أكد المفكّر العربي عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أنّ الوحشية الإسرائيلية في قطاع غزة، بعد انقضاء مرحلة الهدنة، كانت متوقّعة، مشدّدًا على أنّ الأهم في هذه المرحلة هو إيجاد صيغة تقود للتوصل إلى وقف إطلاق النار، وليس إلى هدنة إنسانية فقط.
وحذر بشارة في حديث إلى "العربي"، من أنّ التهجير قائم ضمن الخطة التي تسعى إسرائيل لتنفيذها في غزة، كاشفًا أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خاطب مسؤولين غربيين بشأنها. ورأى أنّ ما يمكن أن يوقف مخطط التهجير هو موقف مصري واضح بأنّ التهجير سيُعتبر إعلان حرب.
ولفت بشارة إلى أنّ إسرائيل تستغلّ المهلة الأميركية التي حدّدها وزير الخارجية أنتوني بلينكن بأسابيع وليس بأشهر، لتكثيف عمليات القصف قبل الانتقال إلى مرحلة جديدة، أو ما وصفه بأنه "نمط جديد"، معربًا عن اعتقاده بأن المرحلة التي ستلي هذا الشهر ستكون مرحلة عمليات برية تصاحبها عند الحاجة غارات جوية.
وجدّد بشارة انتقاد موقف الدول العربية من الحرب على غزة، حيث اعتبر أنّ هذه الدول تقف "موقف المتفرّج"، مشيرًا إلى أنّ المظاهرات في الشوارع الأوروبية حاليًا أكثر تأثيرًا من القمم العربية، ومعتبرًا أنّ المتوقّع حتى على مستوى الشارع العربي كان أكثر ممّا حدث.
وفيما شدّد على أنّ المطلوب على مستوى السلطة الفلسطينية أيضًا أكبر، معتبرًا أنّ ما يجري في الضفة "غير كافٍ"، مع كلّ الاحترام له، قلّل من شأن الخلافات في الداخل الإسرائيلي بين نتنياهو ووزير أمنه يوآف غالانت، معتبرًا أنّها "مهمّة"، لكنّها مرتبطة بالتنافس فيما بينهم، لا بأساس الصراع، وبأفق الحرب على غزة.
"وحشية متوقعة" من إسرائيل
في حديثه إلى "العربي"، انطلق الدكتور بشارة من الحديث عن الوحشية التي عادت إسرائيل لاعتمادها في قطاع غزة، بعد انتهاء الهدن الإنسانية، حيث أشار إلى أنّ هذا النوع من الوحشية متوقع، استنادًا إلى المنطق الإسرائيلي الذي يقوم على أنّ الضغط على حركة حماس هو الذي يولّد استعدادًا للتفاوض، وبالتالي فيجب زيادة هذا الضغط.
ورأى بشارة أنّ ما هو إستراتيجي بالنسبة إلى الإسرائيليين وسط ذلك، هو أنّهم في سباق مع الزمن، خصوصًا بعد حديث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن "مهلة أسابيع" أمامهم، ولذلك فهم يريدون استغلال هذه الأسابيع "أسوأ استغلال" لناحية استكمال القصف الممهّد لعمليات برية أكثر.
وفيما أعرب عن اعتقاده بأن المرحلة التي ستلي هذا الشهر ستكون مرحلة عمليات برية تصاحبها عند الحاجة غارات جوية، أكد أنّ الخطة الكبرى لا تزال ثابتة، وهي تقوم على تدمير غزة والانتقام من الشعب الفلسطيني ومحاولة الوصول لوضع يمكن فيه تقليل عدد السكان وتهجيرهم.
وأشار إلى أنّ من اعتقد من كلام بلينكن أنّ إسرائيل ستكون أكثر تساهلاً مخطئ، موضحًا أنّ الكلام عن حماية المدنيين ليس ملزمًا، خصوصًا أنّه اقتصر على نصيحة، وبالتالي فهو ليس ملزمًا، علمًا أنّ الجواب الإسرائيلي عليها جاء على شكل مناورات تضليلية لا تعني شيئًا في الواقع.
