بما يشبه "قرع طبول الحرب"، ترتفع نبرة التهديد بين إيران وإسرائيل بشكل واسع منذ أيام، بعد الإصرار الإسرائيلي على العمل ضد طهران، سواء تمّ الاتفاق النووي أم لم يتمّ.
وفي سياق "الحرب الإعلامية" بين الجانبين، لفت خلال الساعات الماضية تحذير قائد بحرية الحرس الثوري الإيراني بعض الدول التي وصفها بالشقيقة من العلاقة مع إسرائيل، موضحًا أنّ السماح بوجود إسرائيل على أراضي دول جارة لإيران يهدّد أمن هذه الدول والمنطقة.
جاء ذلك بعدما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عقب زيارة رئيس الوزراء نفتالي بينيت الإمارات يوم الخميس الماضي، أنّ المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نشرت حديثًا منظومة رادارات في دول في الشرق الأوسط والخليج، منها البحرين والإمارات، لمواجهة ما سمّتها التهديدات الصاروخية الإيرانية، ولم تذكر القناة الوقت الذي نشرت فيه هذه المنظومة.
"إحباط" هجوم إيراني في تركيا
وعلى خطّ الحراك الإقليمي والدولي المتسارع خلال هذه الفترة، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أنّ الحزبين الجمهوري والديمقراطي قدّما في الكونغرس الأميركي مشروع قانون يقترح أن يعمل البنتاغون مع إسرائيل والدول العربية لدمج قدراتها الدفاعية الجوية في مواجهة التهديدات الإيرانية.
وفي سياق غير بعيد، أشارت وسائل إعلام إسرائيلية كذلك إلى أنّ إسرائيل أحبطت هجومًا إيرانيًا ضدّ أهداف إسرائيلية في تركيا الشهر الماضي. وذكر موقع صحيفة يديعوت أحرونوت نقلًا عن مسؤولين إسرائيليين أنّ الهجوم الإيراني "كان سيكون كبيرًا"، بينما كشف مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى لموقع والا أنّ الهجوم الإيراني كان على شكل محاولة اختطاف، وقد أحبِطت بالتعاون مع الأجهزة الأمنية التركية.
إزاء ذلك، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام حول أسباب وتداعيات الوجود العسكري والأمني الإسرائيلي في منطقة الخليج، وما إذا كان مشهد المنطقة ونبرة التهديدات يؤشر عمليًا إلى أنّ المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل باتت "وشيكة" كما يعتقد كثيرون.
أين "مصلحة" دول مجلس التعاون الخليجي؟
يشير أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت عبد الله الشايجي إلى أنّ التصعيد والتراشق مستمرّ منذ عامين تقريبًا بين إيران وإسرائيل سواء بشكل مباشر داخل إيران باستهداف قيادات الحرس الثوري أو بشكل غير مباشر، لكنّه اتخذ في الساعات الماضية مستوى عاليًا.
ويلفت الشايجي في حديث إلى "العربي"، من واشنطن، إلى حديث رئيس الأركان الإسرائيلي عن 6 سيناريوهات لعمليات عسكرية وخصّ فيها لبنان، ليخلص إلى وجود "أجواء تصعيد واحتقان شبيهة بتلك التي سادت عشية حرب إسرائيل على لبنان في 2006".
وفيما يتحدّث عن قرع طبول واضحة من الطرفين، يشير إلى أنّه "لا يوجد تأكيد أنّ هناك رادارات إسرائيلية في أي دولة خليجية"، معتبرًا أنّ هذه المعلومة جاءت بناءً على تسريبات إسرائيلية، لم تثبت صحتها.
ويعتبر الشايجي أنّ مثل هذا الأمر ليس من مصلحة دول مجلس التعاون في ظل غياب موقف خليجي موحد تجاه إيران أو إسرائيل، مشدّدًا على أنّه لا يوجد مبرر لاستدراج عداء مع إيران باستضافة الموساد الإسرائيلي أو استضافة رادارات أو منصّات دفاعية إسرائيلية.
