أكد المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور عزمي بشارة أنّ الردّ الإيراني على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق جاء في سياق الحرب المستمرّة بين الجانبين في لبنان وسوريا وإيران نفسها، معتبرًا أنّ لا علاقة مباشرة بينه وبين الحرب الدائرة على قطاع غزة.
ورأى في حديث إلى "العربي"، ضمن التغطية المفتوحة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أنّ استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق مثّل تصعيدًا إسرائيليًا جوهريًا لم يكن بوسع إيران أن تقف مكتوفة الأيدي تجاهه، ملاحظًا أنّ إيران أعلنت للعالم كله تقريبًا أنها مضطرة للرد على إسرائيل.
وأعرب بشارة عن اعتقاده بأنّ إيران لا تريد الحرب لأسباب عدة منها أنّ شعبها لا يريد مثل هذه الحرب، وأنّ اقتصادها لا يتحمّل ذلك، ولكن منها أيضًا الحفاظ على منجزاتها ومشروعها في المنطقة، والذي لا تريد التضحية به.
واعتبر بشارة في سياق متصل، أنّ هجوم إيران كشف وجود أوركسترا فاعلة في المنطقة للدفاع عن إسرائيل وليس عن فلسطين، لافتًا إلى أنّ هناك قوى عربية لم تدافع عن غزة عسكريًا ولكنها دافعت عن إسرائيل عسكريًا.
وفي حين قال إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لديه حلم سياسي يتمثل في توريط الولايات المتحدة في حرب على إيران، استبعد قدرته على ذلك، مشدّدًا على أنّ واشنطن قالت "لا" واضحة لإسرائيل بشأن الرد على الرد الإيراني، ومؤكدًا أنّه لا يوجد مصلحة أميركية في اندلاع حرب إقليمية مع إيران.
وفي ملفات الحرب المستمرّة على غزة، أكد بشارة أنّ ملف الرهائن ليس أولوية بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، مشيرًا إلى أنّ إسرائيل ترفض الانسحاب الكلي من قطاع غزة، وأنّها لم تغير موقفها في جولات المفاوضات من مسائل وقف الحرب والانسحاب من قطاع غزة وإعادة الإعمار.
وتعليقًا على ما يُحكى عن طرح الاعتراف بدولة فلسطينية، لفت إلى أنّ مثل هذا الأمر يمكن أن يمثل إنجازًا دبلوماسيًا فقط إذا تضمن الإشارة إلى حدود 1967 بما يشمل القدس المحتلة. وقال إنّ الولايات المتحدة لديها ترتيبات مقترحة للاعتراف بدولة فلسطينية دون تحديد حدودها، منبّهًا إلى أنّ مثل هذا الأمر قد يكون له أثر سلبي في الواقع.
أبعاد الرد الإيراني على إسرائيل وسياقاته
وانطلق الدكتور عزمي بشارة في حديثه لـ"العربي"، من أبعاد الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، حيث وصفه بأنّه "تطور كبير ومهمّ يمكن قراءته في سياق الحرب الإسرائيلية المستمرة في لبنان وسوريا وفي إيران ذاتها ضد إيران والقوى المتحالفة مع إيران".
وأشار إلى أنّ هذه الحرب شهدت عدّة موجات من التصعيد كان آخرها استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، مستنتجًا أنّ الانعطاف هو بالتالي انعطاف إسرائيلي وليس إيرانيًا، فما حصل هو تصعيد إسرائيلي جوهري لم يكن بوسع إيران أن تقف مكتوفة الأيدي تجاهه ولا سيما أنه أتى بعد عدة هجمات بينها هجمات مباشرة على حزب الله وعلى قوى متحالفة مع إيران في سوريا.
وفي حين لاحظ بشارة أنّ البعض قرأ هذا التطور على أنه جزء من الاشتعال في المنطقة نتيجة للحرب الإسرائيلية على غزة، شدّد على أنّه يمكن قراءته من دونها، مضيفًا: "إذا كان لا بدّ من فهمه في هذا السياق وكأنه رد إيراني على ما يجري فلسطينيًا، ففي هذه الحالة نقرأ أنّ المنطقة لا تهدأ منذ 7 أكتوبر".
