سيتمتع حزب العمال البريطاني بالغالبية المطلقة في البرلمان البريطاني المقبل، بعد الانتخابات التشريعية التي نظمت يوم أمس الخميس مع عودته إلى السلطة بعد حكم المحافظين لمدة 14 عامًا وفق النتائج الجزئية.
ووفقًا لنتيجة الاستطلاع التي نشرتها التلفزة البريطانية، سيحصل حزب العمّال (يسار وسط) على 410 من أصل 650 مقعدًا في مجلس العموم، متقدمًا بفارق شاسع على المحافظين الذين ستنحصر حصّتهم بـ131 مقعدًا في أسوأ نتيجة انتخابية لهم منذ مطلع القرن العشرين.
وحتى ساعة متأخرة من أمس كان حزب العمال قد ضمن أكثر من المقاعد الـ326 الضرورية للحصول على الغالبية المطلقة في مجلس العموم، والتمكن من تشكيل الحكومة البريطانية المقبلة بمفرده.
سوناك: أتحمل المسؤولية
بدوره حقّق حزب "إصلاح بريطانيا" المناهض للمهاجرين نتيجة أفضل من المتوقع بحصوله على 13 مقعدًا نيابيًا، حسب الاستطلاع، وقال نايجل فاراج زعيم الحزب اليوم، في ثامن محاولة له: "خطتي هي بناء حركة وطنية جماهيرية على مدار السنوات القليلة المقبلة".
واعترف رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، اليوم الجمعة، بهزيمة المحافظين في الانتخابات التشريعية، قائلًا إنه يتحمل "مسؤولية" ذلك، بعد الفوز الساحق لحزب العمّال.
وأقرّ سوناك بأنّ "حزب العمال فاز في هذه الانتخابات التشريعيّة". وأضاف بعد إعادة انتخابه في دائرته الانتخابيّة في ريتشموند بشمال إنكلترا أنّ "الشعب البريطاني أصدر حكمًا واضحًا الليلة، وأنا أتحمّل مسؤولية" هذه الهزيمة.
بالمقابل، قال زعيم حزب العمال البريطاني، كير ستارمر، المؤهل لتولي منصب رئيس الوزراء بعد فوز حزبه، إن البلاد صوتت لصالح التغيير، وإن الوقت حان لأن يفي حزبه بوعده، وذلك بعد فوزه بمقعد في البرلمان. وأضاف ستارمر: "قال الناس كلمتهم هنا وفي جميع أنحاء البلاد الليلة، وهم مستعدون للتغيير. التغيير يبدأ هنا".
يذكر أن هذا المحامي السابق سيتبوأ منصب رئيس الوزراء، بعد تسع سنوات فقط على دخوله عالم السياسة وأربع سنوات على تولّيه منصب زعيم حزب العمّال.
خيارات صعبة
وحذرت راشيل ريفيس التي من المقرر أن تصبح أول وزيرة للمال في تاريخ المملكة المتحدة، اليوم الجمعة، من أن حكومة حزب العمال الجديدة التي ستشكّل بعد الانتخابات سيتعين عليها اتخاذ "خيارات صعبة" في مواجهة التحديات التي تواجه البلاد.
وقالت ريفيس، وهي خبيرة اقتصادية سابقة في بنك إنكلترا تبلغ 45 عامًا، وأعيد انتخابها نائبة في دائرتها الانتخابية: "الطريق الواجب سلوكه لن يكون سهلًا. وهناك خيارات صعبة تنتظرنا"،
وفاز الزعيم السابق لحزب العمّال البريطاني جيريمي كوربين، اليساريّ المُخضرم الذي عَلّق الحزب عضويّته بعد فضيحة تتّصل بـ"معاداة السامية"، بعضويّة البرلمان الجمعة بصفته مرشحًا مستقلًا. وفاز كوربين البالغ 75 عامًا والذي مثّل دائرة إزلينغتون الشماليّة أكثر من 40 عامًا، بالمقعد في شكل مريح ولكن للمرّة الأولى دون الانتماء إلى حزب العمّال.
في المقابل، هُزم وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس في دائرته الانتخابية، ليصبح أول شخصية من حكومة المحافظين تخسر مقعدها في البرلمان.
