عزمي بشارة: الموقف العربي الرسمي من الحرب على غزة تغيّر نحو الأسوأ
أكد المفكّر العربي عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أنّ الشعب الفلسطيني بحاجة إلى قيادة سياسية موحدة تترجم تضحياته إلى إنجاز سياسي، مشدّدًا على أنّ الشعب الفلسطيني يقرر مصيره بنفسه ولا يقبل وصاية من أحد.
واعتبر بشارة في حديث إلى "العربي"، ضمن التغطية المفتوحة للعدوان الإسرائيلي المستمرّ على قطاع غزة، أنّ الموقف العربي الرسمي من الحرب على قطاع غزة تغيّر نحو الأسوأ، معربًا عن أسفه لأنّ "الدول العربية التي تدير النقاشات مع الولايات المتحدة بشأن الحرب لا تصارحنا بما يجري بحثه".
وإذ رأى أنّ تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل زادها تطرفًا ولم يساعد الفلسطينيين، حذّر من قبول العرب بتعهد أميركي أو إسرائيلي بإمكانية أن تقوم دولة فلسطينية للعودة إلى مسار التطبيع من جديد، على أنقاض وركام مدينة غزة ومخيماتها، وبعد كل التضحيات التي قدّمها الشعب الفلسطيني ومقاومته.
ولفت بشارة إلى أنّ التحركات الأميركية في المنطقة تقوم على افتراض أنّ إسرائيل "ستنجز المهمّة" في قطاع غزة، مشدّدًا على أنّ من حق المواطن العربي أن يعرف الترتيبات التي تناقش بين المسؤولين العرب والإدارة الأميركية في هذا السياق.
وإذ أشار إلى أنّ واشنطن طلبت من إسرائيل تغيير نمط القتال في غزة والانتقال إلى عمليات محددة، لفت إلى أنّ التغيّر في الموقف الأميركي "طفيف وليس جوهريًا"، كاشفًا أنّ الولايات المتحدة لا تمارس تقييدًا حقيقيًا على إسرائيل بشأن التزود بالسلاح واستعماله.
ووصف المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الوثيقة التي قدّمتها حركة حماس حول روايتها لعملية طوفان الأقصى بـ"الجيدة"، مشيرًا إلى أنّها تضمّنت ردًا "منطقيًا ومحكمًا" على الادعاءات بشأن ما جرى في السابع من أكتوبر، كما أنّها تفتح المجال لموقف فلسطيني موحد يتصدى لما يدبر للقضية الفلسطينية.
تغيير "طفيف وغير جوهري" في الموقف الأميركي
من التغيّرات التي حصلت في مسار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بعد أكثر من مئة يوم على بدايتها، انطلق الدكتور عزمي بشارة في حديثه إلى "العربي"، حيث لاحظ أنّ المدّة التي احتاجتها إسرائيل لتقوم بمهامها أطول ممّا توقع الأميركيون والإسرائيليون.
وأوضح أنّه باستثناء ما يمكن اعتباره "المهمّة الأساسية"، وهي تدمير قطاع غزة وجعله غير قابل للعيش، فإنّ بقية "المهمّات" عمليًا طال أمد تنفيذها، خصوصًا مع صمود المقاومة الذي لم تتوقعه إسرائيل وهو ما أدّى إلى ضغط دولي، ووضع الولايات المتحدة في موقف "حرج".
وفيما أشار إلى أنّ من المتغيّرات مطالبة الولايات المتحدة إسرائيل أن تغيّر نمط الحرب، تحدّث عن محاولات إسرائيلية للتملص من ذلك، لكنه أعرب عن اعتقاده بأنّ الضرورات العسكرية ستضطرها لذلك، لأنّ القصف لم يعد يكفي لتحقيق منجزات عينية تستطيع أن تظهرها للمجتمع الإسرائيلي.