وذكّر بأنّ الردود الإيرانية أو ما يسمى محور المقاومة على العدوان على غزة كانت تجري من لبنان ومن اليمن وليس مباشرة من إيران، وبهذا المعنى فإنّ الرد الإيراني هنا لا علاقة له مباشرة بالعدوان على غزة.
الهجوم الإيراني.. واليتم العربي
في مطلق الأحوال، أكد بشارة أنّ الحدث الذي حصل مهمّ، فهذا أول هجوم من الأرض الإيرانية على إسرائيل وبهذا الحجم، موضحًا أنّ الحجم كبير حتى لو كان الأثر قليلاً.
وأوضح أنّ هجومًا بهذا الحجم من دولة على دولة لم يحصل عمليًا منذ حرب الخليج الثانية التي أطلق فيها نظام الحكم في بغداد بقيادة صدام حسين صواريخ على إسرائيل، لافتًا إلى أنّ ذلك لم يحصل حتى في حرب 1973، التي لم تصل فعليًا إلى داخل الخط الأخضر.
وعلق بشارة على ردود الفعل التي أثارها الهجوم الإيراني في المنطقة، في ضوء ما أسماه بالانقسامات المعدّة سلفًا، إما للدفاع عن إيران كأنّ ما حصل سيغيّر تاريخ المنطقة وسيهزّ إسرائيل، وإما للهجوم عليها والادّعاء بأنّ ما فعلته مسرحية وتمثيلية.
ورأى أنّ هذا الانقسام ناجم عن عدم وجود مشروع عربي في المواجهة، متحدّثًا في هذا الإطار عن "شيء من اليتم العربي". وقال: "الانقسام كان في فترة معينة بين إيران وتركيا واليوم للأسف حتى بين إيران وإسرائيل، والحقيقة أنّ العرب جمهورًا متروكون كأيتام على موائد المشاريع الدولية الأخرى في المنطقة، وتحديدًا إيران وتركيا وإسرائيل".
وأضاف: "لذلك يُسقِط العرب على ما يسمّى وسائل التواصل أمنياتهم وأحلامهم وخيباتهم على قوى أخرى، في حين أنّ هذه القوى تمثل دولاً قومية، لها مشاريعها ومصالحها وتطلعاتها وأهدافها بغض النظر عن رأينا بها".
إيران لا تريد الحرب
وفي قراءته لأبعاد الرد، رأى بشارة أنّه يكرّس مرّة أخرى عدم رغبة إيران بالحرب، بدليل إعلانها للعالم كله تقريبًا أنها مضطرة للرد وأنّ إسرائيل لم تترك لها المجال إلا للرد بسبب صلافة ووقاحة العدوان الإسرائيلي المباشر.
وأشار إلى أنّ الإيرانيين غير معنيّين بالذهاب إلى حرب لعدّة أسباب واعتبارات، من بينها أن الرأي العام في إيران لا يريد الحرب، كما أن اقتصادها لا يتحمّل فاتورة الحرب، ولكن أيضًا الحفاظ على منجزاتها ومشروعها في المنطقة.
وأوضح أنّ إيران لديها إنجاز تاريخي لم يتحقق منذ الصفويين وهو السيطرة على العراق وسوريا ولبنان وصولاً للبحر المتوسط وهي لن تضحّي بذلك، مضيفًا: "هذه مشكلة العرب لكن بالنسبة لها هي حقّقت هذا الإنجاز وأصبحت مهيمنة على الأقل إذا لم تكن مسيطرة سيطرة تامة، وبالتالي لن تضحّي بذلك لا من أجل فلسطين ولا من أجل غيرها".
ولفت بشارة إلى أنّ الإيرانيين حرصوا على أن يفهم كل العالم أنهم مضطرون للرد ولكن لا يريدون حربًا، فاستعدادهم كان شبه مُعلن، بل أعطوا أيامًا للطرف الآخر ليستعدّ. وقال: "لنفترض أنّ هذه العملية نفسها وبكل أنواع الأسلحة التي استُخدِمت، حصلت من دون إنذار مسبق، فبالتأكيد كان يمكن أن تحقّق أكثر بكثير ممّا تحقق".
