نشرت مجلة "إيكونوميست" البريطانية تفاصيل دقيقة عن حيثيات المقابلة التي أجراها عدد من الصحافيين الأجانب مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقرّه داخل ما أسمته "غرفة الحرب الأوكرانية".
وتنقل المجلة مشاهداتها التي تنشر للمرة الأولى عن "قلعة زيلينسكي"، والفريق المرافق له، إضافة إلى بعض مطالبه الملحّة من الدول الغربية.
"أهلًا بكم في القلعة"
تنفتح البوابات المعدنية البيضاء وتكشف عن أشجار التنوب وأكياس الرمل، قبل أن يرحّب أحد مساعدي الرئاسة الأوكرانية بالطاقم الصحافي قائلًا: "أهلا بكم في القلعة". هناك، يمكنك رؤية القنّاصين في كل مكان: يسار، يمين، أعلى وأسفل. كما يُمكن بوضوح رؤية أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية.
عندما تغلق البوابات، يأخذ جندي "فيرتوشكا" حمراء، وهو هاتف حكومي آمن من الحقبة السوفيتية، ويطلب الأوامر. تحركنا نحو مدخل جانبي، ثم اصطحبنا الجنود إلى الداخل عبر ممرات وسلالم معتمة، إلى الأعلى ثمّ إلى الأسفل إلى داخل آلة الحرب الأوكرانية.
استغرق الأمر ساعة للوصول إلى بوابات مقرّ زيلينسكي، وهي رحلة تستغرق عادة عشر دقائق. الشوارع المرصوفة بالحصى في كييف خالية إلى حد كبير من حركة المرور هذه الأيام، ولكن تم إعادة تشكيل الشرايين المركزية للمدينة لإرباك الروس. نشقّ طريقنا بين الحجارة المتراصة متجاوزين العوائق المضادة للدبابات، ومرورًا برجال مسلّحين، ونقاط تفتيش محصّنة جيدًا بشكل متزايد.
داخل المجمع الرئاسي.. "انتباه"
داخل المجمع الرئاسي، طُلب منا ترك هواتفنا وأجهزتنا وإلكترونياتنا وأقلامنا عند الباب، أي شيء يمكن استخدامه لتحديد موقعنا بالضبط. أثناء البحث عن أجهزة الكشف عن المعادن المحمولة، تنظر إحدى مديرات مكتب زيلينسكي إلينا بقلق، هي واحدة من القلائل الذين ما زالوا يتنقلون كل يوم، قائلة: "السفر مخيف الآن، ولكن ماذا يمكنك أن تفعل؟". ينام معظم الموظفين الآخرين في الموقع في أسرَّة المخيم منذ بداية الحرب.
وفجأة وجدنا أنفسنا في غرفة العمليات في أوكرانيا. هناك تجد طاولة فورميكا بيضاء، وكراسٍ ذات ظهر مرتفع وشاشات كبيرة.
يُدخِل جندي ذو مظهر جاد، ويصيح "انتباه". بعد عشر ثوان، يدخل الرئيس الأوكراني الغرفة برفقة مجموعة مسلَّحة. يجلس زيلينسكي على رأس الطاولة، أمام العلم الأوكراني الذي تم وضعه بعناية، ويبدأ الحديث.
عندما سألته الصحافة أسئلة صعبة، بدا عليه الانزعاج.
"أنا لست بطلًا "
لقد جعلت الأحداث رئاسته أكثر جوهرية. عندما اندلعت الحرب، تخلّى على الفور عن بزاته الداكنة ومظهره الأنيق من أجل الكاكي الأخضر واللحية القصيرة.
وعلى الرغم من أنه متعب، ويتململ إلى ما لا نهاية، كان يتمتع بالهدوء. يصافح الجميع باحترام، ويميل للتواصل بالعين. يسحب كرسيه، ويسكب ماءه الغازي في كوبه البلاستيكي.
ينخرط في المحادثة، ويردّ بإجابات سريعة وودودة مؤذية في بعض الأحيان، ويربت على لحيته وهو يتحدث. عندما سئل عما يحتاجه أكثر من الغرب، أجاب على الفور: "رقم واحد، الطائرات"، فتومض ابتسامة على عينيه، ثمّ يضيف: "رقم اثنين، الدبابات".
عند سؤاله "كيف يبدو انتصار أوكرانيا؟"، يرفع حاجبيه، ويصمت لسبع ثوانٍ كاملة قبل التحدث، مدركًا، على ما يبدو، أن ملايين الأشخاص يعتمدون على إجابته: "النصر قادر على إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح."
وأضاف: "لم أكن أتوقع أن يكون الأمر بهذه الصعوبة. لا يمكنك أن تتخيل ماذا يعني ذلك أو إلى أي مدى يمكنك التصرّف بصفتك رئيسًا". ثمّ يتكئ على كرسيه، ويقول: "أنا لست بطلًا. هذا إنجاز لشعبي".
يستخدم كلمة الصدق مرارًا وتكرارًا. ويقول: "عليك أن تكون صادقًا، حتى يصدقك الناس. لا حاجة للمحاولة. عليك أن تكون على طبيعتك".
وعن خروجه إلى الشوارع، يقول: "إذا بقيت في مكتبي فقط، فلن أعرف ما يحدث في العالم".
حكومة الحرب
يحيط زيلينسكي نفسه بمجموعة صغيرة من الصحفيين والمحامين وفناني الأداء ومحترفي المساعدة الذاتية، هي "حكومته المنبثقة" في زمن الحرب، كما يسميها سيرغي ليششينكو، الصحفي السابق وعضو في طاقم الرئاسة حاليًا.
يبدو أن المرافقين، الذين ارتدوا جميعًا اللون الأخضر العسكري، مرتاحون مع بعضهم البعض ومع قائدهم. لكن ليس كل شيء على ما يرام. تأخر إحضار المترجم الرئاسي إلى الغرفة، فهو منشغل بمكالمة أجنبية.
يمزح زيلينسكي: "هناك شيء ما ليس صحيحًا، عندما لا يكون مترجمُ الرئيس متاحًا للرئيس".
يتساءل الرئيس بصوت عالٍ عن اللغة التي يجب أن يستخدمها، ويقول: "عندما تسأل باللغة الروسية، سأجيب عليك باللغة الروسية. عندما تسأل باللغة الإنكليزية، سأجيب باللغة الأوكرانية".
يقترح مساعدوه عليه التحدث بالأوكرانية فقط، فيوافق، لكنه لا يتبع القاعدة دائمًا، إذ يتحدث أحيانًا بلهجة إنكليزية، على الرغم من اعتذاره عن نسيان الكلمات.
ورغم بعض الفوضى، يبدو أن الجميع يعرف ماذا يفعل. هم يواصلون العمل، على الرغم من التهديد المستمر بقنبلة تسقط عليهم. يقومون بعملهم دون انتظار موافقته. فهم القوة هنا.
زيلينسكي، من جانبه، يعتقد أن رجلاً واحدًا لا يستطيع ويجب أن لا يتحكّم في كل شيء. وبينما تبحث الدولة عن كل الطرق لهزيمة روسيا في ساحة المعركة، فإن الإيمان بقوة الأفراد الذين يختارون الوقوف معًا صفًا واحدًا، قد يتحول إلى نعمة إنقاذ لأوكرانيا.