وتحدّث بشارة في هذا السياق عن تغيير "طفيف في الموقف الأميركي"، مشدّدًا على أنه ليس جوهريًا، وموضحًا أنّ الولايات المتحدة لا تزال تصرّ على مواصلة القتال. ولفت إلى أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن قال علنًا إنّ أميركا كانت تقترب من تطبيع سعودي إسرائيلي وإنّ حركة حماس أفشلته، ملاحظًا أنّ "بايدن لم يستنتج من ذلك بأنه لا يمكن التطبيع بدون حل قضية فلسطين ولكنه استنتج ضرورة القضاء على حركة حماس".
الموقف الرسمي العربي "تغيّر نحو الأسوأ"
أما الموقف العربي، فاعتبر المفكر العربي عزمي بشارة أنّه "لم يطرأ عليه تغيير إلا للأسوأ"، على حدّ وصفه.
وأوضح أنّ الموقف الرسمي العربي بعد فترة من الفوران نتيجة الاحتجاجات عاد إلى ما كان عليه، ملاحظًا أنّ الخطاب الذي حاول احتواء الشارع، زال بعد تحديد خطوط حمراء ما أتاح ضوءًا أخضر لكل ما هو غير التهجير.
وفي حين لفت إلى وجود حديث عن اتصالات عربية أميركية جارية، أشار إلى أنّ "الدول العربية التي تدير النقاشات مع الولايات المتحدة بشأن الحرب لا تصارحنا بما يجري بحثه"، مشدّدًا على أنّ هذا الأمر غير جائز، وعلى أنّ المواطن العربي من حقّه أن يعرف ما يدور في هذه الاتصالات.
وشدّد المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات على أنّ التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني والمقاومة البطولية النادرة في هذه الظروف "يمكن أن تترجم إلى إنجاز سياسي هائل".
لكنّه لفت إلى أنّ مثل هذا الإنجاز يتطلب موقفًا عربيًا وفلسطينيًا موحّدًا، مشدّدًا على أنّ من حق المواطن العربي أن يعرف الترتيبات التي تناقش بين المسؤولين العرب والإدارة الأميركية بشأن القضية الفلسطينية. وأكد أن أيّ ترتيبات لا ينبغي أن تكون أقلّ من حل عادل للقضية الفلسطينية، متسائلاً عمّا يمكن أن يحصل بعد أكثر ممّا حصل في غزة.
وأضاف: "يمكن أن يترجم هذا بإنجاز سياسي حقيقي لكنهم لا يفعلون ذلك، وكأنّ هناك من ينتظر حصّته في العلاقة مع الأميركيين بعد القضاء على المقاومة الفلسطينية". وشدّد على أنّه يمكن تحقيق الإنجاز، "لو كان هناك طرف عربي وطرف فلسطيني موحّد يبني على ما حصل".
"طريق مسدود" على خط المفاوضات حول الأسرى
وتطرق بشارة في سياق حديثه لـ"العربي"، إلى ما يُحكى عن خطة أميركية مصرية قطرية على ثلاث مراحل لوقف إطلاق النار، فلفت إلى أنّه يأتي في إطار المسعى المتعلق بإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس على أساس الهدن الإنسانية وتخفيف الضغط على الشعب في قطاع غزة وتحقيق جزء من تبادل الأسرى مع الإسرائيليين.
وأشار إلى أنّ الاقتراح القطري كان مؤلفًا من ثلاث مراحل ويصل إلى 90 يومًا وينتهي بوقف إطلاق النار، إلا أنّ إسرائيل قبلت المرحلة الأولى منه فقط، وهي تبادل جزء من الأسرى ولا سيما الكبار بالسن والمرضى مقابل هدنة تستمرّ لشهر، لكنّها رفضت تقديم أيّ ضمانات حول وقف إطلاق النار.
وذكّر بشارة بأنّ ما أشيع عن وجود بند في الاقتراح حول خروج قادة حماس كان كذبًا ولم يكن جزءًا من أيّ خطة، بل إنّه فكرة إسرائيلية خالصة، متحدّثًا عن "طريق مسدود" في المفاوضات حول تبادل الأسرى، لأنّ إسرائيل ترفض إطلاقًا الالتزام بوقف إطلاق نار شامل، في حين أنّ حركة حماس تشترط وقف إطلاق النار.