"أوركسترا" للدفاع عن إسرائيل
وفيما لفت إلى أن الطرف الإسرائيلي استعدّ استعدادًا تامًا، تحدّث عن "أوركسترا حقيقية" كشفها الهجوم الإيراني في المنطقة للدفاع عن إسرائيل وليس فلسطين، مشيرًا إلى أنّ هذه الأوركسترا تشكّلت عبر الزمن، لكنّها ظهرت بوضوح ضدّ الحوثيين، "وكل يوم نكتشف دولة جديدة ضمنها".
وأوضح أنّه منذ أن خرجت مصر من ساحة المواجهة نشأ وضع تستطيع فيه إسرائيل أن تنفرد بدول من دون أن يشنّ العالم العربي حربًا عليها، حيث أصبحت الحروب مع قوى غير نظامية، وبدأت الصورة تتبلور حينها بأنّ النظام الرسمي العربي لا يريد خوض حروب مع إسرائيل.
لكن ما حصل لاحقًا، وفقًا لبشارة، أنّ التطبيع الذي انتهجته بعض الأنظمة مع إسرائيل، بدأ يأخذ شكل تحالفات مع إسرائيل وتحديدًا بعد العام 2011، في ضوء ما وصفه بأنه "حرص مشترك على ما يسمّى الاستقرار في المنطقة"، بما معناه منع عودة "لحظة تاريخية" تشبه ما حصل في ذلك العام. واعتبر أنّ هذه التحالفات تقوم على فكرة أنّ "اللوبي الإسرائيلي العربي ضروري للتأثير على الغرب وواشنطن ليبقى الغرب صلبًا بموقفه بالحفاظ على حلفائه في المنطقة".
ولفت إلى أنّ هذا التحالف يعتبر أنّ القضية الأساسية في المنطقة ليست إسرائيل وإنما الخطر الإيراني، وقد أعلِن ذلك بشكل واضح بعد الهجوم الإيراني، حيث كان لافتًا أنّ قوى عربية لم تدافع عن غزة عسكريًا ولكنها دافعت عن إسرائيل عسكريًا.
لكنّ بشارة تحدّث عن خدمات متبادلة في هذا السياق، إذ إنّ إسرائيل عام 2011 كانت أساسية في الدفاع عن النظام العربي القديم ورفض التغيرات. إلا أنّه جدّد القول بأنّ السابع من أكتوبر أفسد هذه اللحظة، وأكد أنّ القضية الفلسطينية من الصعب تهميشها.
الضرر الذي لحق بإسرائيل "محدود جدًا"
وعلى أهمية الهجوم الإيراني، رأى المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أنّ الضرر الذي لحق بإسرائيل بنتيجته "محدود جدًا"، وإن أظهر في مكان ما التحالفات وتبادل المعلومات والتنسيق الأمني.
وتحدّث عن عدة دول ساهمت في رصد الصواريخ والمسيرات وحركتها، مشيرًا إلى أنّ أجهزة استخباراتية عدّة عملت لتكون قدرة القوى التي دافعت وتصدّت لهذه الصواريخ والمسيرات دقيقة جدًا في إصاباتها.
وإذا كان مثل هذا الأمر يعني أن إسرائيل احتاجت لمساعدة الآخرين من أجل المواجهة، فإنّ بشارة لفت إلى أنّ الأمر ليس بجديد، فهو حاصل في الحرب على غزة أيضًا، حيث ثبت أنه حتى من ناحية الذخيرة لا يستطيعون الاستمرار بدون الولايات المتحدة.
وقال: "ليس فقط هم غير قادرين على مهاجمة إيران وحدهم ولكنهم غير قادرين حتى على الدفاع عن أنفسهم من هجمات إيرانية وحدهم، كما أصبح واضحًا أنهم لا يستطيعون اتخاذ قرارات مثل الحرب على إيران لوحدهم".
بهذا المعنى، أكد بشارة أن التحالف الذي ساعد إسرائيل شكّل "هدية" لها، لكنه رأى أنّ هذا التحالف يمثّل في الوقت نفسه "قيدًا" عليها لناحية القدرة على الحركة، موضحًا أنّهم "يستطيعون العمل في سوريا المستباحة تقريبًا وحيث الدولة غائبة تمامًا، وفي لبنان حيث الدولة شبه غائبة أيضًا، لكن الأمر نفسه لا يسري على إيران، حيث يمكن توريط العالم في حرب إقليمية".