ويقول: "نحن لسنا طرفًا في هذه المواجهة التي تقرع طبولها بقوة خصوصًا خلال الساعات الـ48 الماضية"، لافتًا في هذا السياق إلى أنّ الرسائل لم تعد مشفرة بل أصبحت واضحة مع اعتراف إسرائيل باستهداف أهداف إيرانية في سوريا وإخراج مطار دمشق عن الخدمة وضرب مخازن لإيران وحزب الله.
ويضيف: "هذه كلها رسائل واضحة، وبالتالي فنحن نعيش في أجواء تصعيد متبادل، ولا يجب أن نكون طرفًا في هذه المواجهة".
إسرائيل تريد "توريط" الدول الخليجية ضد إيران
من جهته، يحذر الكاتب والباحث في الشؤون الإقليمية محمد صالح صدقيان من أنّ إسرائيل تريد توريط الدول الخليجية في أيّ مواجهة أو حرب قد تنشب بينها وبين إيران.
ويشير في حديث إلى "العربي"، من طهران، إلى أنّ إيران ليست دولة صغيرة وهي تمتلك إمكانيات كبيرة، موضحًا أنّ أي مواجهة عسكرية أو حرب بين إسرائيل وإيران لن تتأطّر بحدود معيّنة وإنما ستشعل الكثير من المناطق.
وإذ يذكّر بأنّ إيران قالت إنّها ستردّ على أيّ نقطة ينطلق منها تهديد موجّه إلى إيران، يجزم أنّ إيران لن تكون البادئة بطبيعة الحال في حال نشوب حرب.
ويوضح أنّه "إذا اعتدت إسرائيل على إيران ستردّ طهران لكن الردّ الإيراني سيكون محصورًا في حدود معينة وربما يشمل أكثر من موقع"، ويضيف: "إسرائيل لا تمتلك العمق الإستراتيجي لتستوعب الضربة الإيرانية، ولذلك تريد تقاسم الضرر مع بعض الدول التي تريد أن تقف معها في مثل هذه المواجهة".
إلا أنّ صدقيان يعرب عن اعتقاده بأنّ "ما يشاع من تحالف عربي تدخل فيه إسرائيل أفكار وتصوّرات إسرائيلية وخيالات إسرائيلية"، موضحًا أنّ "إسرائيل تريد استدراج الدول العربية والخليجية لتتقاسم الضرر معهم".
ويشدّد على أنّ إيران لا تريد المواجهة مع أي دولة خليجية، وهي لا تعتبر الدول الخليجية عدوة لها بأيّ شكل من الأشكال.
"هدف" إسرائيل الأساسي من اتفاقيات التطبيع
أما مدير عام مركز "مدى الكرمل" للأبحاث في حيفا مهند مصطفى فيشير إلى أنّ الهدف الأساسي والإستراتيجي لإسرائيل من اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية، إضافة إلى قضية تعزيز موقعها ونفوذها، كان الاقتراب من الساحة الإيرانية.
ويشير في حديث إلى "العربي"، من أم الفحم، إلى أنّ إسرائيل أرادت الإحاطة بإيران ومحاصرتها، موضحًا أنّ إسرائيل رأت في الاتفاقيات مع الدول العربية فرصة لتعزّز من قدراتها الدفاعية من خلال بناء منظومة دفاع إقليمية لتساعدها على ردع إيران.
ويشرح أنّ واحدة من نقاط القوة الإيرانية بالنسبة لإسرائيل هي الصواريخ البالستية، وبالتالي فهي اعتبرت أنّ وجود منظومة دفاع إقليمي بالشراكة بين إسرائيل ودول عربية سوف يردع إيران من اتخاذ أي خطوات ضد إسرائيل.
ويلفت من جهة ثانية إلى أنّ الوجود الإسرائيلي في المنطقة، سواء كان استخباراتيًا أم عسكريًا أم أمنيًا، يسمح لإسرائيل بمراقبة إيران وتحركاتها.
لكنّه يكشف عن وجود خلاف في إسرائيل حول مدى استعداد الدول العربية لمشاركة إسرائيل في منظومات هجومية على إيران، موضحًا أنّ إسرائيل بدأت تفهم أنّ الدول الخليجية لا تريد المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران ولكن تريد الاستفادة من وجود منظومة دفاع إقليمية تكون إسرائيل والولايات المتحدة جزءًا مهمًا منها.