لا تعد فكرة تهجير أهل غزة وإعادة توطينهم وليدة اليوم، إذ كثر الحديث من جانب الاحتلال الإسرائيلي حولها بسيناريوهات وصيغ عدة سواء بشكل دائم أو مؤقت.
ويعود تاريخ طرح الفكرة مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات، مرورًا بسلفه محمد حسني مبارك وحتى الآن مع الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي. وقد قوبلت دائمًا برفض فلسطيني ومصري.
مشروع "الترنسفير" القديم الجديد
مؤخرًا، ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي الجاري على قطاع غزة، نزح بحسب الأمم المتحدة نحو مليون أو يزيد من عدة مناطق، لا سيما في المناطق الشمالية للقطاع، وذلك جراء القصف الانتقامي الذي تنتهجه قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد عملية "طوفان الأقصى".
وقد غادرت بالفعل آلاف العائلات منازلها تجنبًا للقذائف والصواريخ التي تنهال على المدن والبلدات الفلسطينية، بما يشبه عملية تفريغ منهجية للسكان وحشرهم في بقعة جغرافية أضيق داخل غزة نحو الجنوب.
وبينما يتصاعد حجم الجرائم المرتكبة في غزة ويتم ترجيح العملية البرية لاقتحام أراضي القطاع، يحول الاحتلال الإسرائيلي غزة إلى أرض من الجحيم ليس آخرها مجزرة المستشفى المعمداني المرعبة، والتي راح ضحيتها مئات الشهداء أغلبهم من النساء والأطفال.
ويعتقد العديد من السياسيين الإسرائييلين، وتحديدًا الجناح اليميني المتطرف، أن هذا الأداء سيجبر الفلسطينيين على الرحيل بمنطق القوة لإنجاز مشروع "الترنسفير" القديم الجديد، وذلك بتخييرهم بين الموت أو اللجوء.
ويوجّه مشروع "الترنسفير" وتهجير أهل غزة الأعين نحو سيناء، التي تُعد المنفذ البري الوحيد للفلسطينيين على العالم الخارجي، باعتباره المكان الذي يمكن أن يلجأوا إليه لتجنّب قصف الاحتلال الإسرائيلي.
وكانت صدرت عدة تصريحات من مسؤولين إسرائيليين أبرزها تصريحات أحد المتحدثين العسكريين باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، عندما نصح الفلسطينيين بالتوجه إلى مصر، قبل أن يعدل عنها لاحقًا.
رفض خطة تهجير أهل غزة
وكانت هذه الدعوات الجديدة لتهجير أهل غزة طرحت في الماضي في عدة مناسبات لتصطدم بإرادة فلسطينية للتشبّث بالأرض، وإرادة مصرية لمنع تنفيذ مخطط التهجير والتوطين في سيناء.
وفي هذا الصدد، يُنقل عن الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات رفضه هذه الطروحات، وسار على نهجه الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، الذي شهد عهده مفاوضات مضنية لاستعادة الأراضي المصرية بعد اتفاق كامب ديفيد.
وقد أُعيد تسويق الفكرة أخيرًا، لا سيما في إطار خطة صفقة القرن التي جاء بها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، والتي كانت تنص على توطين اللاجئين الفلسطينيين في دول اللجوء مقابل حوافز اقتصادية ومادية كبيرة.
واليوم، مع استخدام الاحتلال الإسرائيلي آلته العسكرية في ما يشبه حملة تطهير عرقي ضد الفلسطينيين تهدف إلى جعل فكرة "الترنسفير" مستساغة من قبل الدول العربية، وتحديدًا مصر، التي أعلن رئيسها عبد الفتاح السيسي عن رفض فكرة التهجير إلى سيناء، مؤكدًا أن ملايين المصريين يرفضونها كذلك.
وقد حسم الموقف المصري الرسمي الجدل تلافيًا لخطأ تاريخي قد يقود إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر تمرير خطة تفريغ القطاع من سكانه، ليصبحوا لاجئين في مصر حيث يعلم الجميع أن الاحتلال الإسرائيلي لن يسمح بعودتهم إلى أراضيهم في المستقبل.
"إسرائيل أرادت دائمًا الاستحواذ على فلسطين التاريخية"
ويلفت مدير مركز دراسات النزاع في معهد الدوحة للدراسات غسان الكحلوت، إلى أن المشروع الإسرائيلي يقوم منذ بدايته على أنه يريد "الأرض بلا شعب"، واعتمد منذ عام النكبة الأولى في 1948 على تهجير المواطنين الفلسطينيين ودفعهم خارج مناطق سكناهم.
وبينما يشير في إطلالته من استديوهات "العربي" في لوسيل إلى أن جزءًا كبيرًا من الشعب الفلسطيني هُجر إلى قطاع غزة وآخرون إلى الضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا ومناطق أخرى في العالم العربي، يؤكد أن المخطط لم يتوقف، مردفًا بأن إسرائيل أرادت دائمًا أن تستحوذ على 100% من فلسطين التاريخية.
ويتحدث عن مبادرة للأمم المتحدة في خمسينيات القرن الماضي، حين فاوضت الأونروا الإدارتين الأميركية والمصرية في ذلك الحين على توطين أهل غزة في سيناء.
ويوضح أن الأمين العام للأونروا استطاع تسويق المشروع على أساس أن "يتم نقل اللاجئين كونهم مجرد مزارعين سينضمون إلى المزارع في سيناء".
ويتابع أنه تم إحباط المشروع بثورة الشعب الفلسطيني في غزة واشتباكه مع السلطات، وكان حينها القطاع تحت الحكم المصري، مما أدى إلى وعي أكبر في الإدارة المصرية بضرورة إشراك اللاجئين في الحياة السياسية وإعطائهم دور أكثر، وبداية العمل المسلح ضد إسرائيل.
وبينما يستعرض محطات تهجير الفلسطينيين ويشير إلى المشاريع الإسرائيلية المستمرة التي تسعى إلى ذلك، يرى أن إسرائيل ستحاول جاهدة لتنفيذ مخططها لكن هناك ظروف مجابهة تستطيع كبح جماحها وجماح من يقف خلف المخطط الذي يريد إخلاء فلسطين التاريخية، مشيرًا إلى الرهان على صمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.