مع ذلك رجّح بشارة أن يكون هناك رد إسرائيلي مضاد على الرد الإيراني، ولكن بسقف محدّد، لا يصل إلى نوع وحجم الفعل الإيراني، معربًا عن اعتقاده بأن النشاط العدواني الإسرائيلي في سوريا ولبنان سيستمر ولن يتوقف، علمًا أنّ القصف بات في الآونة الأخيرة أعمق من السابق.
وأشار إلى أنّ قواعد الاشتباك بعد السابع من أكتوبر تغيّرت، ملاحظًا أنّ ما يلزم للوصول إلى حرب بأتمّ معنى الكلمة أصبح أكثر بكثير من السابق. وأوضح أنّه في السابق كان يكفي حصول عملية يُخطَف أو يُقتَل فيها جنود للذهاب إلى حرب، "في حين أنّ التصعيد اليوم أكبر بكثير لكنه لا يوصل إلى حرب"، معربًا عن اعتقاده بأنّ هذا الأمر سيزداد في المرحلة المقبلة ولن يخفّ.
هل يفعلها نتنياهو؟
وردًا على سؤال عن مدى قدرة رئيس الوزراء الإسرائيلي على اتخاذ قرارات "مجنونة" من نوع الحرب على إيران، قال بشارة إنّ قدرته على ذلك محدودة، فهو وإن كان صاحب قرار، لا يستطيع اتخاذ قرارات وحده، إذ هناك أجهزة أمنية وكابينت حرب يشاركونه القرار.
وشدّد على أنّ الكابح الأهم هو الولايات المتحدة، علمًا أنّ الأميركيين غاضبون على ما يبدو لأنه لم يشاورهم في موضوع قصف القنصلية، كما تحدّث في السياق نفسه عن تسريبات مستمرة من محيط الرئيس جو بايدن أنه يخشى أن نتنياهو يحلم أن يجره إلى حرب مع إيران.
وقال بشارة إنه كان هناك "لا أميركية" قاطعة وواضحة بموضوع الرد على الرد، معربًا عن اعتقاده بأنّ نتنياهو لن يكون قادرًا على الذهاب إلى حرب ضدّ إيران من دون موافقة الولايات المتحدة.
وردًا على سؤال "افتراضي" حول الموقف الأميركي في حال حصول ذلك، قال بشارة إنه في حال وجود خطر حقيقي على إسرائيل لن تتخلى الولايات المتحدة عن إسرائيل، لكنّه أكد أنّ الوصول لمثل هذا الاحتمال لا يبدو واردًا في الوقت الحالي.
وقال: "أصبح واضحًا أن القيام بعمل مثل قصف المفاعلات النووية الإيرانية من جانب إسرائيل سيؤدي إلى حرب ليس فقط مع إيران ولذلك فمثل هذا الأمر ليس مجالاً للمغامرة والتكهن".
وشدّد على أنه لا توجد مصلحة أميركية بحرب إقليمية الآن مع إيران، مضيفًا: "لا أدّعي أنه لا يوجد هامش مناورة كبيرة لنتنياهو، ونحن نرى أنه يفعل ما يريد في غزة، حيث يطيل أمد الحرب رغم كل شيء، علمًا أنّ هنالك قادة عسكريين يعتقون أن الحرب انتهت عمليًا".
الدعم الغربي المطلق.. إسرائيل "ضحيّة"؟
وتعليقًا على الدعم الغربي الذي حظيت به إسرائيل بعد الهجوم الإيراني، وعزله عن سياقه بوصفه ردًا على هجوم إسرائيل على القنصلية الإيرانية بدمشق، لم يجد بشارة في الأمر ما يدعو للاستغراب، ولا سيما أنّ موقف الحكومات الحليفة لإسرائيل والمنحاز لها معروف، وطالما أنّ هناك هيمنة غربية تكرّسها الولايات المتحدة بشكل أو بآخر.