هزيمة سوناك
ويثير المحافظون استياء البريطانيين بعد ترؤس خمسة من زعماء الحزب الحكومة في البلاد خلال 14 عامًا. ويتطلع الناخبون إلى التغيير بسبب سياسات التقشف وأزمة تكاليف المعيشة، ونظام الصحة العامة المتهالك، ما دفع المحافظين في الأيام الأخيرة إلى الإقرار بأنّهم لا يسعون إلى الفوز بل إلى الحد من الغالبية التي سيحقّقها حزب العمال.
ويُتوقع أن يكلف الملك تشارلز الثالث اليوم ستارمر تشكيل حكومة. وسيكون وصوله إلى داونينغ ستريت بمثابة وصول زعيم معتدل، في حين يتقدّم اليمين المتطرف في فرنسا، ويحظى دونالد ترمب بفرص للفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية.
وكان قد دعي 46 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع، حيث يتمّ انتخاب كلّ نائب بالنظام الفردي، ما يعطي الأفضلية للأحزاب الرئيسية.
"الغالبية الكبرى"
بالنسبة إلى سوناك خامس رئيس حكومة محافظ خلال 14 عامًا، تعني هذه الانتخابات نهاية حملة كانت صعبة جدًا. غير أنّه حاول أخذ زمام المبادرة في نهاية مايو/ أيار الماضي، عبر الدعوة إلى انتخابات في يوليو/ تموز بدل الانتظار إلى الخريف كما كان مقرّرًا. غير أنّ الوقت كان كفيلاً بإظهار ضعف حزبه وهشاشة موقفه.
في الأثناء، راكم المصرفي الاستثماري ووزير المال السابق البالغ 44 عامًا عددًا من الأخطاء وبدا أنّه يفتقر إلى الفطنة السياسية، وانعكس ذلك من خلال تقصير فترة حضوره الاحتفالات بالذكرى الثمانين لإنزال النورماندي، وتأخّره في الرد على الشكوك ضمن حزبه بشأن مراهنات على موعد الانتخابات.
وتضمّنت إستراتيجيته بشكل أساسي توجيه اتهام لحزب العمّال بالرغبة في زيادة الضرائب، ثمّ التحذير في الأيام الأخيرة من مخاطر "الغالبية الكبرى" التي من شأنها ترك حزب العمّال من دون قوة مضادة له، مقرًّا بذلك بهزيمة حزبه.
لا عصا سحرية
في مواجهته، سلّط ستارمر الضوء على أصوله المتواضعة، أي والدته الممرّضة ووالده العامل اليدوي، ما يتناقض مع خصمه المليونير. ولتجنّب هجمات اليمين وتبديد وقع برنامج سلفه جيريمي كوربن الباهظ الكلفة، تعهّد إدارة صارمة جدًا للإنفاق العام، دون زيادة الضرائب.
ويعوّل في هذا الإطار على استعادة الاستقرار وتدخّلات من الدولة واستثمارات في البنية التحتية لإنعاش النمو، ما من شأنه تصحيح وضع المرافق العامّة التي تراجع أداؤها منذ إجراءات التقشّف في أوائل العام 2010.
كذلك، يريد ستارمر أن يظهر حازمًا في قضايا الهجرة وأن يقترب من الاتحاد الأوروبي، من دون الانضمام إليه. غير أنّه حذّر من أنّه لا يملك "عصا سحرية"، الأمر الذي ظهر أيضًا لدى البريطانيين الذين بيّنت استطلاعات الرأي أن لا أوهام لديهم بشأن آفاق التغيير.
ومع أنّ حذره دفع البعض إلى القول إنه قليل الطموح، إلّا أنّه سمح لحزب العمّال بالحصول على دعم في أوساط الأعمال وفي الصحافة اليمينية.
من جهتهم خسر الانفصاليون الاسكتلنديون معظم مقاعدهم في البرلمان البريطاني في الانتخابات التي جرت الخميس، في انتكاسة أخرى لمعركتهم من أجل تقرير المصير التي وصلت إلى طريق مسدود أكثر من أي وقت مضى.