وانتقد في هذا السياق تصريحات المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، ودفاعه عن إسرائيل، مشيرًا إلى أنّه يتحدّث "وكأنّه ناطق باسم إسرائيل وليس أميركا"، كما أنّه يدافع عن كل خطوة تقوم بها إسرائيل "وكأنّه معجب بها".
انتقام من المحيط الاجتماعي
وبالحديث عن الخطة الإسرائيلية في المرحلة المقبلة، أشار المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى أنها لا تزال تدور حول استعادة هيبة الردع واستعادة توازن المجتمع الإسرائيلي بالانتقام وأن تكون هناك غزة بلا حركة حماس، بمعنى ألا تكون قوة مسلحة مستقبلاً قادرة على إدارة القطاع.
وفيما أكّد أنّهم لا يزالون متمسكين بهذه الخطة على المستوى النظري، شدّد على أنّ التنفيذ مبني على قدراتهم ومعلوماتهم. وإذ أعرب عن اعتقاده أنّهم يستسهلون القصف لأنهم يستصعبون العمل على مستوى البر، ولاحظ أنّ هناك الكثير ممّا يُقصَف "بدون غاية وهدف"، لفت إلى أنّ ما هو واضح أيضًا أنّهم يعتمدون أسلوب الانتقام من المحيط الاجتماعي للناشطين والقياديّين، والذي يصل أحيانًا لحدّ هدم أحياء بأكملها.
وجدّد بشارة وصف هذا الأسلوب بأنّه "أمر قبلي بدائي من محيط اجتماعي بأسره"، كما تحدّث عن الكثير من الفوضى والتعثّر التي يواجهها الإسرائيليون في سبيل تنفيذ خطتهم، تمامًا كما يواجهون الكثير من المقاومة.
وفي حين جدّد بشارة التأكيد على وجوب أن تكون المقاومة مستعدة لأسوأ السيناريوهات بصورة دائمة، تحدّث عن وجود اتجاه إسرائيلي لاختراق خانيونس بريًا، بعد بدء العملية البرية في الجنوب.
ولم يستبعد إمكانية لجوء الجانب الإسرائيلي إلى دخول بعض البيوت العائدة لبعض قادة المقاومة، وكأنّ هؤلاء ينتظرونه فيها، مشدّدًا على أنّه ليس لذلك معنى عسكري حقيقي، ولكنهم يراهنون على الرمزية التي قد تعنيها مثل هذه الخطوة.
خيارات المقاومة وقدراتها المثيرة للإعجاب
وردًا على سؤال حول خيارات المقاومة في المواجهة، شدّد على عدم وجود ضمانات من الناحية العسكرية، موضحًا أنّ كل شيء يتوقف على قدراتهم وعلى قدرة الآخرين على التحمل.
ولفت الدكتور بشارة إلى أنّ المقاومة تحظى بشرعية تكاد تكون غير مسبوقة من الناحية المعنوية، على المستوى الشعبي، فلسطينيًا وعربيًا، برباطة الجأش التي تُظهِرها، والقدرات التي فاجأت بها الناس.
ونوّه بالشجاعة التي تُظهِرها هذه المقاومة، والتضحيات التي تقدّمها، متحدّثًا عن تطوّر نوعي في القدرات التنظيمية ورصانة وجدية قياداتها، معتبرًا أنّ التخطيط الذي تعمل على أساسه "مثير للإعجاب".
ونبّه بشارة إلى أنّ كلّ من يحاول أن يعيد المقاومة إلى الصفة الأيديولوجية مخطئ، لأنّه يخسر بذلك، معربًا عن اعتقاده بأنّ على قادة المقاومة أن يفهموا ذلك ويتجاوزوا التفاصيل في الصراعات والخلافات مع الآخرين ويدركوا مكانتهم وأهميتهم.
