عرض المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي دانيال هاغاري، مقطع فيديو ادعى فيه أنّها أدلة على وجود مقرات عسكرية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" أسفل مستشفى الرنتيسي في قطاع غزة حسب زعمه، مدعيًا أنّ الحركة احتجزت أسرى في غرفة داخل نفق تحت المستشفى منذ عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها كتائب القسّام في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وزعم هاغاري أنّ جيش الإحتلال عثر على مجموعة من الأسلحة، وغيرها من الأدلة على احتجاز رهائن وبعض الأدوات الشخصية مثل عبوة رضاعة حليب لطفل، وقطعة حبل موصولة بكرسي، وما ادعى أنّها غرفة جُهّزت لاحتجاز الرهائن هناك وتصويرهم.
ثغرات غير منطقية في رواية الاحتلال
ورصد موقع مكافحة الإشاعات والأخبار الكاذبة "مسبار" ثغرات عديدة غير منطقية في رواية الاحتلال، وهي:
1- عدم وجود لقطات لداخل النفق
بدأ هاغاري حديثه بأنّه يقف أمام منزل أحد الإرهابيين، لكنّ اللافتة الظاهرة على المبنى خلفه تُشير إلى المعهد الوطني للإدارة والتدريب، وهو معهد تعليمي يقع مقابل مستشفى الرنتيسي.
وتحدّث هاغاري عن نفق زعم أنّه عُثر عليه على بعد 182 مترًا عن المستشفى، لكنّ الفيديو لم يُظهر أي نفق بل تمت الإشارة إليه فقط.
ثمّ ذكر المتحدث باسم جيش الاحتلال خلال لقطات أخرى أنّ النفق في الطابق السفلي للمستشفى استُخدم كمقرّ من قبل حركة حماس، إلا أنّه لم يعرض أي لقطات تُظهر الارتباط بين النفق المزعوم والطابق الأرضي للمستشفى الذي زعم أنه مقرّ لحركة حماس.
لم يعرض هاغاري أي لقطات لداخل الأنفاق، بل أشار إلى فتحات ومواقع مختلفة لا يمكن في الواقع التأكد من حقيقتها.
كما يُلاحظ أنّه عرض ثلاث لقطات مختلفة زعم أنها لأنفاق: الأولى كانت لبناء صغير مهدم ويمكن ملاحظة وجود نوع من الديكور المعماري داخله لا يُستخدم عادةً في الأنفاق، واللقطة الثانية لفتحة تحتوي أسلاك كهربائية وتجهيزات تبدو مرتبطة بالبنية التحتية للمستشفى، موجودة أسفل صندوق الكهرباء الذي يتضمّن محول طاقة شمسية وقواطع كهربائية، ولقطة ثالثة تُظهر مجموعة من الركام أيضًا زعم أنها فتحة نفق.
ولم يقدم المتحدث أي تبرير عن سبب عدم اقتراب الكاميرا والدخول بشكل طبيعي إلى تلك الفتحات أو تصويرها بوضوح، على غرار ما فعله الاحتلال في فترات سابقة ومنها عام 2014، عندما ادعت إسرائيل العثور على نفق على الحدود مع قطاع غزة، حيث تجوّلت الكاميرا ضمن النفق بشكل واضح.
2- لقطات مقطّعة ومجمّعة
من جهة أخرى، وصفت صفحات جيش الاحتلال على مواقع التواصل عند مشاركة مقطع الفيديو، اللقطات بأنّها "أصلية" (Raw) ولم يتمّ تجميعها، على الرغم من أن اللقطات تظهر بوضوح كلقطات مقطّعة خضعت للتعديل والتجميع.
فإذا كانت المقاطع أصلية، لا يوجد أي مبرر لاقتطاع اللقطات بهذا الشكل، إذ إنّ تصوير المشاهد بشكل متواصل هو الممارسة الإعلامية الشائعة والتي تزيد من موثوقية المادة المصوّرة.
وبالإضافة إلى تجميع المقاطع، يُلاحظ أنّ هناك اقتطاعًا مفاجئًا للقطات عدّة، ما يُثير الشكوك بشأن دقة المعلومات المقدّمة في مقطع الفيديو، ويضعف الأدلة حول أي صلة بين النفق المزعوم ومستشفى الرنتيسي.
وما يؤكد أنّ اللقطات تعرّضت للتقطيع بشكل واضح وأنّ تصويره جرى على فترات مختلفة، ظهور علامات باللون الأحمر على جبين المتحدث باسم جيش الاحتلال لم تكن موجودة في أجزاء أخرى من الفيديو.
3- النفق عادة ما يكون مخفيًا
من جهة أخرى، عادةً ما يكون النفق مخفيًا ولا تظهر معالمه بسهولة. ومع ذلك، يُظهر الفيديو صندوق الكهرباء ومحول الطاقة الشمسية في الخارج، والذي قال هاغاري إنّه يمتد بشكل واضح إلى النفق. الأمر الذي يُشير بقوة إلى أنّه مجرد محوّل كهرباء عادي مرتبط بالمستشفى، أو ربما بئر للشبكة الخاصة بالاتصالات والإنترنت والكهرباء، كما أوضح القيادي في حماس أسامة حمدان.