وأشار إلى أنّ التغيّر الذي حصل بعد السابع من أكتوبر هو على مستوى الرأي العام في الغرب، الذي بدأ جزء منه يعدّل نظرته للقضية الفلسطينية. وشدّد على أنّ هؤلاء الذين تظاهروا في الغرب ضدّ إسرائيل ليسوا أكثرية الرأي العام، لكنّهم جزء فاعل ومؤثّر منه، وهذا الجزء لم ينظر إلى إسرائيل بوصفها "ضحية" بعد الهجوم الإيراني.
أما الأنظمة، فأكد بشارة أنّ موقفها لم يتغيّر، فهناك أنظمة منحازة أصلاً لإسرائيل، وبينها دول عربية، قائلاً إنّ بعض هذه الدول تلوم إسرائيل أصلاً لأنها لم تقضِ سريعًا على حركة حماس، وإنّها لم تستطع تحقيق هذا الهدف على مدى ستة أشهر متواصلة من الحرب.
ولفت إلى انّ بين الدول التي تنتقد أفعال إسرائيل في غزة، ثمّة دول ضدّ إيران في الأساس، وهي بالتالي لن تتعاطف معها، لكنّ هذه الدول بالتأكيد لا ترى إسرائيل "ضحية"، حتى لو استنكرت الهجوم الإيراني.
وشدّد على أنّ حلفاء إسرائيل سيقفون معها في السراء والضراء من دون أن يعني ذلك بالضرورة أنهم يرونها ضحية بالفعل.
ما سبب الفشل المتكرر لمفاوضات تبادل الأسرى؟
بالانتقال إلى تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة، وجولات التفاوض التي لم تحقّق بعد أي نتيجة، عزا الدكتور عزمي بشارة الفشل المتكرر لمفاوضات تبادل الأسرى إلى عدم وجود أي تفاهم على أي قضية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وأوضح المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أنّ منطلق إسرائيل في المفاوضات هو تحرير الرهائن الإسرائيليين لدى حركة حماس، "هذا إذا سلّمنا أنّ هناك موقفًا إسرائيليًا واحدًا".
وأشار إلى أنّهم مقابل ذلك مستعدون أن يعطوا مطالب جزئية مثل الهدنة، لكنهم مصرّون على مواصلة الحرب ويريدون البقاء في غزة، كما أنّ الولايات المتحدة إلى حد ما شريكة لإسرائيل في قضية تحرير الرهائن وهي عمومًا داعمة لاستمرار الحرب وعلى الأقل لم تقم بأي خطوة ضاغطة لإنهائها.
وفيما رأى أنّ المنطق الذي تنطلق منه إسرائيل يقوم على فكرة الطلب من الجانب الفلسطيني تسليمها ما لديه من أوراق، حتى تتحرّر أيديها في كيفية العمل للقضاء عليه، شدّد على أنّ المنطلق لدى حماس وحركات المقاومة بصورة عامة هو وقف الحرب بالدرجة الأولى، مشيرًا إلى أنه من دون انسحاب إسرائيل من قطاع غزة لا يمكن وقف الحرب.
ولفت إلى أنّ هذه الدوافع متناقضة تمامًا، وهو ما يفسّر الفشل المتكرّر في المفاوضات، معتبرًا أنّ الدافع الإسرائيلي للاستمرار بالتفاوض رغم ذلك جولة بعد جولة يبقى لإيهام الرأي العام بأنّ نتنياهو مهتم بموضوع الأسرى ويريد تحريرهم في حين أنّ أولويته هي مواصلة العمليات العسكرية حتى يتأكد من أنه جعل حماس غير قادرة على القتال.
إسرائيل لم تغيّر موقفها من وقف إطلاق النار
وميّز بشارة بين هذه المفاوضات وما حصل في أولى جولات التفاوض التي نجحت في السابق، وأثمرت صفقة تبادل جزئية، مشيرًا إلى أنّ الوضع كان مختلفًا، كما أنّ حماس كانت تريد التخلص من عبء وجود بعض الرهائن لديها من النساء وكبار السنّ.
وشدّد على أنّ إسرائيل لم تهتمّ بقتل الرهائن، وهذا ما أثّر أيضًا سلبًا على المفاوضات، لافتًا إلى أنّ إسرائيل تقصف حيث تعتقد أن حماس موجودة، ولو كانت لا توفّر مكانًا لا تقصفه، مع إدراكها أنّ الرهائن سيكونون هناك، أي أنّ الرهائن معرّضون للقصف الإسرائيلي أكثر من بقية الناس في غزة.
