تتواصل لليوم الثالث على التوالي المجازر الإسرائيلية في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، في خضم اجتياح تدريجي وغير معلن للمدينة، وبتعزيزات من لواء سادس للقتال فيها.
وتتم عمليات التوغل بغطاء ناري مكثف، وقد زحفت الآليات الإسرائيلية إلى المربعات السكنية في غرب وشمال المدينة كما وصلت إلى المناطق الوسطى.
ويأتي العدوان على رفح رغم قرار محكمة العدل الدولية الأخير، والتحذيرات الدولية المستمرة من مغبة اجتياح المدينة التي كانت تؤوي العدد الأكبر من النازحين قبل فرار نحو مليون منهم إلى مناطق أخرى وفق "الأونروا".
تل أبيب تقدم مقترح هدنة جديدًا
وبالتزامن مع ذلك، تسلّم الوسطاء مقترح الهدنة الجديد من تل أبيب. وبُني الاقتراح - وفق المصادر - على سلفه الذي توافق عليه الوسطاء في وقت سابق، كما أنه لم يحدد موعدًا لوقف الحرب أو الانسحاب الكامل من القطاع.
وتضمن الاقتراح، تمديد فترة وقف إطلاق النار ورفع حجم المساعدات الإنسانية للقطاع وعرضًا بانسحاب تدريجي من رفح وزيادة أعداد الأسرى الفلسطينيين الذين سيفرج عنهم.
ونقل موقع "أكسيوس" عن مصادر تأكيدها استعداد الجانب الإسرائيلي لمناقشة مطلب حماس المتعلق بـ"الهدوء المستدام".
لا مفاوضات إلّا بوقف شامل للعدوان
وفي ربط بين المفاوضات والمسار الميداني، قالت مصادر في حماس لـ"العربي" إنه لن تكون هناك مفاوضات إلا بوقف شامل للعدوان على كامل القطاع، والانسحاب من معبر رفح وإعادة الإدارة السابقة له.
كما أشار المصدر إلى أن الوسطاء يتحدثون عن موافقة إسرائيل على الورقة التي أعلنت حماس سابقًا الموافقة عليها، وهذا الأمر قد لا يعدو كونه مناورة جديدة من الاحتلال.
وتوازيًا مع ذلك، حذرت أوساط إسرائيلية، الطبقة السياسية من انعكاسات سلبية لعملية رفح على موقف تل أبيب في أي مفاوضات مقبلة، وسط حديث عن كون المفاوضات المقبلة آخر فرصة لإسرائيل لاستعادة أسراها.
امتعاض أميركي
وبشأن الموقف الأميركي من قتل المدنيين في رفح، يشير المستشار في الحزب الديمقراطي كريس لابتينا إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن حذّر خلال الأسابيع الماضية إسرائيل وقال إنه لن يوفّر لهم القنابل لقصف رفح كما فعلت إسرائيل في بقية أرجاء غزة.
ويلفت لابتينا في حديث إلى "العربي" من واشنطن، إلى أن بايدن انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الملأ.
وأشار إلى أن البيت الأبيض يتحدث عن امتعاضه ويحذر نتنياهو من أنه يقترب من نقطة يمكن أن تدفع بايدن للإعلان مجددًا بأنه لن يوفّر السلاح الذي تحتاجه إسرائيل لكي تستمر في القصف.
لكن لابتينا يعتبر أنه رغم ذلك، فإن الولايات المتحدة لديها بعض السيطرة على إسرائيل، على حد تعبيره.
نتيناهو يسعى لاحتلال رفح
من جانبه، يشير أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح رائد نعيرات، إلى أن ما يريده نتنياهو هو استمرار عملية الإبادة الجماعية لأهالي قطاع غزة.
وفي حديث إلى "العربي" من نابلس، يقول نعيرات: "إن نتنياهو لم يتبق لديه سوى هدف واحد من هذه الحرب وهو تحويل قطاع غزة إلى ما قبل العصر الحجري"، ولذلك فهو يستهدف البنية التحتية والمستشفيات والمدنيين الآمنين.
ويعتبر أن حديث الولايات المتحدة عن عملية نوعية في رفح هو "مغازلة" من الجانب الأميركي. ويفسّر نعيرات هذا الموقف بـ"أن نتنياهو يعلم حجم ضعف إدارة بايدن وهو يبتزها"، لافتًا إلى أنه "لم يتم ابتزاز أي إدارة أميركية أو حتى دولة أخرى بهذا الحجم".
كما يعتبر نعيرات أن ما يفعله نتنياهو الآن هو احتلال مدينة رفح بالكامل ما لم يجد كوابح دولية وموقف أميركي واضح، مشيرًا إلى أنه لم يتبق من رفح سوى كيلومتر واحد.
حماس ستدرس أي مقترح "بجدية ومرونة"
وبشأن موقف حماس من المقترح الإسرائيلي الجديد للهدنة، يلفت الكاتب السياسي مأمون أبو عامر إلى أن الحركة ستواصل القتال لكنها ستدرس أي مشروع أو وثيقة تقدّم لها بجدية ومرونة.
ويوضح في حديث إلى "العربي" من اسطنبول، أن "ما يحدث الآن هو ما حدث في السابق عندما قدمت الوثيقة السابقة والتي وصفها الجانب الأميركي بأنها عرض سخي واعتبر أن العائق الوحيد لوقف إطلاق النار هو حركة حماس".
لكن عندما أعلنت حماس موافقتها على المقترح انسحبت الإدارة الأميركية من المشهد وغيّرت موقفها، بحسب أبو عامر.
ويعتبر الباحث السياسي أن عبارة "هدوء مستدام" التي وردت في المقترح الجديد للهدنة "عامة ولا يمكن البناء عليها". ويشرح أن عدة نقاط استجدت منها ملف رفح، مشيرًا إلى أن عدم انسحاب الاحتلال من قطاع غزة يعني عدم وقف إطلاق النار.
كما يلفت إلى أن نتنياهو يواجه ضغوطًا داخلية ويريد تحقيق مصالحه المتقاطعة مع المصالح الأميركية على حساب الشعب الفلسطيني.