في الذكرى الـ31 عامًا على الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس/ آب 1990، نشرت صحيفة "ميرور" مقتطفات من كتاب "عملية حصان طروادة" للصحافي الاستقصائي ستيفن ديفيس، عرض خلاله شهادات لرهائن بريطانيين على يد قوات عراقية، من بينهم طفل تجرأ على ركل صدام حسين.
فبعد غزوه الكويت، صوّر صدام حسين شريطًا دعائيًا مع مجموعة من الرهائن الذين احتجزهم كدروع بشرية، وكأنهم يعيشون في فنادق فاخرة ويحتسون الـ"كوكتيلات" بجانب المسبح. ومن بينهم الطفل ستيوارت لوكوود، الذي لم يتجاوز الخامسة من عمره آنذاك، والذي استدعاه الرئيس العراقي للجلوس إلى جانبه، وربّت على رأسه.
ويذكر لوكوود أن "صدام حسين بدأ يسألني أسئلة غبية من خلال مترجمه على غرار: هل تناولت الحليب مع إفطارك؟ كما حاول إجلاسي في حجره".
وفي رواية أخرى، ذكر ستيفن، أن طفلًا صغيرًا من الرهائن ركل صدام حسين، فطالب الرئيس العراقي بمعرفة هوية والديه، لكنّ أحدًا لم يتجرأ على الإجابة.
وذكرت الصحيفة أن أكثر من نصف مجموعة الرهائن عانوا خلال علاقاتهم وحياتهم المهنية بعد الإفراج عنهم، بالإضافة إلى ضغط نفسي ومصاعب واكتئاب. وقد انتحر بعض هؤلاء في فترات لاحقة بينما حاول آخرون ذلك.
وطالب مواطنون بريطانيون بإجراء تحقيق بشأن رحلة الخطوط الجوية البريطانية "149" التي هبطت في الكويت إبان الغزو العراقي عام 1990، داعين إلى رفع السرية عن ملف حكومي سرّي يضمّ "شهادات مروّعة" عن الاحتجاز.
سرّ الرحلة 149؟
وكشف ديفيس أن الرحلة 149، كان من المقرر أن تهبط لفترة وجيزة في الكويت للتزوّد بالوقود في طريقها إلى كوالالمبور في 2 أغسطس/ آب 1990. واتخذ القرار بالهبوط رغم بدء الغزو، ليتمّ احتجازهم مع رهائن آخرين.
ويزعم ديفيس، الذي جمع الأدلة حول الرحلة لمدة ثلاثة عقود، أن الحقيقة تمّ التستّر عليها منذ فترة طويلة، وأن الطائرة هبطت لإيصال تسعة من أفراد المخابرات العسكرية السريين إلى الأراضي الكويتية.
وقال: إن الركاب الآخرين كانوا بمثابة "خسائر جانبية،" مضيفًا: لقد حُرم الركاب على متن الرحلة 149 من معرفة سبب هبوطهم هناك، وهي الطائرة الوحيدة التي هبطت في تلك الليلة، فيما عادت الطائرات الأخرى أدراجها".
100 رهينة
في كتابه الجديد "عملية حصان طروادة"، ينقل ستيفن، الذي تحدث إلى أكثر من 100 رهينة، عن 17 مصدرًا لم يسمّهم أنه في الأول من أغسطس 1990، تحدّثت تقارير إخبارية عن أن القوات العراقية حشدت على الحدود مع الكويت، بينما كان الركاب ينتظرون الصعود على متن الرحلة رقم 149 المتأخرة.
وجرى طمأنة الركاب بأنه سيتمّ إعادة توجيه الطائرة إذا ظهرت مشاكل أثناء الرحلة. إلا أن ذلك لم يحدث.
ويروي ديفيس في كتابه أنه اطلع على ملفات لوكالة الاستخبارات المركزية، رُفعت عنها السرية، تحدّثت عن تحذيرات رسمية متبادلة بين واشنطن ولندن حول الغزو، قبل يومين من إقلاع الطائرة. وأن تحذيرًا رسميًا حول اندلاع الحرب صدر قبل ثماني ساعات من إقلاع الطائرة.
وأضاف أن مراقبي الملاحة الجوية الكويتيين "اتصلوا بجميع الطائرات الموجودة على الرادار، وطلبوا منها أن تعود أدراجها، لكن الرحلة 149 واصلت طريقها وهبطت في الكويت".
وفقًا لديفيس: "عندما هبطت الطائرة في الساعة 4:13 صباحًا، قال الشهود إن تسعة رجال غادروها أولًا على عجل، حيث قابلهم ضابط بريطاني. ولم يُشاهَدوا مرة أخرى".
9 رجال استخبارات
وأشار إلى أن مصادر موثوقة أكدت له أن أفراد الاستخبارات السرية التسعة كانوا جزءًا من هيئة سرية باسم "انكريمنت" (Increment)، يُديرها جهاز الاستخبارات البريطانية "أم آي 6"، بهدف جمع المعلومات الاستخبارية من أرض المعركة في الكويت. وأنه كان من المفروض أن يدخلوا الأراضي الكويتية قبل الغزو، حيث قضت الخطة بأن "تختفي الطائرة قبل أن يصل العراقيون بوقت طويل".
وأشار إلى أن رجال الاستخبارات البريطانية "كانوا فخورين بما فعلوا، ويعتقدون أن المعلومات الاستخباراتية التي أرسلوها أنقذت الأرواح، ولا يقدمون أي اعتذار عن ذلك"، إلا أنهم "يشعرون بالذنب الشديد حيال ما حدث للركاب".
في هذه الأثناء، وسط الضربات الجوية العراقية المرعبة التي بدأت بسرعة، قام العراقيون باعتقال الطاقم والركاب ونقلوا الجميع إلى الفنادق. ثمّ جرى توزيعهم على 70 معسكرًا ومبنى في جميع أنحاء الكويت والعراق، "في مواقع كيميائية ونووية وعسكرية كان يخشى صدام أن يتمّ استهدافها".
وفي بريطانيا، أصرّت مارغريت تاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك، على أن "الرحلة هبطت قبل الغزو".
"شهادات مروّعة"
يذكر ستيفن، في كتابه، شهادات "مرّوعة" عن عمليات إعدام وهمية، إحداها في معسكر بالقرب من البصرة: "أخذوا مجموعة منهم إلى الصحراء في منتصف الليل، وأعطوهم مجارف، وجعلوهم يحفرون خندقًا، وجعلوهم ينحنون أمامه، وقفوا خلفهم في صف، ونقروا على أسلحتهم الفارغة ثمّ غرقوا بالضحك. في هذه النقطة اعتقد الجميع أنهم سيموتون".
في هذه الأثناء، أقنع طيار الرحلة 149 مجموعة من الطاقم بالهروب، وإيجاد المساعدة وأماكن للاختباء بمساعدة الكويتيين.
وقال ستيفن، الذي أجرى مقابلة مع الطيار قبل وفاته بالسرطان، إنه علم لاحقًا أن طيار الرحلة قد أخبر أفراد الطاقم بأنه أحد عناصر الاستخبارات". وأن مصدرًا في الاستخبارات البريطانية أكد ذلك له.
والآن، يطلب ستيفن من الحكومة الاعتراف بمحنة الرهائن السابقين، لإنقاذ المزيد من "الأرواح المدمرة". ويقول: "لا تزال أصواتهم ترتجف وكلماتهم تتقطّع، حتى بعد كل هذا الوقت".