لونغ 2 الصينية، بينما كانت تؤدي مهمة لقوات حفتر

يذكر أنّ النظام الليزري الذي يعتقد أنه استخدم، والذي طورته شركة أسلسان، هو نظام دفاع جوي بقوة 50 كيلوواط. وقد ساهمت هذه الحادثة فيما بعد في تطوير تلك المنظومة الليزرية التركية التي أثبتت فاعليتها، فأنتج نظام مطور عن أرم أول يدعى نظام جرم أول.

وطورت عدة شركات، الأنظمة الميكانيكية والأنظمة البصرية والأنظمة الأخرى/ ودمج جرمول بالكامل في المدرعة التركية بي إم سي كيربي، ليصبح قادرًا على التصدي للتهديدات المختلفة، إلى مدى خمسة كيلومترات.

خراب وفوضى ودمار.. من سيكون حقل التجارب القادم؟

في كلّ الأحوال، لا شكّ أنّ استخدام النزاعات في الشرق الأوسط أرضًا خصبة لتجربة الأسلحة ليس بحديث، ولعلّ الحرب العراقية الإيرانية، التي تُعرَف بحرب الخليج الأولى، أحد النماذج الواضحة على ذلك.

فقد كانت تلك الحرب بمثابة أول اختبار لنحو 2500 دبابة في ساحة معركة حقيقية، كما ساهمت في تطوير نسخ عديدة من الدبابات في الصين، وصولا إلى الطراز تي تسعة وتسعين، التي تتميز بدرع تفاعلي وأنظمة كمبيوتر حديثة/ وتعد آخر ما وصلت إليه الصناعات العسكرية الصينية.

هكذا، أصبحت بلداننا حقول تجارب أسلحة مختلفة، استفاد منها من أجّج الصرعات في مناطقنا لتطوير تلك الأسلحة، وتعزيز قوتهم في حروبهم الحديثة، وطبعا لكي يتربحوا منها مليارات الدولارات، غاضين الطرف عن حجم الدمار الهائل في البنى التحتية وفاتورة الدم الكبيرة وأرواح المدنيين العزل التي أزهقت، في تجارب بصورة تحالفات تدعم تارة هذا وتحمي تارة ذاك.

أما النتيجة فدومًا واحدة: خراب وفوضى في منطقة يقابله ازدهار وتطور في منطقة أخرى، وهنا يبرز السؤال الأهمّ.. من سيكون حقل التجارب القادم؟


في الحلقة المرفقة من برنامج ترسانة يصحبنا حسن هاشم في رحلة بين بلدان عربية تحولت إلى حقول تجارب لأسلحة أميركية وروسية وصينية ظهرت واختُبرت للمرة الأولى في ساحات معارك حقيقية.

المصادر:
العربي تيوب
Close