الجمعة 22 نوفمبر / November 2024

عامان على "الحراك" الجزائري.. هل نشهد ولادة جديدة؟

المشهد الجزائري
عامان على "الحراك" الجزائري.. هل نشهد ولادة جديدة؟
الإثنين 22 فبراير 2021

شارك القصة

جزائريون يُحيون الذكرى الثانية لحراكهم. (غيتي)
جزائريون يُحيون الذكرى الثانية لحراكهم. (غيتي)

يحتفل الحراك الجزائري، اليوم الإثنين، بالذكرى الثانية لانطلاق انتفاضته ضدّ حكم عبد العزيز بوتفليقة الذي أُجبر على الاستقالة بعد شهرين من تلك المظاهرات. 

وتتزامن الذكرى هذا العام مع تطوّرات متلاحقة تشهدها الجزائر، حيث حلّ الرئيس عبد المجيد تبون، الأحد، المجلس الشعبي الوطني، وهو الغرفة السفلى في البرلمان، تمهيدًا لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة خلال ستة أشهر، ناهيك عن إطلاق نحو 40 معتقلًا من نشطاء الحراك الخميس الماضي، بينهم الصحافي خالد درارني الذي أصبح رمزًا للنضال من أجل حرية الصحافة في بلده.

الجزائر.. دلالات إقدام تبون على حل البرلمان

ومنذ انطلاقته، نادى الحراك بالعديد من المطالب الديموقراطية كتمدين الحكم واستبعاد الجيش من السلطة وتكريس استقلالية القضاء والصحافة، ومحاربة الفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وعبر مسار، يُمكن وصفه بـ"البطيء" مقارنة مع "الغليان" الذي ساد الاحتجاجات في البلدان المجاورة؛ حقّق الجزائريون بعض المكاسب والإنجازات المجتمعية، لكنّ المطالب السياسية ظلّت بعيدة المنال نسبيًا، فيما يبدو أن بلد "المليون شهيد" يسير نحو فصل جديد من الإيقاع الاحتجاجي.

بحلول عام 2019، بلغ جيل جديد سن الرشد، وبات أكثر ارتباطًا بالعالم الخارجي، وبالأحلام الطموحة لمستقبلهم، مع رفضهم ترشّح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، على الرغم من تردّي صحته، وسوء الإدارة المتصاعد في البلاد.

وفي 22 فبراير/ شباط 2019، خرج الجزائريون إلى الشوارع في احتجاجات حاشدة لم يشهدها جيل كامل. سرعان ما ظهر إيقاع أسبوعي منتظم، حيث تظاهر طلاب الجامعات كل يوم ثلاثاء، وانضم إليهم فئات مختلفة من الشعب كل يوم جمعة. 

لم تتمكّن استقالة بوتفليقة، في نيسان/ أبريل 2019، من تهدئة "المدّ" لأن الجزائريين من جميع الأطياف أرادوا استبدال النظام، لا الرئيس فقط. ورغم أنهم اتحدوا وراء شعار واحد "يتنحاو قاع" (ليرحلوا جميعًا)، إلا أن الأرضية المشتركة كانت بعيدة المنال.

وانتهجت الدولة سياسة "فرق تسد" ضدّ أوساط أحزاب المعارضة، والمجتمع المدني، وغيرها من المؤسسات، التي كان من الممكن أن تُساعد في توجيه الحوار وصياغة الإجماع. ولم تحظ الشخصيات البارزة، التي تسعى إلى القيادة، بثقة المحتجّين. وفي ظل عدم وجود مطالب مشتركة، أو قيادة واضحة، أو رؤية متماسكة للمستقبل، أصبحت التحركات الاحتجاجية تُعرف باسم "الحراك".

الجزائر الجديدة

بعد استقالة بوتفليقة، أذعنت السلطات المدنية للجيش الجزائري القوي، الذي حاول خنق الحراك من خلال مزيج من الاسترضاء والترهيب. ووقعت حملة غير مسبوقة لمكافحة الفساد في شرك رجال الأعمال والسياسيين المحتقَرين على نطاق واسع، بما في ذلك العديد من الوزراء السابقين. كما سعى الجيش إلى تقسيم الحراك. 

وقام الجيش بسجن المتظاهرين بتهمة "تقويض الوحدة الوطنية". لكن بالنسبة للكثيرين، فإن تصفية الحسابات السياسية من خلال تهم الفساد التعسّفية إلى جانب سجن المتظاهرين السلميين كانت بمثابة دعوات للاحتجاج أكثر، وليست أسبابًا للانسحاب.

وبعد التأخر في مواجهة المظاهرات المستمرة، بدأ القادة العسكريون باستعادة النظام. في الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/ كانون الأول 2019، ونظرًا لوجود العديد من الشخصيات الشعبية في السجن، أو حُكم عليهم بعدم أهليتهم للترشح، اضطر الجزائريون للاختيار من بين قائمة من خمسة من أعضاء النظام السابق. في انتخابات شابها إقبال ضعيف، خرج وزير الإسكان السابق عبد المجيد تبون منتصرًا، وسعى إلى طي الصفحة بإعلان فجر "الجزائر الجديدة".

واصل الجزائريون الاحتجاج بينما تحوّلت حكومة تبون الجديدة ببطء لمواجهة قائمة الأزمات المُتزايدة في البلاد.

الجزائر.. فيروس كورونا يعلق الحراك الشعبي

ومع وصول جائحة كوفيد-19، استمرت تظاهرات "الحراك" لعدة أسابيع، قبل أن يدعو المتظاهرون إلى وقفها في أواخر مارس/ آذار.