بين الهدنة الإنسانية ووقف إطلاق النار
من جهة ثانية، اعتبر المفكّر العربي عزمي بشارة أنّ إسرائيل لم تكن يومًا معنية بالهدنة، بل على العكس من ذلك، كان هناك رغبة من طرف الجيش الإسرائيلي للاستمرار ومواصلة المعركة حتى النهاية.
وأوضح أنّ الإسرائيليين كانوا في حالة اندفاعة ولا يريدون قطعها، خصوصًا في ظلّ اعتقاد سائد بأنّ الهدن تعطي الناس فرصة للتنفس والبحث عن أقاربهم، وهو ما لا يرغب الجانب الإسرائيلي بمنحه للفلسطينيين.
لكنّه لفت إلى أنّ أسَر الرهائن أو المحتجزين الإسرائيليين هي التي فرضت خيار الهدنة في المرحلة السابقة بالمظاهرات وغيرها، كما أنّ إسرائيل أرادت التخلص من ملف المحتجزين المدنيين قبل مواصلة المعركة، لكنّها انتظرت أول فرصة للعودة إلى الحرب.
وكشف بشارة في هذا السياق أنّ إسرائيل بدأت تفاوض على هدن بالساعة وليس باليوم وهو ما رفضته كتائب القسام لأنّه سيكون مجرد خسارة، مذكّرًا بأنّ الإسرائيلي يتعامل مع الهدن كتكتيك للاستراحة من ضغط أولياء الأمور أو الأسَر قبل مواصلة المعركة حتى النهاية.
وانطلاقًا من ذلك، أعرب عن اعتقاده بأنّ العودة للتفاوض على هذا الأساس مستحيلة، مشدّدًا على أنّ الأهمّ في هذه المرحلة هو العمل على وقف لإطلاق النار.
ورأى أنّه يجب إيجاد صيغة ولو تفاوضية للتوصل إلى ذلك، إذ لا يمكن الاستمرار بهذا الوضع، مقترحًا طرح أفكار بالتعاون مع قيادة حماس للتوصل إلى صيغة يتم التشاور حولها لطرح وقف إطلاق النار، وبالتالي إنهاء هذه المجزرة المستمرّة.
إسرائيل لا تفاوض على رهائن "تعرف مكانهم"
وإذ اعتبر الدكتور بشارة أنّ القوة الضاغطة لعائلات الرهائن لدى حركة حماس أصبحت أقلّ بعد إعادة النساء والأطفال، أكد أنّ هذه القوة لا تزال موجودة في صلب المجتمع الإسرائيلي.
وشدّد على أنّه لا يمكن تجاهل المظاهرات، معتبرًا أنّ مثل هذا الضغط، إذا ما استمرّ توازيًا مع وجود حركة تضامن دوليّة ومقاومة قوية، يمكن أن يكون مؤثّرًا فعلاً على مسار الأمور.
ولفت في هذا السياق، إلى أنّ هذا التيار الاجتماعي، إن جاز التعبير، في إشارة إلى أهالي الرهائن المحتجزين لدى حماس، هو التيار الوحيد المتاح له التظاهر في إسرائيل، فلا أحد غيرهم يجرؤ على التظاهر الآن في إسرائيل، وليس هناك قوة أخرى تضغط داخل المجتمع الإسرائيلي.
ومع تأكيده أنّه لم يكن من الأصل مؤيّدًا لوجود نساء وأطفال بين الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس، كشف أنّ عملية تبادل الأسرى أثبتت أنّ إسرائيل تكذب، وأظهرت التعامل الإنساني المشرّف من قبل حركة حماس، وليس كما يصوّر من طرف نتنياهو وزبانيته.
وأشار إلى أنّ أهالي المحتجزين يخشون على ذويهم، لا من كتائب القسام، ولكن من القصف الإسرائيلي، وهي خشية عزّزتها العملية التي حصلت في القدس، حيث كان لافتًا أنّ من قتل المنفّذين قُتِل رغم أنه ألقى سلاحه ورفع يديه.