واعتبر أنّ من يسدّ الطريق هي إسرائيل برفضها وقف إطلاق النار، ولو أنّ الحكومة الإسرائيلية معنية أن يظهر للشارع الإسرائيلي كأنّ هناك حركة، جازمًا بأنّه لا يوجد شيء جدّي حتى الآن في مسألة تحرير المحتجزين.
هل ينهار الائتلاف الحكومي في إسرائيل؟
بالنسبة للموقف الإسرائيلي، تحدّث بشارة عن بعض "الشقوق والخلافات" التي بدأت تظهر، لكنّها لا تزال محصورة بمدى أهمية وأولوية تحرير الأسرى.
وأشار إلى وجود "خلط ناجم عن عدم معرفة كافية بالسياسة الإسرائيلية"، في مقاربة الخلافات الجارية، مميّزًا بين عدّة أنواع من الخلافات، فهناك حمل ثقيل من الخلافات ما قبل الحرب كاد يأخذ إسرائيل إلى حرب أهلية على خلفية التصورات حول طبيعة النظام والعلاقة مع المحكمة العُليا، وبعض أطراف هذا الشرخ يجلسون في كابينت الحرب وهناك توتر بينهم.
ولفت في هذا السياق إلى وجود "خلاف شخصي" بين وزير الأمن يوآف غالانت ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي أقاله يومًا من منصبه، كما أنّ هناك ضغائن بينهما، لكنّه اعتبر أنّ الناس "تحمّلها أكثر ممّا تحتمل"، عندما تتحدّث عن أنّ الائتلاف الحكومي على وشك الانهيار.
وأوضح أنّ هناك مخاوف متعلقة بالتحقيق الذي سيجري لاحقًا ومن سيلام على فشل 7 أكتوبر بين المستويين السياسي والعسكري، لكنّه شدد على عدم وجود خلافات بين نتنياهو وغالانت على مستوى الخطط العسكرية بشأن ضرورة استمرار الحرب، فكلاهما مصرّان على استمرار الحرب حتى النهاية وكلاهما يُخضِعان موضوع الأسرى لاستمرار الحرب ويعتقدان بأولوية الشأن العسكري.
ولاحظ أيضًا أنّ خلاف نتنياهو مع القوى التي انضمّت إلى كابينت الحرب ولكنها ليست جزءًا من الائتلاف الحكومي أن هؤلاء بدأوا يدركون أن الشارع الإسرائيلي يميل لإعطاء اهتمام أكبر لقضية الأسرى وبدأوا يتفاعلون مع الشارع، لدرجة أن أحدهم يقول إنه لا يمكن تحرير الأسرى بالضغط العسكري وإذا تطلب الأمر وقف إطلاق النار فليكن وقف إطلاق النار.
لكنّه أعرب عن اعتقاده بأنّه حتى لو خرج هؤلاء من كابينت الحرب، "فهذا لا يعني أنّ الائتلاف الحكومي سينهار"، مع ترجيحه أن يزداد الضغط الشعبي في مرحلة ما، وأن تختلط المطالب بين ضرورة تحرير الأسرى وضرورة إقالة نتنياهو حتى إنّ هناك بعض الأصوات التي بدأت تظهر، وهي تطالب بوقف الحرب بالمُطلَق، ولو كانت قليلة حتى الآن.
الجو العام في إسرائيل لا يزال "ثأريًا انتقاميًا"
عمومًا، أعرب بشارة عن اعتقاده بأنّ الجو العام في إسرائيل لا يزال "ثأريًا انتقاميًا" حتى الآن، مشيرًا إلى أن الخسائر في الأرواح تغذي هذه النزعة وليس العكس، حيث إنّها تصبح حجّة للاستمرار في الحرب من أجل تحقيق الهدف، بعد الثمن الذي دُفِع حتى الآن.