4- الأدوات المتروكة وطبيعة المكان
تُشير الأدوات المتروكة في المكان إلى وجود مدنيين كانوا قد نزحوا مسبقًا إلى مستشفى الرنتيسي، حيث ظهرت أغطية ووسادات صلاة ومسبحة إلكترونية وحفاظات أطفال، وهو ما يتشابه مع بعض الأدوات التي ظهرت قبل أيام من إخلاء المستشفى عقب إقامة مجموعة من النازحين في داخله.
أما الرسومات الموجّهة للأطفال على الجدران، فمن المنطقي وجودها ضمن مستشفى أطفال.
وبالعودة لسجل صور مستشفى الرنتيسي لُوحظ وجود هذه الرسومات بكثافة على جدران المستشفى. كما أنّه من غير المنطقي أن تكون هذه الرسومات موجودة ضمن أنفاق أو مقرّات عسكرية.
أما طريقة عرض وتنظيم الأسلحة التي زعم الاحتلال العثور عليها داخل النفق، فيتّضح أنّها ربما نُقلت إلى مكان آخر ووُضعت في الغرفة ومن ثم جرى تصويرها.
5- الانتقائية في عرض معالم المكان
تعمّد المتحدث باسم جيش الاحتلال الانتقائية في عرض ملامح المكان وتفاصيله، إذ سلّط الضوء على ملصق واحد موجود على الجدران بمعزل عن غيره من الملصقات والتفاصيل. كما أنّ عدم تجوّل الكاميرا بحرية، منع رؤية محتوى الأوراق الأخرى التي كانت على الجدران، والتي قد تفيد لتحديد المكان.
كما يُلاحظ وجود ملصقات نُزعت عمدًا من على أحد الأبواب الرئيسية الذي يعتليه كلمة "مخرج"، وربما كان وجودها دليلًا على تحديد طبيعة القسم داخل المستشفى.
6- مدير مستشفى الرنتيسي ينفي
إلى ذلك، نفى الدكتور مصطفى الكحلوت مدير مستشفى الرنتيسي في مؤتمر صحفي، المزاعم الإسرائيلية حول استخدام المستشفى من قبل حركة حماس، موضحًا أنّ المستشفى كان محاصرًا بالدبابات كما قُطعت عنه المياه والكهرباء، وأُخلي جرّاء استهدافه.
وأوضح الكحلوت أنّ القسم الذي عرضه هاغاري وزعم أنّه نفق أرضي ومقرّ للمسلحين، هو قبو المستشفى الذي كان مُخصّصًا سابقًا لأقسام إدارية، مضيفًا أنّه بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، نزحت عشرات العائلات إلى هذا المبنى وأُضيفت إليه بعض الخدمات مثل توفير مستلزمات الأطفال والحمامات والمرافق الصحية الضرورية.
لمراجعة تقسيمات المستشفى، لجاّ "مسبار" إلى موقع وزارة الصحة الفلسطينية، ولاحظ صحة ذلك، إذ إنّ الطابق الأرضي يحتوي على إدارة المستشفى والخدمات الإدارية المساندة.
7- مزاعم حول احتجاز أسرى إسرائيليين
كما عرض هاغاري ما زعم أنّها تفاصيل لآثار أسرى اسرائيليين، واستند في ذلك إلى وجود تفاصيل مثل حبل ربط الأسرى بالكرسي المجاور، لكنّ الحبل الذي تمّ عرضه ليس طويلًا بما يكفي لربط الساقين.
كما زعم المتحدث الإسرائيلي بأنّ وجود ستائر على الحائط بغياب نوافذ خلفها، ما هو إلا لإخفاء معالم المكان عند تصوير الأسرى. ولكنّ صور سابقة تُوضح وجود هذه الستائر في أرجاء عدة ضمن المستشفى، وهي مخصّصة في الغالب للمؤتمرات والاجتماعات والظهور الإعلامي ضمن الأبنية الإدارية وغرفة الاجتماعات.
وأمام هذه الوقائع، يُطرح السؤال حول كيفية نقل الأسرى أو المسلحين وإخلائهم من المستشفى بينما كانت قوات الاحتلال تُحاصره بالكامل؟
8- تفسير غير دقيق للملصقات
وعرض المتحدث باسم جيش الاحتلال على الكاميرا ملصقًا واحدًا فقط، أوضح أنّه يُمثّل جدول مناوبات "الإرهابيين" الذين يحرسون الأسرى.
وأشار المتحدث إلى أنّ اسم كل "إرهابي" مكتوب على القائمة إلى جانب يوم مناوبته. لكنّ القائمة تحتوي على أيام الأسبوع فقط، معنونة بمعركة "طوفان الأقصى".
وعلى الرغم من أنّه يصعب التحقّق من صحة وجود هذه القائمة مسبقًا، إلا أنّه من الطبيعي أن تكون مجرد تقويم يُستخدم داخل المستشفى، لأهداف مثل تعداد أيام الحرب على غزة من أجل تقديم التصريحات الصحفية والتقارير وأعداد القتلى.
وسبق أن نشرت إسرائيل مزاعم دون أدلة حول توفير المستشفيات ملاذًا آمنًا لحركة حماس، منها وجود مقرات للحركة تحت مستشفى الشفاء، ومزاعم أخرى بوجود أنفاق تحت مستشفى الشيخ حمد في غزة. وهو ما نفاه "العربي" في تحقيق مفصّل.