وتحدّث في هذا السياق عن نقاش بدأ في المجتمع الإسرائيلي، حول وجود أوامر داخلية غير معلنة مستترة وتكاد تكون أحيانًا في اللاوعي قوامها "قتل الفدائي في المكان". وأضاف: "بهذه العقلية يتصرفون، وهو ما فعلوه في 7 أكتوبر وقبله وبعده، ويفعلونه اليوم في غزة".
وشدّد على أنّ إسرائيل فاوضت دائمًا على رهائن لم تكن تعرف مكانهم، لكنّها لم تفاوض مرّة على رهائن تعرف مكانهم، فهي حين تعرف مكانهم تقصفهم، مضيفًا: "إذا كانوا يعرفون أين الخاطف والمخطوف، يقصفون الخاطف والمخطوف معًا، وهو ما حصل عدّة مرّات".
خطة التهجير والموقف المصري المطلوب
وفي سياق آخر، جدّد بشارة التأكيد على أنّ التهجير قائم كخطة إسرائيلية، مشيرًا إلى أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحدّث حولها صراحةً مع بعض القادة الغربيين.
وذكّر بأنّ أول خطابات نتنياهو بعد الحرب على غزة تمحور حول أنه على أهل غزة أن يتركوا أرضهم، وهي الفكرة التي تكرّرت من صغارهم كثيرًا على وسائل الإعلام، تحت عنوان أنّ على العرب أن يأخذوا الفلسطينيين.
أكثر من ذلك، رسم بشارة سيناريو متخيّلاً يقوم على أنّ شمال غزة مقطوع عن كل الدنيا ولا أحد يستطيع التوجه الآن إلى الجنوب، ومع فقدان الدواء والغذاء والكهرباء، وتكدّس الناس في الجنوب، حيث هناك من كل 5 غزاويين 4 تشردوا خارج بيتهم، ما يعني أنّ فتح معبر رفح في هذه الظروف سيجعل الناس يخرجون، انطلاقًا من غريزة البقاء بالدرجة الأولى.
وشدّد على أنّ ما يوقف التهجير هو إنذار مصري واضح لإسرائيل بأنّ التهجير إعلان حرب، مشيرًا إلى أنّ الموقف المصري يجب أن يكون بهذا الوضوح. لكنه أضاف أنّه ليس بالضرورة أن يكون هذا الكلام علنيًا، مردفًا: "فليكن بقنوات أخرى لكن يجب أن تكون الرسالة واضحة".
وأكّد أنّ التهجير قد لا يشكّل خطرًا وجوديًا على مصر، ولكنه خطر وجودي على فلسطين، وبالتالي فعلى مصر أن تواجهه، من مبدأ التضامن، ولا سيما أنّ الإسرائيليين يتعمّدون استخدام تعبير نكبة غزة في حين أن تداعيات إسقاطات الكلمة واضح.
الدول العربية وموقف "المتفرّج"
وتعليقًا على ما يُنشَر في بعض الصحف الإسرائيلية حول خطط التهجير، والدول المعنيّة به، شدّد بشارة على أنّ "لا شيء ينفَّذ بموجب الخطط"، لافتًا إلى أنّ الإسرائيليين يستطيعون أن ينظّروا ويتكلموا، لكنهم "لا يقرّرون أين سيذهب الناس".
وإذ لفت إلى أنّ إسرائيل لا تحكم المنطقة، اعتبر أنّه ليس المعنيّ بالردّ عليها، بل القادة العرب الذين يفترض بهم أن يردّوا عليها، بكلام يتجاوز الاستنكار والإدانة، ويصل إلى حدّ التحذير والإنذار بخطوات فعلية، وهو ما لم يحصل للأسف بعد.
وتحدّث عن عوامل عدّة منعت التحرك العربي الفاعل حتى الآن، على رأسها فقدان الثقة فيما بين الدول العربية والتنافس على تحالفات مع الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أنّه لو كان هناك حد أدنى من التنسيق لأدركوا أنّ أي خطوة من هذا النوع تقوّيهم وتُكسِبهم الاحترام، وتحجّم دور إسرائيل في الوقت نفسه.
