استفاق العالم على مجزرة جديدة مروّعة في قطاع غزة راح ضحيتها أكثر من 100 شهيد ومئات الجرحى، كانوا ينتظرون الحصول على ما تيسّر من المساعدات الغذائية في شارع الرشيد شمالي القطاع.
وكالعادة، قدّمت قوات الاحتلال روايات متضاربة؛ فبعد أن أقرّت بإطلاق جنودها النار على حشود عند نقطة توزيع مساعدات في غزة إثر شعورهم بما وصفته بـ"تهديد"، عادت وقالت إنّ سائقي شاحنات المساعدات هم من دهسوا المزدحمين حولها.
ونكأ من باتوا يُعرفون بشهداء "لقمة العيش"، الجراح مجددًا بشأن حرب التجويع الممنهجة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي على أكثر من 2.2 مليون فلسطيني في غزة، منهم أكثر من 700 ألف يعانون من مستويات حادة من الجوع شمالي القطاع، وسط إعلان استشهاد 13 طفلًا في مستشفى كمال عدوان بسبب الجفاف وسوء التغذية.
وفي هذا السياق، أكدت وكالة " الأونروا" تراجع حجم المساعدات التي دخلت إلى قطاع غزة خلال الشهر الحالي بنسبة 50% مقارنة مع الشهر الماضي.
فوضى المساعدات
وفي خضم سياسة التجويع والعقاب الجماعي، تتعمّد قوات الاحتلال خلق فوضى في توصيل المساعدات لأبناء القطاع عبر تقليل عدد شاحنات الإغاثة واستهداف بعضها، وإدخال المساعدات لمناطق محددة دون غيرها، فضلًا عن استهداف عناصر الشرطة في القطاع الذين يشرفون على تنظيم توزيع المساعدات، لتصل بذلك على قلّتها وشحّها، بشكل عبثي وغير منظّم؛ الأمر الذي يدفع الجوعى للاكتظاظ والازدحام لساعات طويلة، بغية الحصول على ما تيسّر من لقمة العيش، مع ما يحمله كل ذلك في كثير من الأحيان من مخاطرة في الحياة.
وتؤكد منظمات أممية وإقليمية مختصّة بالإغاثة أنّ وقف الحرب والسماح بإدخال المساعدات إلى القطاع دون ضوابط، هما فقط الحل المنطقي لإنقاذ سكان القطاع من مجاعة مُحقّقة.
ولتحقيق هذه الغاية، لا بديل عمليًا وناجعًا عن سماح إسرائيل بتدفّق المساعدات عبر معابر القطاع البرية، ما يدفع البعض إلى التحذير من تحوّل طريقة "إسقاط المساعدات جوًا" إلى نهج مستمر، وذلك بسبب عدم جدواها في سد احتياجات أهالي القطاع من جهة، وما يصاحبها من إشكاليات عدة من جهة أخرى، مثل المشقّة التي تصاحب عملية التقاط المحتاجين للمساعدات، مع الإشارة إلى أنّ آخر الدول التي أعلنت دراسة التحوّل إلى طريقة إسقاط المساعدات جوًا هي الولايات المتحدة.
"تجويع للتهجير"
وفي هذا الإطار، نفى إسماعيل الثوابتة مدير عام الإعلام الحكومي في قطاع غزة، وجود تضارب في الرواية حول "مجزرة الطحين"، مؤكدًا أن الرواية واضحة وهي أنّ جيش الاحتلال هو من ارتكب المجزرة وأطلق على الفلسطينيين الرصاص بشكل مباشر.
وقال الثوابثة في حديث إلى "العربي" من دير البلح، إنّ عدد الضحايا بلغ 112 شهيدًا وأكثر من 280 جريحًا، مضيفًا أنّ عدد الشهداء مرشّح للارتفاع خاصة مع توقّف المستشفيات عن العمل.
وأوضح أنّ جيش الاحتلال أعلن السماح بمرور هذه المساعدات إدراكًا منه أنّه يمارس سياسة التجويع ضد الفلسطينيين، لكنّ لمجرد تجاوز المساعدات حاجز الاحتلال، فتح الجيش الإسرائيلي النار على الفلسطينيين بدون أي سبب، وهو ما يؤشر إلى نية مبيّتة لدى الاحتلال لارتكاب هذه المجزرة.
وأكد أنّها ليست المرة الأولى التي يقوم بها الاحتلال بمثل هذه المجازر بحق الفلسطينيين الذين يتوافدون للحصول على المساعدات الغذائية، في إطار سياسة التجويع للضغط على الفلسطينيين من أجل تهجيرهم، وبالتالي الحصول على مكاسب سياسية له.
التجويع يندرج في إطار الإبادة الجماعية المتعمّدة
من جهته، أشار الدكتور معتز الفجيري رئيس برنامج حقوق الإنسان في معهد الدوحة للدراسات العليا، إلى أنّ المجزرة تندرج في إطار الضوء الأخضر الذي يمنحه السياسيون الإسرائيليون لجيشهم من أجل تنفيذ سلوكهم العدواني ضد المدنيين.
وقال الفجيري في حديث إلى "العربي" من الدوحة، إنّ الاحتلال يستخدم المساعدات الإنسانية سلاحًا للضغط على المدنيين الفلسطينيين لتحقيق مكاسب سياسية ضد المقاومة.
وأضاف أنّ المجازر تندرج في إطار الإبادة الجماعية المتعمّدة بحقّ المدنيين الفلسطينيين، ومعاقبتهم بكافة السبل.
"التجويع جريمة حرب"
بدوره، رأى مايكل لينك المقرر الأممي السابق لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أنّ إسرائيل تمارس سياسة التجويع خلافًا للقانون الإنساني الدولي الذي يعتبرها جريمة حرب.
وقال لينك في حديث إلى "العربي" من نيويورك، إنّ إسرائيل بصفتها سلطة احتلال مسؤولة عن إيصال الغذاء للفلسطينيين.
وأضاف أنّ إسرائيل تتحمّل أيضًا مسؤولية الشحّ في المساعدات الإنسانية التي تصل إلى قطاع غزة، نتيجة عرقلة وصولها إلى القطاع.