وقال: "الرهائن بالنسبة للحكومة الإسرائيلية ليسوا أولوية لكن يجب أن توهم حكومة نتنياهو الرأي العام بأنهم أولوية ولذلك يجب أن يستمرّ التفاوض".
وشدّد على الأوراق التي تقدّم لا تحمل أيّ ضمانات لوقف إطلاق النار، لافتًا إلى أنّه في باريس قيل لحماس إن هناك ثلاث مراحل، وإن من شبه المؤكد أنه سيكون من الصعب العودة إلى الحرب بانتهائها، لكن بعد ذلك تقلصت الهدن إلى مرحلة واحدة، من دون أي وعد بوقف إطلاق النار.
أكثر من ذلك، تحدّث بشارة عن رفض إسرائيلي واضح وصريح لجهة الانسحاب الكلي من قطاع غزة، بل إن ما طرحته إسرائيل في الجولات الأخيرة كان أن تكون على بعد 500 متر فقط من المحاور الرئيسية.
وشدّد على أنّ إسرائيل لم تغيّر موقفها من وقف إطلاق النار وفك الحصار والانسحاب، وحتى فتح بوابات غزة لدواعي الإغاثة الإنسانية، لافتًا إلى أنّ ما حصل أخيرًا على مستوى المساعدات، كان بضغط أميركي، لأسباب مختلفة من بينها الشعور العالمي بالعار.
وقال: "الكارثة حلّت في غزة، والمأساة الإنسانية حصلت، فهل يمكن بعد كل ذلك أن يضغط أحد على حماس لتقبل بالتنازل عن موضوع وقف إطلاق النار؟ ماذا سيقول الناس في هذه الحالة؟". وأضاف: "قضية الأسرى مهمة جدًا وجوهرية ولكن بالنسبة للناس في غزة الآن الأولوية هي وقف إطلاق النار، وهو ما يجب أن يأتي أولاً".
وشدّد على أنّ الحرب ليست ضد حماس، بدليل تدمير كل المستشفيات بدون أي رد فعل دولي حقيقي، مشيرًا إلى أنّ أهل غزة يُقتَلون ولا أحد يسأل، في حين أن قدرة إسرائيل على القضاء على حماس اتضحت. ولفت إلى أنّ الموضوع استُنزِف تمامًا، حتى إن بعض الإسرائيليين يقولون إن ما يمكن تحقيقه تحقّق، وبالتالي لا معنى لاستمرار هذه المأساة الإنسانية.
الاعتراف بدولة فلسطينية.. هل يكون إنجازًا دبلوماسيًا؟
وفي المحور الأخير من حديثه لـ"العربي"، تطرق المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى الطروحات الراهنة حول فكرة الاعتراف بدولة فلسطينية، حيث كرّر موقفه لجهة أنّ الأهم هو وقف الحرب على غزة وزوال الاحتلال، ومن دون ذلك لا معنى لدولة.
وفي حين أكد أنه لا يشكّك في النوايا الحسنة لبعض الدول التي تقدّم هذه الطروحات، ولا سيما من الدول التي تعترض على ما يجري في غزة، على غرار إسبانيا وأيرلندا، قال: "هؤلاء لا يدرون ما يفعلون فيطرحون فكرة الاعتراف بدولة فلسطينية ويجدون شريكًا هو السلطة في رام الله". لكنه سأل: "كيف تساعد غزة بالاعتراف بدولة فلسطينية؟"، مشدّدًا على أنّ "الأولوية يجب أن تكون لوقف إطلاق النار، فالاعتراف دون أرض ودون دولة ودون ممارسة السيادة قضية معنوية ستنتهي إلى رفع ممثليات السلطة إلى سفارات وليس أكثر من ذلك".
مع ذلك، قال بشارة إنّ مثل هذه الخطوة يمكن أن تُقرَأ على أنها إنجاز دبلوماسي، لكن فقط في حالة واحدة، وهي أن تنص بوضوح على الاعتراف بالدولة على حدود الرابع من حزيران 1967، وهذا يشمل القدس المحتلة.