وقال: "الخسائر توظَّف الآن في صالح استمرار الحرب لكي يتحقق الهدف، فقد أصبح واضحًا أنّ القضية هي القضاء على الذراع العسكرية لحركة حماس، والمجتمع الإسرائيلي بأغلبيته الساحقة يؤيد هذا التوجه، كما أنّ القوة الرئيسية في العالم التي تدعم إسرائيل وبدونها لا يمكن أن تستمرّ الحرب لا تزال تصرّ على ضرورة القضاء على المقاومة".
ولفت إلى أنّ أحدًا لا يفكر بأنّ ما يحصل دليل على أنه لا يمكن فعل شيء من دون حل القضية الفلسطينية، ملاحظًا بعض المزايدات في هذا الإطار حتى بين نتنياهو وغالانت، اللذين كانا يتسابقان لإرضاء الجمهور الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر، حتى لا يُتّهَما بالتخاذل.
وأوضح أنّه لا يوجد لدى أي منهما تصوّر لمستقبل سياسي لقطاع غزة ضمن حل القضية الفلسطينية، بل إنّ نظرتهما للقطاع هي أمنية محض، حيث يعتبران أن إسرائيل لن تكون في أمان إلا إذا سيطرت أمنيًا على قطاع غزة.
لكنّ بشارة لفت إلى نقطة خلاف أخرى بين الجانبين، حيث إنّ غالانت ومعه قيادة الجيش يريد نقاشًا حول مستقبل غزة يشارك فيه الجيش، لكن نتنياهو يرفض إجراء هذا النقاش في كابينت الحرب، لأن أطراف الائتلاف اليمينية المتطرفة ترفض أن يحصل هذا النقاش بغيابها.
وقال: "هذا نقاش حاد وموجود وهناك أطراف إسرائيلية مهتمّة به، ويبدو أنّ نتنياهو مستعد لإغضاب قيادة الجيش الإسرائيلي إرضاء للقوى اليمينية المتطرفة المتحالفة معه".
وأعرب بشارة عن اعتقاده بأنّ الخلافات بعد الحرب ستكون مختلفة عن الخلافات الحالية، مضيفًا: "حين تهدأ الأمور سيعود النقاش حول طابع إسرائيل ومستقبل المناطق المحتلة، وستكون الساحة مهيأة لنقاشات عميقة جدًا بعد هذه الهزة الكبرى"، طارحًا كذلك علامات استفهام حول ما إذا كانت دول عربية ستعطيهم هدايا مجددًا عبر التطبيع.
"الدولة الفلسطينية" ومسار التطبيع
بالانتقال إلى الحديث عن التحركات الأميركية في ضوء جولة وزير الخارجية أنتوني بلينكن في المنطقة، لفت بشارة إلى وجود "كثير من الضباب والغبار الذي يثار في وسائل الإعلام وتحديدًا على منصّات التواصل" حول هذا الأمر.
وأوضح أن بلينكن لم يأتِ لمناقشة وقف الحرب كما روّج البعض، بل مناقشة ما بعد الحرب أي بعد أن تنهي إسرائيل "المهمّة"، وهذا يفترض أنّ الأميركي يعطي إسرائيل مهلة لتنهي هذه "المهمّة"، ويناقش ما بعد ذلك، أي اليوم التالي للقضاء على المقاومة.
وشدّد على أنّ "كل من يشارك في هذا النقاش يناقش ماذا سيجري بعد القضاء على حركة حماس"، متسائلاً عن فحوى النقاش بين الدول العربية والولايات المتحدة بهذا الشأن.
ولاحظ أنّ الحديث عن الدولة الفلسطينية الذي أثاره الرئيس جو بايدن ليس جديدًا، كما حديثه عن إمكانية قبول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو به، مذكّرًا بأنّ نتنياهو قبل بها عام 2009 لكنه وضع شروطًا تنسفها، موضحًا أنّ إخضاع الدولة الفلسطينية للشروط الأمنية الإسرائيلية ينسفها.
