كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن توجّه لتأسيس حلف عسكري شرق أوسطي، يضم دولًا عربية عدة وقد تشارك فيه إسرائيل.
وأظهر أحدث دعم صريح لهذا المشروع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الذي قال: "سأكون من أوائل المؤيدين لتحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار حلف الناتو، ولكن مرتبط بسائر العالم".
وأضاف أن هذا التحالف "يجب أن يكون واضحًا ودوره محددًا جيدًا، وبغير ذلك سيربك الجميع".
ويعلل العاهل الأردني هذا التوجه بتحديات تواجهها دول المنطقة أفرزتها الحرب في أوكرانيا، إضافة إلى الحاجة لتعاون أمني وعسكري في الشرق الأوسط.
"دور إسرائيلي متقدم"
هي إذًا نسخة شرق أوسطية من حلف الناتو الذي تعمل بعض دول المنطقة عليه بنشاط، وتعد 6 دول عربية حاليًا حليفة للولايات المتحدة من خارج حلف الناتو.
إلى ذلك، تظهر تصريحات المسؤولين الإسرائيليين أن تل أبيب ستلعب دورًا متقدمًا في هذا التحالف. فقد أعلن وزير الدفاع بيني غانتس قبل أيام بناء إسرائيل تحالفًا دفاعيًا جويًا إقليميًا برعاية الولايات المتحدة. وكشفت وسائل إعلام أميركية عن نشر إسرائيل منظومات رادار في الإمارات والبحرين.
ويتزامن الحديث عن ناتو شرق أوسطي مع تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران وغموض يحيط بمصير الاتفاق النووي وجولات مكوكية لعدة قادة عرب؛ آخرها جولة ولي العهد السعودي التي قادته بداية إلى مصر والأردن، قبل أن يطير ملك الأردن في اليوم التالي إلى أبو ظبي لمناقشة المستجدات الإقليمية وتعزيز أمن المنطقة واستقرارها.
بدورها الولايات المتحدة التي طلبت منها إسرائيل قيادة هذا التحالف، دخل مشرعوها على خط تقنينه والإعلان عنه رسميًا.
فقد قدّم مشرّعون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي مشروع قانون يمنح البنتاغون مهلة 80 يومًا لتقديم إستراتيجية لدمج الدفاعات الجوية لتسع دول عربية؛ هي دول مجلس التعاون الست إضافة إلى العراق والأردن ومصر مع إسرائيل.
وتستبق تصريحات وتحركات زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الرياض، حيث يشارك في قمة تجمع قادة الدول التسع التي طالب الكونغرس بدمج دفاعاتها الجوية مع إسرائيل لمواجهة ما يصفها بالتهديدات الإيرانية.
"ضرب من الخيال"
تعليقًا على هذه التطورات، يشير أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت عبدالله الشايجي إلى أن الحديث عن ناتو عربي ضرب من الخيال.
ويوضح في حديثه إلى "العربي" من الكويت، أن الدول التي يتم الحديث عنها الآن؛ دول الخليج ومصر والعراق والأردن "ليس لديها الأهداف والسياسات والتوجهات والعلاقات نفسها مع الدول الأخرى، ولا سيما إيران".
ويلفت إلى أن ذلك أحد الأسباب في فشل ما يُسمى بالتحالف الإستراتيجي للشرق الأوسط، الذي روّج له الرئيسان الأميركيان السابقان باراك أوباما ودونالد ترمب.
ويذكر بأن ليس لدى هذه الدول رؤية مشتركة تجاه إسرائيل، ولا تجاه إيران، قائلًا: هناك صقور، وهناك حمائم وهناك اختلاف في وجهات النظر.
ويرى أن ما تريده إدارة بايدن هو تعويم إسرائيل؛ أن تكون لاعبًا أساسيًا ولديها قبول إقليمي في المنطقة وأن تلعب دورًا إيجابيًا في مواجهة إيران.
ويردف: "نحن لسنا مستعدين أن نتحالف مع إسرائيل لمواجهة إيران، هذه معركة بين طرفين. نحن لسنا طرفًا فيها".
ويذكر بأن من يراهن على أن إسرائيل مستعدة لأن تدافع عن أمن هذه الدول العربية فهو مخطئ بشكل كبير، إذ لا تهتم إسرائيل سوى بأمنها فقط.
"الفكرة ليست جديدة"
من جانبه، يلفت أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قطر حسن البراري إلى أن فكرة إنشاء تحالف إسرائيلي عربي مقابل عدو خارجي ليست جديدة.
ويوضح في حديثه إلى "العربي" من عمان، أن هذه الفكرة طُرحت في منتصف الثمانينيات عندما كان وليام هيكز وزيرًا للخارجية الأميركية ضد الاتحاد السوفياتي.
ويشير إلى أنه يعود الآن "الخطر نفسه الذي تتفق عليه هذه الدول، أو أقله النظام الرسمي فيها، من حيث القول إن إيران تشكل تهديدًا كبيرًا لا يمكن التسامح معه؛ وتبرز هنا دول خليجية رئيسية على رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات اللتان تعتبران أن إيران تشكل الخطر الأكبر ولا بد من تحالف ضدها".
ويرى أنه "في ظل انكفاء واشنطن بعد أن جاء أوباما إلى الحكم وأعلن إستراتيجية التوجه إلى الشرق، باتت هذه الدول تخشى مواجهة إيران، وهي تواجهها في ساحات مختلفة وتتلقى خسائر على أيدي الإيرانيين في اليمن على سبيل المثال ولبنان، وباتت تنظر إلى إسرائيل على أنها الضامن الذي يمكن الوثوق به.
ويتحدث عن تقاطع بين دول خليجية رئيسية وإسرائيل في ما يتعلق بالخطر الإيراني، مذكرًا بأن إسرائيل تنظر إلى إيران على أنها تشكل تهديدًا لمصالحها في المنطقة.
ويلفت إلى أن العقبة الأساسية التي تقف أمام هذا التحالف، هي أن الدول العربية التي ستنضوي تحت لوائه ترى مصادر التهديد بشكل مختلف.
"منهجية غير واضحة"
بدوره، يذكر الدبلوماسي الإيراني السابق صباح زنغنة، أن أي تحالف لا بد أن تكون له منهجية معينة، وأن تكون أهدافه واضحة.
ويقول في حديثه إلى "العربي" من طهران، إن هذه المنهجية غير واضحة، ولذا لا أجد أن هذا التحالف يمكن أن يأتي بنتيجة، على غرار تحالفات حصلت سابقًا.
ويذكر بأن "السعودية جيشت الجيوش في قضية اليمن، ودعت الدول ودخلت معها الكثير من الميليشيات؛ من التشاد والسودان والسنغال والصومال.. ولكن في نهاية الأمر ما زالت الأمور في اليمن غير واضحة، ولم تحصل السعودية على نصر فيه".
إلى ذلك، يوضح أن "الناتو الذي يحاولون تقليده في المنطقة ما زال يعاني من مشكلات.
ويلفت إلى أن إيران سعت بقلوب مفتوحة وأيد ممدودة إلى كل جيرانها في المنطقة، ولكنها تعلن صراحة أن الكيان الإسرائيلي غير مقبول والشعب الفلسطيني لا زال يعاني وقضية اللاجئين غير محلولة، والاحتلال الإسرائيلي يزداد قضمًا للأراضي الفلسطينية وللمياه الأردنية".