من دون أن تحقّق "سلامًا" في أفغانستان، غادرت القوات الأميركية البلاد كما غادر السوفيات من قبلها عام 1989.
وحظي اللواء في الجيش الأميركي كريس دوناهيو بلقب آخر الجنود الذين يرحلون عن الأراضي الأفغانية مع انتهاء أطول حرب خاضتها بلاده، في حين لم يُكتب لأكثر من 2300 جندي أميركي من زملائه العودة أحياء إلى ذويهم في الولايات المتحدة.
أيّ أفغانستان تحلّ عليها اليوم الذكرى العشرون لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2021، وقد انسحبت القوات الأجنبية منها وأعادت حركة طالبان سيطرتها عليها؟
وإن لم يتضح أفق الأحداث في تلك البقعة من العالم بعد، فإن ما شهدته أفغانستان في العقدين الماضيين يبقى ماثلًا وجليًا.
الحرب على "الإرهاب"
لم تلبث الأنظار أن تحوّلت عام 2001 نحو الولايات المتحدة الأميركية إثر اعتداءات 11 سبتمبر، التي ذهب ضحيتها نحو 3000 قتيل، حتى انحرف الاهتمام مجددًا باتجاه أفغانستان.
فإدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، في ذلك الحين، خصّتها بنصيب وافر من الحرب على "الإرهاب"، بعد أن أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن الهجمات.
كان التنظيم، الذي خرج مطرودًا من السودان عام 1996 بعدما أعلن الحرب ضد "أميركا وحلفائها"، قد وجد له موطئ قدم جديد في أفغانستان بترحيب من طالبان وبرعايتها، التي رفضت تسليم بن لادن لواشنطن بعد اعتداءات 11 سبتمبر.
اقرأ أيضًا من ملف: 11 سبتمبر وما بعده
-
موت ونار ودمار.. هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في صور
-
مركز التجارة العالمي.. ما كان قبل 11 سبتمبر وما قام على أنقاضه
-
يوم سادت عقيدة "قتل العرب".. كيف أثّر 11 سبتمبر على أجهزة الاستخبارات الأميركية؟
-
11 سبتمبر على طريق غزو العراق.. "وصمة العار" التي تلاحق بوش وصقوره
والحرب على أفغانستان، التي كانت طالبان تسيطر على الحكم فيها، شنّها في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2001 تحالف عسكري بقيادة أميركا.
وسقطت كابل في يد الأميركيين وتحالف قوات الشمال المؤلف من أمراء الحرب السابقين المعارضين لطالبان.
محاربة الغزو الأميركي
بانهيار النظام القائم الذي تسوده الحركة، اختفى مقاتلوها لأشهر بين القرى والجبال الأفغانية، قبل أن يعاودوا التحرك تحت شعار "محاربة الغزو الأميركي".
وقد عُدّ إسقاط مروحيّتين أميركيتين على يد مقاتلين من طالبان في مارس/ آذار 2002، بمثابة الدعوة المفتوحة لحشد أنصار الحركة التي واصلت استهداف القوات الأجنبية والحكومية.
وأعلن قائد القوات الدولية لحفظ السلام الجنرال أندور ليسلي في العام التالي، أن "حركة طالبان باتت تسيطر على ربع مساحة أفغانستان".
في الأعوام التالية شنّت الحركة هجمات انتحارية عديدة، وازدادت عملياتها ضد القوات الأجنبية.
وبوصول خليفة بوش إلى البيت الأبيض، تحدّث باراك أوباما عام 2014 عن إنهاء مهمة الولايات المتحدة القتالية في أفغانستان، لافتًا إلى أن الأفغان سيتحملون المسؤولية الكاملة عن أمنهم.
ثم بحلول نهاية ذلك العام، كان حلف شمال الأطلسي قد أنهى مهامه القتالية في أفغانستان، لكنه أبقى على قوة مؤلفة من 13 ألف جندي لـ"أغراض تدريبية" ولدعم عمليات "مكافحة الإرهاب".
الانسحاب الأميركي
أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن في أبريل/ نيسان الماضي عن سحب قوات بلاده من أفغانستان.
يومها كشف الرئيس الديمقراطي المنتخب حديثًا أن الانسحاب سيبدأ في مايو/ أيار 2021 وسينتهي في سبتمبر من العام نفسه.
ومع دخول هذا القرار حيّز التنفيذ، راحت طالبان تبسط سيطرتها تدريجيًا على البلاد، من دون أن تواجه أي مقاومة تذكر من القوات الحكومية.
وبخلاف ما توقّعته الاستخبارات الأميركية عن سقوط كابل في يد طالبان بعد 6 أشهر من رحيل آخر جندي أميركي من أفغانستان، لم تحتج الحركة سوى لعشرة أيام فقط لتسيطر على الكرسي الرئاسي قبل أن تسحب أميركا آخر جنودها.
البيان الأول لحركة #طالبان بعد الاستيلاء على الحكم في #أفغانستان 👇 pic.twitter.com/h5rZTEyF0U
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) September 8, 2021
وقد شكلت الحركة أخيرًا حكومة مؤقتة من 33 عضوًا، وفق ما أعلن المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد.
المفاوضات مع طالبان
شهدت العلاقات مع طالبان من جهة وواشنطن أو الحكومة الأفغانية من جهة أخرى جولات من المفاوضات استضافتها باكستان وقطر.
ففي عام 2014 توصّلت واشنطن وطالبان، بوساطة قطرية، إلى صفقة أُفرج بموجبها عن جندي أميركي كان أسيرًا لدى الحركة لخمس سنوات، مقابل إطلاق سراح 5 من قادة طالبان كانوا معتقلين في غوانتانامو.
وفي العام التالي استضافت باكستان أولى المباحثات المباشرة بين كابُل والحركة، لكن الحوار سرعان ما توقف.
مفاوضات أخرى جرت في الدوحة منتصف عام 2018 بين الأميركيين وطالبان، توقفت بدورها مرات عديدة قبل أن تعود وتنشط في العام التالي.
وفي الختام توصّلت أميركا وطالبان إلى مسوّدة اتفاق ضمن انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان.
وخلال العام الماضي، أشرف وزير الخارجية الأميركي على بدء مفاوضات في الدوحة بين الحكومة الأفغانية وطالبان لتقاسم السلطة.
وجاء ذلك بعدما وقّعت واشنطن مع طالبان اتفاقًا تاريخيًا يقضي بانسحاب القوات الأجنبية مقابل ضمانات بعدم استخدام أفغانستان مركزًا لأي نشاط معاد لأميركا.