وانطلاقًا من ذلك، حذّر الدكتور عزمي بشارة من قبول العرب بتعهد أميركي أو إسرائيلي أن تقوم دولة فلسطينية وأن يكون هذا التعهد كافيًا للعودة إلى التطبيع بعد كل المذابح التي حصلت والتضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني، وأن يتم ذلك على هذا الركام وعلى أنقاض قطاع غزة.
وذكّر بأنّ التطبيع لم يحقّق شيئًا للفلسطينيين في السابق، بل زاد إسرائيل تطرّفًا، لافتًا في هذا السياق إلى كل ما جرى في المناطق المحتلة من اقتحامات الأقصى التي أصبحت روتينًا والاستيطان الذي تضاعف وظروف الأسرى الفلسطينيين.
ولاحظ أنّ كلّ هذا جرى بعد اتفاقيات أبراهام التي جرت مع عدة دول عربية، علمًا أنّ هذه الدول رغم كل ما حصل لم تتراجع وعلاقاتها بإسرائيل اليوم هي من "أحسن ما يكون".
كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع السلطة الفلسطينية؟
وفي إطار الحديث عن الموقف الأميركي، وما يُحكى عن خلافات أميركية إسرائيلية على موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لفت بشارة إلى أنّ الأميركيين ربما يقولون في الجلسات المغلقة إنّهم يأسفون لسقوط هذا العدد من المدنيين في غزة، لكنّهم لا يعترفون حتى بذلك في العلن.
ولاحظ أنّ الأميركيين يرفضون تسمية ما تقوم به إسرائيل في غزة بأنه إبادة جماعية، كما يتصدّون لأيّ قرار في مجلس الأمن يدعو لوقف القتال، فضلاً عن أنّهم لا يمارسون تقييدًا حقيقيًا على إسرائيل، على صعيد كيفية استخدام السلاح الذي يزوّدونها به.
وخلص إلى أنّه لا يوجد أيّ جهد أميركي مبذول لوقف معاناة المدنيين في غزة من الممارسات الإسرائيلية، بعيدًا عن الكلام، مضيفًا: "لديهم موقف يطلب أن يتغيّر نمط القتال وهو ما لم تستجب له إسرائيل حتى الآن، ولو أنّها قد تنصاع لذلك لاحقًا لأهداف عسكرية وليس تحت الضغط، إلا أنه في المطلق لا يوجد ضغط أميركي حقيقي لوقف هذه الجرائم".
أما في موضوع الدولة الفلسطينية، فذكّر بشارة بأنّ موقف نتنياهو معروف في مسألة أنّ غرب نهر الأردن، أي فلسطين المحتلة (تشمل الضفة وأراضي 48 وغزة) كلها يعتبرها أرض إسرائيل ويريد سيطرة أمنية بالحد الأدنى عليها، بمعنى أنّه يقبل سلطة فلسطينية في المناطق المكتظة بالسكان في غزة والضفة لكنه يصرّ على أن السيطرة الأمنية يجب أن تكون لإسرائيل.
ولفت في هذا الإطار إلى أنّ نتنياهو والأحزاب الاستيطانية حوله تعاملوا مع السلطة الفلسطينية بلا احترام وأضعفوها لأنهم يعتقدون أنّ هذا قد يشكل نواة لدولة فلسطينية، في حين أنّ الأطراف الأخرى مستعدة للتعامل مع السلطة بشكل أفضل وكأنها دولة.
وأبعد من ذلك، أشار إلى أنّ اليمين الإسرائيلي في ترتيباته لا يأخذ حتى السلطة الحالية بعين الاعتبار، لافتًا في هذا السياق إلى أنّ باقي الأطراف المكونة للائتلاف الحكومي يذهبون لحدّ القول إنّهم لا يرون ضرورة حتى للسلطة بشكلها الحالي، ويقللون من وظيفة السلطة الأمنية، وكأنّهم نسوا ما كان يحصل في السابق.
إلا أنّه شدّد على أنّ غالبية القوى السياسية الإسرائيلية لا تتفق معهم في هذا.
