الجمعة 22 نوفمبر / November 2024

التصعيد العسكري شرقي سوريا.. ما الأبعاد الإستراتيجية لأميركا وإيران؟

التصعيد العسكري شرقي سوريا.. ما الأبعاد الإستراتيجية لأميركا وإيران؟

شارك القصة

فقرة من برنامج "قضايا" تلقي الضوء على الصراع بين واشنطن وطهران شرقي الفرات (الصورة: غيتي)
يتصاعد التوتر العسكري الأميركي الإيراني شرقي سوريا وسط تفاوت وتيرة المفاوضات حول الملف النووي، الأمر الذي يحمل أكثر من سيناريو عن حدود هذا التصعيد.

بتوجيه من الرئيس الأميركي جو بايدن، شنّت القوات العسكرية الأميركية "غارات جوية دقيقة" على أهداف تابعة لإيران في دير الزور السورية، بحسب ما صرّحت به القيادة المركزية الأميركية في بيان لها.

وبحسب البيان، فقد استهدفت الضربات منشآت البنية التحتية التي تستخدمها الجماعات التابعة للحرس الثوري الإيراني.

وجاء هذا القصف الذي استمرّ لثلاثة أيام متتالية، بعد أن تعرّضت القوات الأميركية لهجوم صاروخي من قبل فصائل موالية لإيران، وبرّرته الولايات المتحدة بمحاولتها حماية الأفراد الأميركيين، ومنعًا لوقوع هجمات مشابهة في المستقبل.

في المقابل، نفت طهران صلتها بالمجموعات التي استهدفتها الولايات المتحدة شرقي سوريا، فيما نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤول أميركي بأنّ الولايات المتحدة لا تحاول تصعيد الأعمال القتالية.

دير الزور منطقة إستراتيجية لأميركا وإيران

واكتسبت الهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ على القواعد العسكرية الأميركية في سوريا زخمًا كبيرًا. ففي أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، أطلقت قوات يشتبه ارتباطها بإيران، خمس طائرات مسيّرة محمّلة على قاعدة التنف.

وتُعتبَر دير الزور منطقة إستراتيجية لإيران، تربط المصالح الإيرانية في العراق بسوريا ولبنان، وتقوم شبكات على صلة بإيران بتهريب الأسلحة والمخدرات والتبغ من العراق عبر بلدة البوكمال، المعبر الحدودي السوري إلى لبنان.

ولذلك تحاول طهران تعزيز قبضتها على المنطقة من خلال الحرس الثوري الإيراني، وأيضًا من خلال تجنيد الشباب السوريين الذين يعيشون في هذه المنطقة، عبر توفير الحوافز المادية والمساعدات الإنسانية، فضلًا عن الخدمات الطبية والتعليمية والثقافية.

أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فتنطلق أهمية شرق سوريا ودير الزور من مخزونها النفطي، إذ تحتوي على 40% من الثروة النفطية في سوريا، إضافة إلى وجود حقول للغاز الطبيعي، أبرزها حقل التيم الذي يبعد عن مركز المدينة حوالي ستة كيلومترات.

وتهدف الولايات المتحدة إلى قطع الطريق على المشروع الإيراني في دير الزور بعد التنف، وخصوصًا في منطقة البوكمال. وتوجد القوات الأميركية في قواعد أخرى في سوريا في محافظتي الحسكة والرقة، فضلًا عن قاعدة التنف جنوبًا التي تقع بالقرب من الحدود الأردنية العراقية، وتتمتع بأهمية إستراتيجية كونها تقع على طريق بغداد دمشق.

لحظة حسّاسة في العلاقة بين واشنطن وطهران

وجاء القتال الجديد في لحظة حسّاسة للغاية في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، حيث يقترب الجانبان من التوافق على اتفاق نووي، من شأنه رفع العقوبات عن إيران، مقابل فرض قيود على أنشطتها النووية.

لكنّ مسؤولين أميركيين أصرّوا على أنه لا توجد صلة بين الضربات في سوريا والمفاوضات النووية، في حين ألمح البعض إلى أنّ الهجمات التي تشنّها القوات المتحالفة مع طهران يمكن أن تكون محاولة من المتشدّدين الإيرانيين لتعطيل أيّ اتفاق.

في المقابل، نقلت "نيويورك تايمز" عن مصادر إيرانية أنهم ينظرون إلى الهجمات الأميركية على أنها محاولة من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لاسترضاء منتقدي الاتفاق النووي، وإظهار أن إدارته ستحافظ على موقف صارم ضدّ إيران، حتى لو تمّ التوصل إلى اتفاق نووي.

تصعيد "نوعي"

في هذا السياق، يرى الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، سمير العبد الله، أن سياق الواقع الأمني شرقي سوريا، هو تصعيد نوعي في التوتر القائم بين الولايات المتحدة وإيران، ولا سيما في استهداف معسكرات كبيرة، كمعسكر "عياش" بالقرب من منطقة دير الزور. 

ويشير العبد الله، في حديث إلى "العربي" من إسطنبول، إلى أن التطور النوعي في العمليات العسكرية شرقي سوريا، هو الرد الإيراني بمهاجمة مواقع القوات الأميركية في قاعدتي كونوكو وغرين فيلدج في منطقة دير الزور.

ويقول: "حاولت إيران من خلال هذا التصعيد الحصول على بعض المكاسب في مفاوضات الملف النووي، لكن الرد الأميركي كان عالي النبرة، وبإشراف من الرئيس جو بايدن".

تطور جديد

ويعتبر الباحث السياسي أن إشراف بايدن الشخصي على عملية الرد المحدودة نسبيًا قياسًا لحجم القتلى من الجانب الآخر، هو "شيء جديد" في الصراع. 

ولا يرى العبد الله أن الطرفين يريدان الجنوح إلى حرب مفتوحة، مشيرًا إلى أن إيران أرادت الحصول على بعض المكاسب في المفاوضات النووية، بالإضافة إلى الاستثمار السياسي الذي حققته في "قمة طهران" السابقة، والتي انتهت بمطالبات إنهاء التواجد العسكري الأميركي في المنطقة. 

وفي يوليو/ تموز الماضي، جمعت قمة ثلاثية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بالرئيسين التركي والروسي، رجب طيب أرودغان، وفلاديمير بوتين في طهران، دعا خلالها أردوغان القوات الأميركية إلى مغادرة المناطق الواقعة شرقي نهر الفرات في سوريا.

حدود التصعيد

من هنا، يرى العبد الله أن الإستراتيجية الأميركية بشكل عام، تقوم على إدارة الصراع شرق سوريا، بحيث لا يمكن التوصل إلى حلول جذرية في المنطقة دونها، كما أن منطقة التواجد العسكري الأميركي شرق نهر الفرات تشكل لواشنطن نقطة إستراتيجية مهمة تراقب من خلالها التحركات الإيرانية من طهران حتى البحر المتوسط من خلال الشاطئ اللبناني. 

وكانت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، قد أعلنت عن إصابة 4 جنود أميركيين بجروح طفيفة خلال الشهر الماضي، في هجوم صاروخي على قاعدة القرية الخضراء في شرق سوريا تتمركز فيها قوات أميركية، "يُشبه هجمات التنظيمات المدعومة من إيران كما في الهجمات السابقة".

وفي ظل عدم رغبة الطرفين في التصعيد إلى المواجهة المفتوحة، يعتبر العبد الله أن الخيار العسكري المحدود سيبقى متاحًا أمام الطرفين في ظل عدم التوصل إلى اتفاق في الملف النووي. 

تابع القراءة
المصادر:
العربي
تغطية خاصة
Close