وفيما أعرب عن اعتقاده بأنّ بعض الدول العربية تخطط أن تكون حليفة لإسرائيل وليس مجرّد مطبّعة معها، رأى أنّ ما يجري حاليًا هو أنّ هذه الدول تقف موقف المتفرّج، لدرجة أنّ المظاهرات في الشوارع الأوروبية حاليًا أكثر تأثيرًا من القمم العربية، رغم أنّها حالات مدنية شعبية لا تملك جيوشًا ولا مخابرات، لكنها أهم ممّا اتُخِذ حتى الآن من قرارات على الساحة العربية.
ولفت بشارة إلى أنّ المتوقّع حتى على مستوى الشارع العربي كان أكثر ممّا حدث، مع تنويهه بالمثابرة على التحركات في بعض العواصم والدول، كالأردن والكويت، إلا أنّه شدّد على أنّ التحرك الحالي لا يكفي، ويجب أن يكون هناك تحرك تضامني أكثر فاعلية.
ولفت إلى أنّه منذ عقد وقليل لم يعد أحد يستهزئ بالشارع العربي، متحدّثًا عن تغيّر طرأ على الخطاب الرسمي العربي من أجل احتواء الشارع، نافيًا أن يكون هذا التغيّر في الخطاب عبارة عن "صحوة أخلاقية" لدى بعض الأنظمة العربية.
الخلافات في إسرائيل "مهمّة لكن لا تخصّنا"
وتطرّق بشارة في سياق حديثه لـ"العربي" إلى الخلافات في الداخل الإسرائيلي، التي بدأت تتكشّف، خصوصًا بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير أمنه يوآف غالانت، حيث لفت إلى أنّ "هذه الخلافات مهمّة، ولكنّها لا تخصّنا".
وأوضح أنّ الإسرائيليين ليسوا مختلفين على كيفية التعامل مع غزة أو على عدد طلعات القصف، بل إنّ خلافاتهم مرتبطة بواقعهم السياسي، كما أنّهم قد يكونون مختلفين بشأن اليوم التالي بمعنى أنّ نتنياهو أكثر تساهلاً من غالانت بشأن بقاء إسرائيل في غزة لفترة طويلة.
ولفت إلى أنّ الاعتقاد السائد في الداخل الإسرائيلي هو أنّ أن لا أحد يريد أن يكون الشخص الثاني في هذه المرحلة، مضيفًا: "يريد غالانت، الفخور بالمجازر التي يرتكبها جيشه في غزة، أن يُعطى الرصيد وأن يظهر بوصفه الزعيم والقائد العسكري، في حين أنّ نتنياهو مضطر أن يظهر أكثر تواضعًا".
وخلص إلى أنّ الأمر مرتبط بتنافس بين المسؤولين الإسرائيليين حول استثمار هذه الحرب على مستوى مستقبلهم السياسي، علمًا أنّ التحالف الحزبي هو شكّل القاعدة لإعلان الحرب، كما أنّ الناس الذين يشدون باتجاه المثابرة في الحرب وعدم التوقف إلى حين القضاء على القوة العسكرية لحماس بحيث لا تكون قادرة على شن هجمات مماثلة ولا حكم غزة هم الجنرالات.
كيف أصبح بايدن "أسير دعم نتنياهو"؟
وعلى مستوى الموقف الأميركي، والحديث عن "بداية تمايز"، لفت المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إلى أنّ الجانبين لم يصلا بعد إلى درجة الاختلاف على الأهداف.
وأوضح أنّ الأميركيين لا يزالون متفقين مع الإسرائيليين على الأهداف المتوخّاة من الحرب على غزة. ومع إشارته إلى أنّهم بدأوا يضيقون ذرعًا بالوحشية الإسرائيلية، لاحظ أنّ ذلك لم يقترن بأيّ خطوات عملية، ما يبقيه في خانة المشورة والنصيحة التي يجب أن تظهر للرأي العام على هذا النحو، بدليل أنّهم لم يوجّهوا أيّ إنذارات، ولا حتى لوّحوا بوقف الدعم.