وثيقة حركة حماس.. أهمية إعلامية وسياسية
بالانتقال إلى الشق الفلسطيني، توقف الدكتور بشارة عند الوثيقة التي أصدرتها حركة حماس، والتي حملت تفصيلاً لروايتها حول هجوم السابع من أكتوبر، فوصفها بالجيدة، واعتبر أنّه من الجيد أنّها صدرت، ولو تأخّرت.
ورأى أنّ هذه الرواية تفنّد الادعاءات الإسرائيلية حول 7 أكتوبر وتشرح أهداف العملية بوصفها عملية عسكرية لم تستهدف المدنيين، كما أنّه أشاد بوصف الحركة لذاتها في الوثيقة كحركة تحرر وطني تتبنى خطًا إسلاميًا معتدلاً وليست معادية لليهود، معتبرًا أنّ ما كُتِب جيد وفيه إجابات على أسئلة طرحها ممثل إسرائيل في المحكمة الدولية.
ورأى أنّ هذه الوثيقة مهمة إعلاميًا بعد تشويه صورة حركة حماس، "فهذا يساعد في فهم مصداقية المقاومة وعدالة قضيتها"، لكنّه تحدّث عن أهمية سياسية لها، يفترض أن يتلقّفها الطرف الفلسطيني الآخر، أي السلطة في رام الله. وقال: "هذه الوثيقة يجب أن تُعتبَر خطوة كبيرة وعلى أساسها إذا كانت النيات حسنة يمكن أن يُبنى عليها أكثر من حوار فلسطيني فلسطيني".
وإذ تساءل بشارة إن كان هناك طرف فلسطيني ينتظر أن تنهي إسرائيل المهمّة لكي يحتل مكانه في السياسة الإقليمية أو لكي تقبله أميركا في السياسة الإقليمية وتسهَّل له الطريق، نبّه إلى أنّ الديناميكية التي تخلق من تقبل الهزيمة والاستثمار فيها لن تترك حجرًا على حجر.
واستنادًا إلى ما تقدّم، شدّد بشارة على أنّ "اليوم التالي فلسطينيًا يبدأ بموقف فلسطيني موحد وبإعادة بناء منظمة التحرير"، داعيًا إلى موقف يرفض ما يدبَّر للشعب الفلسطيني وللقضية الفلسطينية بعد انتهاء الحرب، ومؤكدًا أنّ موقفًا فلسطينيًا موحّدًا يتصدّى لذلك سينجح.
هل تعود الأمور في غزة "أسوأ ممّا كان"؟
وردًا على سؤال حول إمكانية أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه في السابق بعد انتهاء الحرب، نبّه بشارة إلى أنّ مثل هذا السيناريو قد يحصل، إذا لم تُدَر المعركة بحكمة وصلابة، ولم تترفع الناس عن أحقادها وضغائنها، ولم تتصرف بمسؤولية تجاه الدماء التي سالت.
وقال: "يمكن أن نعود إلى وضع أسوأ ممّا كان، إذا لم يكن هناك طرف فلسطيني يضع النقاط على الحروف ويقول هذا هو الحل وهذا ما يجب أن يُفرَض"، مضيفًا: "الشعب الفلسطيني دفع أكبر ثمن ممكن تخيّله وآن الأوان لتحل قضيته لا أن نعود لمفاوضات تشبه مفاوضات أوسلو لكي يقوم الجيل القادم بالمقاومة من جديد".
وأعرب عن اعتقاده بأنّ الحلّ ممكن، بل أنّ الظروف ناضجة تمامًا لذلك، لكنه رأى أنّ "العيب فينا كعرب وكفلسطينيين أننا لا نستطيع أن نترجم هذه التضحيات"، حتى إنّه حذر من انعكاس ذلك على مسألة إعادة الإعمار، قائلاً: "إذا لم يكن هنالك طرف فلسطيني قوي منظّم، سنعاني طويلاً قبل إعادة إعمار غزة ونعاني طويلاً قبل أن تعالج وتضمد جروح هؤلاء الناس الذين ما زالوا يسكنون في الخيام وفي الشوارع".
