على بُعد يقارب 1800 كيلومتر من تل أبيب وبعشرات المقاتلات الحربية، أكدت إسرائيل قصف مدينة الحديدة اليمنية. وقد طال الاستهداف الميناء والمطار ومحطات لتوليد الكهرباء.
وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إنَّ الهجمات على رابع أكبر مدن اليمن تأتي بعد إطلاق الحوثيين ثلاثة صواريخ باتجاه تل أبيب خلال الأسبوعين الماضيين.
تنسيق متقدم بين تل أبيب وواشنطن
وتم تنفيذ هذا الهجوم بالتنسيق اللوجستي مع القيادة المركزية في الجيش الأميركي، وفقًا لوسائل إعلام إسرائيلية.
وعلى وقع التنديد الإيراني بالهجوم الإسرائيلي، أمر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الجيش بتعزيز قدرات الدعم الجوي الدفاعي الأميركية في الشرق الأوسط خلال الأيام القادمة، وفقًا لما قاله البنتاغون.
وأضاف البيان الرسمي أن هذه الإجراءات تأتي لزيادة ما وصفته الولايات المتحدة بـ"الاستعدادات اللوجستية للاستجابة لمختلف الظروف" دون تفصيلها.
ووفقًا لتصريحات المستوى العسكري في واشنطن، تؤكد أميركا أنها "عازمة على منع إيران وشركائها والوكلاء المدعومين من قبلها من استغلال الوضع أو توسيع الصراع"، حسبما جاء في البيانات الصادرة عن البنتاغون.
وتعكس هذه التصريحات التنسيق العسكري المتقدم بين واشنطن وتل أبيب، حيث تشير المصادر إلى استخدام إسرائيل لطائرات إف-35 وإف-15، مع دعم لوجستي أميركي يشمل التزود بالوقود جوًا.
من جهتها، قالت جماعة أنصار الله في تعليقها على ضربة الحديدة إنه سعيٌ لكسر جبهة الإسناد من خلال استهداف الدور اليمني المبدئي، متوعدةً بالرد على العدوان الذي يأتي في وقت حساس، حيث يتزايد القلق من احتمال توسيع إسرائيل لعمليتها في لبنان والاتجاه نحو اجتياح بري وشيك مع استمرار العدوان على غزة.
"عدوان أميركي-بريطاني"
وفي هذا الإطار، يشير عضو المكتب السياسي لجماعة انصار الله الحوثي محمد البخيتي إلى أن إسرائيل هاجمت أهدافًا مدنية، معتبرًا أن الضربات "تمثل عدوانًا أميركيًا-بريطانيًا" وإن إسرائيل "مجرد امتداد عسكري" وتستخدمها أميركا وبريطانيا "كغطاء للتنصل من مسؤوليتهما الأخلاقية ولكي لا تتحملان الخسائر البشرية والمادية"، حسب قوله.
ويرى البخيتي في حديث إلى التلفزيون العربي من صنعاء "أنه لا بد للعرب والمسلمين أن يغيّروا من استراتيجياتهم". وقال: "نحن كيمنيين نتعامل مع هذا العدوان باعتباره عدوانًا إميركيًا-بريطانيًا"، مضيفًا: "إن عملياتنا العسكرية هي عمليات تصاعدية مع استمرار العدوان على غزة والتصعيد الإسرائيلي ضد لبنان واليمن".
ويلفت عضو المكتب السياسي لجماعة أنصار الله الحوثي إلى أن جماعة أنصار الله وسّعت عملياتها لتطال أميركا وبريطانيا، عبر استهداف سفنهما العسكرية أو التجارية".
كما دعا الدول العربية والإسلامية أن تغير استراتيجيتها لتحقيق تفعيل المقاطعة ضد البضائع الأميركية والبريطانية ما سيشكل ضغطًا كبيرًا على الاقتصاد الأميركي، معتبرًا أنه "يجب تخيير أميركا بين مصالحها مع 9 ملايين يهودي في إسرائيل ومصالحها مع ملياري مسلم"، وبالتالي لتتحوّل إسرائيل إلى "صفقة خاسرة" بالنسبة لأميركا وبريطانيا.
ويشير البخيتي إلى أن القتل في غزة يجري بطائرات وقنابل أميركية، معتبرًا أنه لا يجب الانخداع كما حصل في السابق بأن الصراع هو عربي- إسرائيلي أو أنه فلسطيني- إسرائيلي.
استهداف الحديدة "رسالة"
من جهته، يعتبر الخبير بالشأن الإسرائيلي جاكي خوري أن استهداف الحديدة اليوم يحمل رسالة إلى أطراف عدة، بالإشارة إلى أن عشرات الطائرات قطعت مسافة طويلة وربما تزودت في طريقها بالوقود، في الأجواء الدولية أو في دولة ما، واستهدفت الميناء والمطار ومحطات الكهرباء وغيرها.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من الناصرة، يشير خوري إلى أن الرسالة من الاستهداف مفادها "أن إسرائيل ما زالت ضالعة رسميًا في حرب في قطاع غزة وفي حرب ومواجهة كبيرة في جنوب لبنان ورغم ذلك لديها ما يكفي من العتاد العسكري والأسطول الجوي والإمكانيات اللوجستية لكي تنفذ عملية نوعية في اليمن".
كما يرى خوري أن إسرائيل توجه رسالة لإيران لتدعوها بأن لا تفكر في مهاجمة إسرائيل في إطار ردود الفعل على اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، ولكي تدرس أي رد على اغتيال رئيس المكتب السياسي في حركة حماس إسماعيل هنية الذي اغتيل في طهران.
ويتحدث خوري على ما وصفه بحالة "نشوة"، لافتًا إلى أن إسرائيل تعتبر أن هذا هو الزمن الملائم للمؤسسة الأمنية العسكرية الإسرائيلية لتعيد الثقة لنفسها وللجمهور الإسرائيلي بعد تصعيدها في لبنان، مشيرًا إلى أن نتنياهو عزّز من قوته السياسية بانضمام جدعون ساعر إلى حكومته.
كما يشدد الخبير في الشأن الإسرائيلي على أهمية العامل الزمني، حيث يسعى نتنياهو لأن يكون ملف غزة على هامش اهتمامات الرأي العام الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وأن يتحول اهتمامه إلى لبنان وإيران واليمن.
"رد" تدعمه واشنطن
من جانبه، يعتبر المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية نورمان رول أن سياسة الرئيس الأميركي جو بايدن تتسق في أفعالها وأقوالها ولكنها لم تحظ بشعبية.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من واشنطن، يقول: "بايدن يريد تخفيض التصعيد والوصول إلى مفاوضات وتمكين دفاعات إسرائيل"، أمّا بالنسبة للحوثيين، فيعتبر أنهم في مناسبات سابقة استهدفوا إسرائيل وأن ردها على ذلك "قانوني وليس تصعيدًا".
ويوضح أن الولايات المتحدة دعمت إسرائيل لتوجه "ضربة قوية" للحوثيين. وإذ يوافق رول على أن إسرائيل تقود التصعيد منذ عام في المنطقة، يرى أن هناك أطرافًا فاعلة أخرى كحماس وإيران وحزب الله.
كما يعتبر أن الولايات المتحدة تعارض الحل العسكري في المنطقة.