وفيما دعا لترقّب الموقف الأميركي في حال تجاوزت إسرائيل مهلة الأسابيع التي تحدّث عنها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أعرب عن اعتقاده بأنّ إسرائيل ستواصل الحرب بأساليب أخرى بمعنى أنّها ستقلّص من القصف إلا عند الحاجة. وقال: "يريدون استغلال مهلة الأسابيع لتكثيف القصف قبل أن ينتقلوا إلى نمط آخر من الحرب".
وإذ استبعد أن تعارض أميركا هذا التكتيك، قلّل من شأن هذا الاعتراض، إن حصل، لأنه سيحصل مع بدء الحملة الانتخابية الأميركية، "وعندها سيقول نتنياهو للرئيس جو بايدن تستطيع أن تعارض". ورأى أنّ بايدن أصبح أسير دعم نتنياهو، فإذا استمرّ في دعمه يخسر بعض الأصوات، وإذا تراجع يخسر أيضًا".
ولفت إلى أنّ بايدن اختلف مع سياسات سلفه دونالد ترمب الخارجية في كل مكان تقريبًا، إلا في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، مذكّرًا أنّه في البداية كان يحاول أن يتمايز في موضوع حقوق الإنسان، وفي فلسطين كان هناك اتجاه أن يفتح قنصلية، لكنه لم يفعل.
هل يمكن التعويل على تغيير في الموقف الأوروبي؟
وعمّا إذا كان من الممكن التعويل على تغيير في الموقف الأوروبي، شدّد بشارة على أنّ الأساس في الأمر هو التأثير على موقف الولايات المتحدة.
وفي حين لاحظ وجود تغيير في الخطاب المعتمد في بريطانيا، وكذلك في فرنسا، وإن لم يكن على مستوى الموقف من حماس، استغرب وجود نقاش في أوروبا حول القضاء على حماس كفكرة، علمًا أنّ إسرائيل أصلاً لا تطرح ذلك.
وإذ وصف مواقف إسبانيا وبلجيكا وأيرلندا والنرويج بـ"الجيّدة"، اعتبر أنّ المشكلة في ألمانيا، لكنّه شدّد على أنّ فرنسا تستطيع أن تقود ما تبقى ويمكن أن تلعب دورًا مهمًا لفرض وقف إطلاق النار، ملاحظًا أنّها "تفضّل الحديث عن اليوم التالي".
وقال بشارة: "فرنسا تريد دورًا لكن الأمر المطلوب إذا أرادت أن تلعب دورًا إيجابيًا أن تقود حراكًا من أجل وقف إطلاق النار، وهي تستطيع أن ترفع الصوت بدل أن يكون التركيز على مظاهرات معاداة السامية".
وشدّد على أنّ كلّ الدول تستطيع أن تلعب دورًا، موضحًا أنّه "حالما تدرك الدولة مكانتها وأهميتها تستطيع أن تؤدي دورًا مهمًا".
الحراك الغربي والمقاطعة الاقتصادية
من جهة ثانية، جدّد بشارة الإشادة بالحراك في بعض العواصم والدول الغربية، تضامنًا مع القضية الفلسطينية، لافتًا إلى وجود نشطاء يقومون بدور جبّار ومهمّ جدًا، ومشدّدًا على وجوب البناء على ذلك مستقبلاً.
وأكد ضرورة عدم التفريط بالحراك الذي حصل والتفكير بكيفية البناء عليه بحيث لا يكون غيمة صيف عابرة، ملاحظًا أنّ من خرج في هذه الظروف مع كل الضغط والإرهاب الفكري والقمع الفكري القائم في الدول الغربية نتيجة الهستيريا في زمن الحروب هو مبدئي ويمكن الاعتماد عليه".
وفي سياق متصّل، نوّه بشارة بمقاطعة داعمي إسرائيل، معتبرًا أنّها تشكّل سلاحًا مهمًا من الناحية المعنوية، خصوصًا في غياب إطار وطني فلسطيني يمثّل الشتات الفلسطيني على مستوى الكل الفلسطيني وليس على مستوى السلطات، لأنها تبقي القضية الفلسطينية حيّة.
