منذ أول رصاصة سمعت في أوكرانيا، قبل خمسين يومًا بعد الهجوم الروسي عليها، دقت أغلب دول العالم ناقوس الخطر معبرة عن خشيتها من النقص في إمدادات الغذاء والقمح والطاقة القادمة من هاتين الدولتين الجارتين.
ومذاك تواصلت التحذيرات الدولية في هذا الشأن، وجديدها تحذير البنك الدولي، اليوم الخميس، من أنّ الهجوم الروسي على أوكرانيا يزيد من مخاطر حدوث اضطرابات اجتماعية وأزمات في الدول الأفقر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك على خلفية ارتفاع أسعار الغذاء، والطاقة بسبب الحرب.
وفي آخر تحديث لتوقّعاته حيال النمو في المنطقة، قال تقرير للبنك الدولي: إنّ "الضغوط التضخمية" التي أحدثها وباء كوفيد-19 "من المرجّح أن تتفاقم" بسبب حرب روسيا ضد جارتها.
وأوضح نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فريد بلحاج في التقرير أن "تهديد متحورات كوفيد-19 لا يزال قائمًا، لكن الحرب في أوكرانيا قد ضاعفت المخاطر، خاصة بالنسبة للفقراء".
وتعد أوكرانيا مصدرًا رئيسيًا للحبوب، بينما تعد روسيا منتجًا رئيسيًا للطاقة والأسمدة اللازمة للزراعة.
وتعتمد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل كبير على إمدادات القمح من كلا البلدين.
وتعد أوكرانيا رابع أكبر مصدر للحبوب في العالم في موسم 2020-2021 وفقًا لبيانات مجلس الحبوب الدولي، إذ جرى شحن معظم سلعها عبر البحر الأسود.
وأوكرانيا كذلك هي أحد أكبر دول زراعة وتصدير القمح في العالم، لكن محللين يقولون إنّ نقص الرطوبة قد يؤثر على محصول الحبوب هذا العام.
وقبل أسبوعين حذّرت الأمم المتحدة من زيادة المجاعات في العالم وانهيار النظام الغذائي العالمي، في تبعات محتملة للهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا.
أبرزها #مصر.. دول عربية وإفريقية مهددة بالمجاعة بسبب #الحرب_الروسية_الأوكرانية pic.twitter.com/SzCAs97QWD
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) April 6, 2022
وكشفت منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" أن عدد الذين يعانون من نقص في التغذية قد يرتفع بين 8 و13 مليون شخص خلال العامين الحالي والمقبل، في حال استمرار الحرب.
ووصلت أسعار السلع العالمية إلى مستويات قياسية، ما ألحق الضرر بالدول التي تعتمد على الاستيراد من روسيا وأوكرانيا.
وحذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يوم أمس من أن الدول الفقيرة ستواجه تفاقم أزمة ثلاثية الأبعاد، الغذاء والطاقة والتمويل، والتي سضرب الشعوب والبلدان والاقتصادات الأكثر ضعفًا في العالم؛ وذلك بسبب حرب أوكرانيا.
مِمّ حذر التقرير؟
وقبل أسبوع حذر رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، من أنّ الحرب الروسية على أوكرانيا انعكست بالفعل على الاقتصاد العالمي، إذ أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وتفاقم الفقر والجوع.
وبحسب التقرير الصادر الخميس، قد تكون لارتفاع أسعار المواد الغذائية "آثار بعيدة المدى تتجاوز زيادة انعدام الأمن الغذائي"، مشيرًا إلى أنه "تاريخيًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ساهمت الزيادات في أسعار الخبز، في حدوث اضطرابات اجتماعية وصراعات".
وهذا الارتباط بين أسعار الغذاء والنزاع وانخفاض النمو، يشكل مصدر قلق خطير حيال حدوث أزمة إنسانية في الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات والعنف في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفق التقرير.
ويتوقّع التقرير أن يصل معدل التضخم في دول الخليج الغنية بالنفط إلى 3,0% هذا العام مقارنة بـ 1,2% في 2021، ويرتفع إلى 3,7% في البلدان المستوردة للنفط من 1,4% العام الماضي.
وتستحوذ موسكو وكييف على 30% من صادرات القمح عالميًا، تذهب 60% منها إلى الدول العربية.
لكن لم تستهدف العقوبات الغربية على روسيا بسبب هجومها على أوكرانيا صادرات القمح الروسية على وجه التحديد، إلا أن العقوبات حظرت المعاملات بالدولار واليورو مع كبار البنوك الروسية، الأمر الذي جعل تمويل التجارة أكثر صعوبة.
أما بالنسبة لبعض مستوردي النفط، فيؤكد التقرير أنه سيكون من الصعب الحفاظ على الدعم المقدّم للمواد الغذائية بسبب الموارد المحدودة، في حين أن "ارتفاع أسعار النفط قد يؤخر الإصلاحات".
ورغم ذلك، يتوقع البنك الدولي أن يبلغ النمو الاقتصادي في المنطقة 5,2% في عام 2022، وهو أسرع معدل نمو منذ عام 2016. وحذّر التقرير من أن 11 من أصل 17 اقتصادًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد لا يتعافى إلى مستويات ما قبل الوباء بحلول نهاية هذا العام.
ماذا يتوقع الخبراء؟
وأوضح كبير خبراء الاقتصاد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البنك الدولي دانييل ليدرمان، أنّ "المنطقة بأسرها تنتعش بفضل النفط"، والأداء الاقتصادي فيها "أفضل" من أي منطقة أخرى في العالم.
ومع ذلك، فإن هذا النمو، وإن تحقّق بالفعل، فهو "غير كاف ومتفاوت"، بحسب الخبير.
وقال: إنه "غير كاف لأن عددًا كبيرًا من الاقتصادات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيظل فقيرًا من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بما كان عليه عام 2019 عشية (تفشي) الوباء".
وتابع أنه "متفاوت لأن الاقتصادات الأسرع (تعافيا) عام 2022 من المتوقع أن تكون الدول المصدّرة للنفط، بينما من المتوقع أن يعاني مستوردو النفط".
ومن المتوقع أن تنمو الاقتصادات المصدرة للنفط بنسبة 5,4% على خلفية التعافي من الوباء والزيادة المتوقعة في إنتاج النفط وارتفاع أسعار الخام، بينما ستنمو اقتصادات الدول المستوردة للنفط بنسبة 4,0%.
ولكن على الرغم من أن روسيا تعد ثاني أكبر منتج للنفط الخام في العالم بعد الولايات المتحدة، بمتوسط إنتاج يومي يبلغ 10.3 ملايين برميل يوميًا، إلا أن وزير المالية الروسي السابق، أليكسي كودرين، أكد أن اقتصاد بلاده في طريقه نحو الانكماش أكثر من 10% هذا العام، فيما شهدت موسكو أكبر انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 1994.
وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا قد حظرتا النفط الروسي على أمل قطع مصدر كبير للعائدات عن موسكو. لكن هذا القرار له أثر أكبر على الاقتصاد الأوروبي نظرًا لمدى اعتماد القارة على الخام الروسي، وربما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة التي زادت بالفعل.