وقارن بشارة بين ما يجرى في غزة وما جرى ويجري في سوريا والعراق والسودان وليبيا وغيرها من المناطق، حيث لا تزال المآسي والانقسامات مستمرّة، متوقّفًا عند المسألة السورية تحديدًا، حيث كانت المشكلة أيضًا أنّه "لم يكن هناك قيادة تترجم تضحيات الشعب السوري في السنوات الأخيرة".
الشعب الفلسطيني يقرّر مصيره بنفسه
وقلّل المفكر العربي عزمي بشارة من التوقعات بشأن الاجتماع المرتقب للجامعة العربية لبحث تطورات الحرب في غزة، مشدّدًا على أنّ لا شيء متوقعًا من هذا الاجتماع، بعيدًا عن الخطابات.
ولفت إلى أنّ هناك ثلاث أو أربع دول عربية هي التي تدير الملف، وتتحدث بشأنه مع الولايات المتحدة، "لكنّها لا تصارحنا بما يجري من نقاشات"، مشدّدًا على أنّ مثل هذا الأمر غير جائز.
وجزم بشارة في هذا السياق بأنّ الشعب الفلسطيني يقرر مصيره بنفسه ولا يقبل وصاية من أحد، رافضًا سيناريو "العودة على ظهر دبابة إسرائيلية"، ومؤكدًا أنّ "الشعب الفلسطيني الذي قدّم كل هذه التضحيات يستحق أن يقرّر مصيره بنفسه".
وفي حين نبّه إلى أنّ العرب إذا كانوا يتنافسون لكسب ود أميركا والتقرب منها ومن إسرائيل فرادى، فهم يضعفون بعضهم بعضًا، شدّد على أنّ ذلك لن يفيدهم على المدى البعيد، بل سيفقدون احترامهم، باعتبار أنّهم لم يدافعوا عن شعبهم الذي ارتُكِبت المذابح بحقه.
متى ينعم الإقليم بأمن مستدام؟
وعن مآلات التصعيد واحتمالات الحرب الإقليمية، قال بشارة ختامًا إنّ الإقليم لا يمكن أن ينعم بأمن مستدام من دون حل عادل للقضية الفلسطينية، ليس فقط بوجود إسرائيل، ولكن بوجود أجندات إقليمية يمكن أن تستغلّ قضية فلسطين.
وفيما لفت إلى أنّه لا يعتبر الأجندات الإقليمية أمرًا سلبيًا، بل يتمنى لو أنّ الدول العربية لديها مثل هذه الأجندات لتتحرك، قال: "طالما هناك قضية فلسطينية مشتعلة ولديها هذا الوزن عربيًا وعالميًا سيظلّ هناك دول إقليمية لديها أجندات تستعملها وأحيانًا يكون استخدامها لصالح الشعب الفلسطيني وأحيانًا يكون ضده".
ولفت في هذا الإطار إلى الدعم الإيراني لقضية فلسطين، الذي قد يكون ثمنه في بعض الأحيان "بعض الشروخ في المجتمعات العربية، باعتبار أنّ كل من يعادي إيران يصبح لديه موقف سلبي من القضية ككلّ"، مشيرًا إلى أنّ هذا الارتباك ناجم عن عدم وجود مشروع عربي إقليمي مواجه، "وبالتالي تشتبك الأمور ونرى هذه الفوضى في الإعلام العربي وفي نفوس الناس".
وأضاف: "هذا ما يحصل حين توجد قضية هي مركزية في قلوب الشعوب ونفوسهم وتستحق هذه المركزية لكن الحكام يتعاملون معها عكس ما تريده الشعوب فتأتي قوى إقليمية أخرى وتستغل ذلك".
تجدون في الفيديو المرفق المقابلة الكاملة مع الدكتور عزمي بشارة، التي حاورته فيها الزميلة آمال عراب، وناقشت الحرب على غزة بين المتغيرات الداخلية في إسرائيل والتحركات الأميركية وحسابات اليوم التالي.