وأضاف: "إذا لم تقَل هذه العبارة يصبح مشكلة على العكس، ونكون أمام إجهاض للنضال الفلسطيني لفكرة الدولة لأنه يصبح تعويضًا عن إزالة الاحتلال بألقاب، في حين أنّ الأمر الرئيسي بالنسبة للشعب الفلسطيني هو إزالة الاحتلال، وإذا لم يُذكَر ذلك في الاعتراف، فقد يكون للخطوة أثر سلبي".
ترتيب أميركي ونقاشات جارية
وذكّر بشارة بأنّ من وقّع اتفاق أوسلو تنازل عن حركة تحرر وطني معترف بها دوليًا ومحترمة دوليًا مقابل سلطة من دون سيادة أصبحنا نتنازع عليها وثبت مع الوقت أنهم رهائن للاحتلال وأنها سلطة وظيفية، وبالتالي فإنّ تلقيبها بدولة هو فقط خداع لأنه سيكون بمثابة تسمية لصيقة، تؤدي عمليًا إلى إجهاض النضال.
أكثر من ذلك، نبّه بشارة من وجود ترتيب أميركي معيّن للاعتراف بدولة فلسطينية من دون تحديد الحدود، متحدّثًا عن نقاشات جارية في هذا السياق بين الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية وأوساط عربية أخرى. وقال: "يجب أن يكون واضحًا لدول مثل أيرلندا وإسبانيا وربما البرتغال وبلجيكا ومالطا وحتى أستراليا أنّ مثل هذا الأمر لا يخدم الفلسطينيين".
وقال إنّ الإنجاز الدبلوماسي في حال تحديد حدود الدول يكمن في أنّ هذه المناطق لا تعود في خانة "المتنازع عليها"، بل "تصبح الدولة الفلسطينية بحدود معروفة، لكن توجد قوى تحتلّ أراضي هذه الدولة". وبهذا المعنى، لا تعود قضية الحدود قضية تفاوضية لا تنتهي لأن هناك طرفًا قويًا يقول لا، وإن كان ذلك لا يغيّر الوضع على الأرض، وفقًا لبشارة.
إلا أنه أعرب عن اعتقاده بأنّ هذا الإنجاز الدبلوماسي موضع شكّ لسببين أساسيين، أولاً لأنه يحيدنا عن قضية وقف الحرب في غزة، وثانيًا لأنه توجد هنالك محاولة واضحة ولو غير مُعلَنة من الولايات المتحدة لمنع تحديد الحدود.
وردًا على سؤال عن كيفية مواجهة الأمر فلسطينيًا، قال بشارة إنه ينبغي أن تقول السلطة الفلسطينية إن الاعتراف بدولة من دون حدود الرابع من حزيران غير مرغوب ولا نريده. وأضاف: "لا نسمعها تقول ذلك. ربما تعتقد أنه أمر مفروغ منه لكنه ليس كذلك".
وفيما لفت إلى الحراك الجاري في الضفة الغربية، وتحدّث عن "استنفار شعبي فلسطيني غير مسبوق في حركات الاحتجاج في كل مكان"، لفت إلى أن هناك من بدأ يسأل عمّن يمثّل الفلسطينيين فعليًا، ولا سيما أنّ جيلاً كاملاً لا يعرف منظمة التحرير التي لم ينعقد مجلسها الوطني طيلة أكثر من عقدين.
وجدّد الحديث عن نقاش يثار حول ضرورة إعادة بناء منظمة التحرير بحيث تمثل الشعب الفلسطيني فعلاً وليس فقط معنويًا، مشدّدًا على أنه يجب أن يكون هنالك صوت فلسطيني يعبّر عن الموقف في مواجهة كل ما يخطّط دوليًا لليوم التالي وغير ذلك.
تجدون في الفيديو المرفق المقابلة الكاملة مع الدكتور عزمي بشارة، التي حاورته فيها الزميلة ديما عز الدين، وناقشت مجموعة من المحاور بينها أبعاد الرد الإيراني وسياقاته واحتمالات ما بعده، وسبب الفشل المتكرّر لمفاوضات تبادل الأسرى، إضافة إلى قراءة في الطروحات الراهنة في موضوع الاعتراف بدولة فلسطينية.