يتأهب جيش الاحتلال الإسرائيلي على الحدود مع لبنان حيث ما زال احتمال نشوب الحرب قائمًا، وتجد نفسها أمام عدد من الخيارات العسكرية للحرب ضد حزب الله ولإدارة سيناريوهات الهجوم والدفاع، والتي يشرحها أستاذ الدراسات الأمنية والعسكرية عمر عاشور.
ما المقصود بالدفاع الثابت؟
قد تستخدم إسرائيل "الدفاع الثابت"، وهو إستراتيجية دفاعية تهدف إلى التمسك بالأرض من دون مبادلتها. ويشير عاشور إلى أن فلسفة هذه الإستراتيجية الرئيسة هي وضع عبء المناورة الهجومية، بما فيها من مخاطر، على العدو.
وقد يكون الدفاع الثابت في العمق، أو قد يكون بعد هجوم، أو مناورة هجومية ناجحة ثم احتلال الأرض ثم التحصن فيها والدفاع عنها.
وهذا ما فعلته بعض الوحدات الإسرائيلية في أبرز معارك 1948، الحرب العربية الإسرائيلية الأولى، ضد القوات المصرية في الجنوب وضد القوات العراقية والسورية في شمال وشرق فلسطين التاريخية.
ما هو دليل "قسم البندقية" الذي طبعته إسرائيل مؤخرًا؟
أمّا "دليل قسم البندقية"، فهو دليل ميداني من خمسينيات القرن الماضي لقوات المشاة الإسرائيلية بالأساس، وبه بعض ما نسميه بالـTTPs، التقنيات والتكتيكات والإجراءات والإرشادات التي تخص كيفية تنفيذ الدفاع الثابت، بحسب عاشور.
وتاريخيًا، كان العرب هم من يقاتلون بهذه الإستراتيجية (الدفاع الثابت)، وكانت تنجح أحيانًا وتفشل في أخرى.
أما الجيش الإسرائيلي، فمعظم تاريخه، وليس كله، يعتمد على المناورة الهجومية متعددة الأبعاد وبأسلحةٍ مشتركة. وهو يتبناها (الدفاع الثابت) لعدة أسباب منها عدم وجود عمق إستراتيجي كبير، ولصغر المساحة وقلة العدد مقارنة بموارد المحيط العربي، وبالتالي يفضل، أو يفضل قادته عدم المخاطرة بالدفاع الثابت، بحسب عاشور.
ورغم ذلك كان في التاريخ العسكري للجيش الإسرائيلي عناصر من الدفاع الثابت، أبرزها خط بارليف الشهير، إذ كان فيه أكثر من 30 نقطة قوة، إضافة إلى تحصينات دفاعية كبيرة، ولكن كما هو معروف، جرى اختراقه خلال ساعتين في أكتوبر 1973.
هل توجد خطوط حمراء بين حزب الله وإسرائيل؟
ويوضح عاشور أنه عمليًا، لا يوجد شيء رسمي بشأن خطوط حمراء بين إسرائيل وحزب الله. أمّا ما يجري الآن فهو صراع منخفض الحدة نسبيًا، ولكنه يتصاعد، فما يزال القتال من جانب حزب الله في حدود التراشق بالمدفعية الصاروخية والمسيّرات المسلحة ومضادات الدروع الموجهة، ومدفعية المشاة أحيانًا. وترد إسرائيل بخليط من القوة الجوية والعمليات الاستخبارية الصلبة من قبل الإسرائيليين.
ومنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 قتل أكثر من 140 من مقاتلي حزب الله و9 جنود إسرائيليين.
وتتصاعد المواجهة الحالية، ويحدث ما يُسمى بالـMission Creep، أو زحف المهمة في الجيوش كافة، حين تدخل بعمق في هذا النوع من التراشق بالعمليات والعمليات المضادة يمكن أن يتطور الأمر إلى تصعيد أكبر بكثير، وحدّة أعلى بكثير.
خطوط دفاع إسرائيل
وتواصل إسرائيل رفع تأهب قواتها في الشمال تحسبًا لمواجهة مفتوحة. وتعد خطوط دفاعية في الشمال لوضع عبء المناورة الهجومية على حزب الله، وهي شديدة الصعوبة، وليست لحزب الله خبرة كبيرة فيها.
كما تعتمد على الدفاع الثابت، وخاصة في العمق، وهو من أسهل أنواع الدفاع للطرف المدافع، خاصة لو تم إعداد الدفاعات والتحصينات بشكل جيد ولو جرت مراقبتها وتغطيتها ناريًا بشكل فعّال ومستدام ومستمر على مدى 24 ساعة، بحسب عاشور.
ويوضح أنه بالنظر إلى أن الدفاع الثابت أسهل، فلا يحتاج التخطيط العملياتي له إلى توظيف قوات من الفئة الأولى أو الثانية أو حتى الثالثة، وبالتالي يمكن الاعتماد على عدد كبير من قوات الاحتياط، والمجندين الجدد محدودي الخبرة.
وبسبب هذا تترك ألوية الفئة الأولى، مثل الخامس والثلاثين مظلي، والتاسع والثمانين قوات خاصة، وكذلك الفئة الثانية من القوات (الإسرائيلية)، مثل اللواء السابع المدرع وغيرها من ألوية الفرق الست المنتشرة في غزة، تترك في الجنوب، في غزة لمواجهة كتائب القسام والفصائل العسكرية الأخرى.
أما في حالة هجوم حزب الله بقوات برية بحجم ألوية أو حتى بحجم كتائب على الشمال، كنموذج مضخم من عملية السابع من أكتوبر في غلاف غزة، فستحاول قوات الاحتياط الإسرائيلية تعطيله في الشمال من خلال إستراتيجية الدفاع الثابت ومنظوماتها المحلية، حتى يتم سحب قوات نخبة وقوات الفئة الثانية من غزة والضفة وإعادة تموقعها وتموضعها في الشمال، بحسب عاشور.
هل تستطيع إسرائيل الحرب على أكثر من جبهة؟
فلو نُفذ هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من خلال عدة جبهات، غزة من الجنوب، والضفة من الشرق، وجنوب لبنان من الشمال، لكان الموقف شديد الاختلاف الآن، وربما شديد الصعوبة على الإسرائيليين.
وتتمثل الأزمة الإستراتيجية لإسرائيل في أنها ما زالت تحتاج إلى دعم عسكري بالذخيرة والسلام والاستخبارات في مواجهة كتائب القسام الأقل عددًا وعتادًا وعُدة من حزب الله.
أمّا بخصوص القدرات العسكرية لحزب الله، فقد تطورت كثيرًا بدءًا من القوة العددية، ومرورًا بالبعد البري وأفرعه شاملةً المشاة والمدرعات والمدفعية والقوات الخاصة، وانتهاءً بأفرع الجو والبحر.
وتجد إسرائيل نفسها أمام خيارين، إما الانتهاء من غزة ثم التعامل مع حزب الله، وإما الهجوم وفتح جبهة شمالية متزامنة، والخياران كلاهما صعب.