وقال إنّ إسرائيل يؤذيها ذلك ليس اقتصاديًا ولكن سياسيًا ومعنويًا، فجزء كبير من الدلال الذي تحظى به إسرائيل ناتج عن عدم تصويرها كدولة أبارتايد (فصل عنصري)، علمًا أنّ المقاطعة التي قوّضت النظام في جنوب إفريقيا وأجبرته على البحث عن حل عادل لإعطاء الحقوق للسود أثمرت عندما بدأت الدول تقاطع.
ورأى أنّ هذه الخطوات هي البداية والأساس، مشدّدًا على أنّ وجود تيار شعبي واسع يتعامل مع إسرائيل كدولة فصل عنصري واحتلال، مهمّ جدًا.
هل يمكن "محاكمة" إسرائيل دوليًا؟
وتطرق بشارة في السياق نفسه، إلى الدعوات لمحاسبة إسرائيل، معتبرًا أنّها مهمّة، خصوصًا لناحية وضع إسرائيل في فئة مجرمي الحرب.
وذكّر بأنّ إسرائيل تحصل على امتيازات في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لأنها تعتبَر "دولة ديمقراطية" وفق تصنيف هذه الدول، ولو أنّ ذلك يُعتبَر "كلامًا فارغًا".
ورأى أنّ أيّ محاكمة لإسرائيل تبقى مُستبعَدة قبل أن تُهزَم سياسيًا أو عسكريًا، مشيرًا إلى أنّ القانون الدولي ليس له جسم سيادي ينفّذه.
وفيما رأى أن تسليم مجرمي الحرب الإسرائيليين لمحكمة الجنايات الدولية أو غيرها في ظلّ هذه الظروف يبدو بعيد المنال حاليًا، اعتبر أنّ فتح التحقيق بحدّ ذاته مهمّ، والتعامل مع المسؤولين الإسرائيليين كمجرمي حرب مهمّ أيضًا".
إلا أنّه أعرب عن اعتقاده "أنّنا لا نستطيع أن نعوّل على المحاكم الدولية لكي تقتصّ لنا أو تجلب لنا حقنا"، مشدّدًا على أنّ "المقاومة والتضامن الشعبي ومواقف الدول العربية هي الأمور المهمّة" في سبيل ذلك.
ما يجري فلسطينيًا غير كافٍ
وفي ختام حديثه لـ"العربي"، جدّد بشارة القول إنّ ما يجري فلسطينيًا، في سياق متابعة الكارثة في غزة، غير كافٍ وغير مُرضٍ، وإن قال إنّه لا يريد أن يكون "حادًا أكثر من اللازم" في هذا الشأن.
وإذ أعرب عن احترامه للحراك الدائر في الضفة، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني هناك من تصفية حسابات وانتقام من طرف المستوطنين، قال مع ذلك إنّه "لا يكفي"، معتبرًا أنّه يمكن أن يكون التضامن أكبر وأوسع.
وأوضح أنّ حجم الكارثة في غزة مهول ولا يوجد أفق قريب، بل قد يكون القادم أسوأ، مجدّدًا انتقاده لسلوك السلطة الفلسطينية في مواكبة الحرب، وإن رحّب بمواقف بعض المسؤولين في السلطة، التي وصفها بالجيدة والمعقولة.
وشدّد على ضرورة أن يكون دور السلطة أوسع على المستوى الدولي في التضامن مع غزة، كما انتقد أيضًا استمرار التنسيق الأمني مع الاحتلال، ولو بحدّ أدنى، مشدّدًا على أنّ الأمر يجب أن يكون بشكل معاكس، مضيفًا: "ما يجري غير كافٍ على الإطلاق وغير مُرضٍ".
تجدون في الفيديو المرفق المقابلة الكاملة مع المفكر العربي عزمي بشارة، مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ضمن التغطية الخاصة والمتواصلة لتطورات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.