استغلّت الحكومة الوباء كذريعة لإعادة فرض نسختها من النظام، وإغلاق حدود البلاد، وسجن الصحافيين والنشطاء، ومنع الوصول إلى المواقع الإعلامية المستقلة. في غضون ذلك، تُركت مهمة احتواء الجائحة للنظام الصحي في البلاد التي تعاني من نقص التمويل.

استفتاء فارغ

وحرصًا على ترسيخ شرعيته وصياغة قطيعة حاسمة مع اضطرابات العام السابق؛ وفى تبون بوعده بوضع دستور جديد. وفشلت الوثيقة التي نشرتها حكومته، قبل أيام فقط من الاستفتاء المزمع إجراؤه في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، في تلبية مطالب المحتجين بنقل السلطة الرئاسية، وضمان استقلال القضاء، وتعزيز حماية حرية التعبير وحرية الصحافة. وبدلاً من ذلك، حاولت السلطات استقطاب الحركة بالإشادة بها في "ديباجة مُنقّحة".

وعلى أمل حرمان تبون من التفويض الشعبي الذي سعى إليه، دعا الكثيرون داخل الحراك "النائم" الجزائريين إلى مقاطعة الاستفتاء، واستجاب الكثير لندائهم. وعلى الرغم من إقرار الدستور بأغلبية ثلثي الأصوات، إلا أن نسبة المشاركة في الاستفتاء (23 في المئة) تُمثّل انخفاضًا قياسيًا وتوبيخًا واضحًا للحكومة.

لكن النتائج لم تكن محرجة للحكومة فحسب، بل سلّطت الضوء أيضًا على أكبر نقاط ضعف "الحراك". افتقار الحركة للقيادة جعلها غير قادرة على إجراء تحوّلات استراتيجية في اللحظات الحرجة. ونظرًا لأن أقلّ من 14 في المئة من الناخبين المسجلين صوّتوا لصالح الدستور، فقد نجحت المحاولة المتواضعة للحراك في تعبئة 86 في المئة من الناخبين لرفضه، ما أدى إلى خسارة رمزية للنظام الحاكم مقابل خسارة لصالح الدستور. 

التصويت على تعديل الدستور.. أبرز الدلالات والقراءات

أزمة مألوفة

لم يكن تبون في الجزائر ليشهد انتصاره بفارق ضئيل أو يُوقّع على الدستور ليصبح قانونًا. في 28 أكتوبر (تشرين الأول)، سافر تبون إلى ألمانيا لأسباب صحية غير محددة، ما أثار تكهّنات واسعة النطاق. وعندما بثّ التلفزيون الحكومي خطابًا مسجلًا مسبقًا منه، رأى الجزائريون تشابهًا مقلقًا: مرة أخرى، رئيسهم في مستشفى أوروبي، غير قادر على قيادة البلاد مع تصاعد التحديات.

بعد يومين، أكدت الرئاسة أخيرًا أن تبون، البالغ من العمر 74 عامًا، قد أُصيب بفيروس كورونا، ما أدى إلى تعميق المخاوف من أزمة قيادة أخرى. وعلى مدى شهرين، سمع الجزائريون القليل من الأخبار عن  الرئيس حتى مع وجود مشاكل متزايدة في الوطن بسبب غيابه. كانت الجزائر غارقة في أزمة اقتصادية وأزمة صحية عامة تتطلب اتخاذ قرارات. ومع ذلك، في ظلّ نظامها شديد المركزية، أدى غياب الرئيس فعليًا إلى تجميد عمل الدولة. ومثلما تمّ تجديد النظام الجزائري المكسور من خلال استفتاء على شرعية مشكوك فيها، سلّط غياب تبون الضوء على هشّاشة النظام العميقة.

في ديسمبر 2020، شعر الجزائريون بالفراغ القيادي بشكل حاد، عندما وصلت أنباء عن تطبيع إسرائيل والمغرب الدبلوماسي، مصحوبًا باعتراف أميركي بسلطة المغرب على الصحراء الغربية (استضافت الجزائر لاجئين صحراويين ودعمت حق المستعمرة الإسبانية السابقة في تقرير المصير). وصف الجزائريون الأمر بأنه "إذلال آخر". كان الجزائريون، الذين تغيّبوا عن الساحة الدولية وبدون رئيس يتحدث نيابة عنهم، عاجزين عن تشكيل الأحداث حتى في الجوار.

بالنسبة للعديد من الجزائريين، يبدو أن الإهانات تتصاعد مرة أخرى. فوسط الانتشار الواسع لفيروس كوفيد -19، كافحت الجزائر لتنظيم تدابير مضادة فعالة، بما في ذلك التلقيح. كان الاقتصاد يعتمد بشكل خطير على الهيدروكربونات قبل الوباء، والتنويع لا يُمكن تخيّله في ظل الظروف الحالية. في الوقت نفسه، يشعر الجزائريون بالقلق من أن المشاكل الاقتصادية ستُجبر البلاد على طلب الإنقاذ من المؤسسات المالية الدولية، وهي خطوة اتخذتها الجزائر في التسعينيات وأعربت عن أسفها العميق لقيامها بذلك، ما جعلها خطاً أحمر سياسيًا اليوم.

يُسارع أنصار الحراك إلى الإشارة إلى أنهم أوقفوا حركتهم طواعية، ويُمكنهم إطلاقها في أي وقت. وبعد عامين من اندلاع الحراك، يبدو هذا الاحتمال مرجحًا، إذ تتزايد الدعوات يومًا بعد يوم من أجل العودة إلى الاحتجاج العام، وإعطاء دفع متجدد من أجل التغيير الأساسي.

الجزائر .. عامان على الحراك الشعبي الذي أسقط نظام بوتفليقة
المصادر:
التلفزيون العربي/ اتلانتك كاونسل
Close