كشفت وحدة التحقّق عبر المصادر المفتوحة في "العربي" تفاصيل حملة التضليل الإسرائيلية لوضع "حماس" في خانة الإرهاب، والأدوات التي استخدمتها في ذلك.
فالاحتلال الإسرائيلي يعتمد إستراتيجية البروباغندا عبر الترويج لربط المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، وذلك بهدف التغطية على جرائم قواته في غزة وخلق رأي عام عالمي معادٍ للحق الفلسطيني في مقاومة الاحتلال.
ترويج لوسوم ضمن حملة التضليل الإسرائيلية
وفي التفاصيل، انتشرت عبارات باللغة الإنكليزية عبر وسوم عدة منذ بدء الحرب، وشهدت تفاعلًا ضخمًا، حيث ظهر أكثر من 14 مليون منشور على 3.9 ملايين حساب.
ومن بين الوسوم بالإنكليزية "إرهاب حماس"، و"مجزرة حماس"، و"حماس إرهابية"، و"حماس داعش"، ووصلت المنشورات عليها إلى المليارات من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.
وتتبّع تحقيق "العربي" بالتواريخ هذا النشاط، الذي كانت ذروته الأولى في أول يومين من بعد انطلاق عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم.
وعملت إسرائيل وحلفاؤها على إيصال رسالة واحدة مضلّلة، وهي أنّ "حماس" والفلسطينيين إرهابيون يقتلون بحسب ما وصفتهم المنشورات، "الأبرياء الإسرائيليّين".
وفي 10 من أكتوبر، كانت الذروة الثانية بواقع 1.3 مليون منشور وذلك بعد الخبر الكاذب الذي خرج عن قناة "آي نيوز 24"، والذي ادعى قيام مقاتلي "حماس" بقطع رؤوس الأطفال في مستوطنة كفار عزة.
أما الذروة الثالثة للنقاش كما رصدها تحليل فريق "العربي" الرقميّ فكانت في 13 أكتوبر، وذلك تزامنًا مع تصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال فيه إن "حماس" أسوأ من "داعش".
ثمّ ظهرت ذروة أخرى في 18 أكتوبر، وهو تاريخ المجزرة التي قامت بها إسرائيل في مستشفى المعمداني، والتي حاولت إلصاقها بالمقاومة الفلسطينية.
في هذا الصدد، يُظهر "العربي" تباطؤ وتيرة الحملة بين 15 و17 أكتوبر، فيما قوبلت رواية إسرائيل بشأن مجزرة المعمداني بكثير من الشكّ والتفنيد، وتصاعدت حدّة القصف الممنهج من قبل الاحتلال على غزة، تاركة آلاف الشهداء.
تبع ذلك، هبوط أكبر لهذه البروباغندا الرقمية في 24 من الشهر نفسه، مع إفراج المقاومة عن امرأتين وتصريحهما الذي كشف المعاملة الإنسانية التي تلقّيتاها.
الحسابات المروّجة لـ"إرهاب حماس"
من جهة ثانية، تمكن فريق التحقيق من تحديد أهم الحسابات المروجة لرواية "إرهاب حماس"، من خلال نتائج الكلمات المفتاحية عبر منصات التواصل الاجتماعي.
فتبين أولًا حساب إسرائيل الرسمي على تويتر، وهو الذي شارك العديد من الروايات المضللة التي سبق أن فندها "العربي" في تحقيقات سابقة.
هذا بالإضافة إلى حساب وزارة دفاع دولة الاحتلال، وحساب حنانيا نفتالي المعروف بإشرافه على محتوى وسائل التواصل الاجتماعي لرئيس الوزراء نتنياهو.
التفاعل على وسم "حماس إرهابية"
أما بعد تتبع المواقع الجغرافية التي تتفاعل مع حملة التضليل الإلكترونية، فلم يكن مفاجئًا ظهور الولايات المتحدة على رأس القائمة، بقرابة نصف التفاعل على وسم "حماس إرهابية".
تلتها في ذلك المملكة المتحدة وكندا، وهما أيضًا دولتان حليفتان لإسرائيل تتحدثان اللغة الإنكليزية.
لكن اللافت في هذه القائمة، كان تصدر اسم الهند التي شهدت تفاعلًا لمساندة إسرائيل باللغة الإنكليزية بلغ 23%، وهي نسبة جاءت في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة.
ويرجع الهجوم الممنهج للجان الهندية على فلسطين إلى عوامل عدّة كالعلاقات القوية التي تربط الهند بإسرائيل، وتوافق توجّهات حكومات البلدين اليمينية، المتمثلة بحزب الليكود وحزب بهاراتيا جاناتا الهندي المعادي للمسلمين.
كما أنّ عملية "طوفان الأقصى" أثرت سلبًا على جهود أميركا وإسرائيل في مد خط تجاري من الهند إلى أوروبا عبر دول الخليج والأراضي المحتلة، لمنافسة خط الحرير الصيني.
أما طبيعة عمل اللجان الهندية، فقد كشفها تحقيق "العربي" الذي كشف تورط حسابات هندية بضخ مكثّف لعدد من الوسوم الداعمة لإسرائيل، أحدها قام بذلك تقريبًا 1940 مرة منذ بدء الحرب.
بينما عمد حساب آخر على تكرار تغريدة تتهم "حماس" بالإرهاب حوالي 1140 مرة، وذلك من أجل التأثير على النقاش العالمي باللغة الإنكليزية.
اللجان الإسرائيلية
بدورها، تعمل اللجان الإسرائيلية على ترويج سرديّتها باستخدام أساليب تمكنّ "العربي" من رصدها.
فعلى سبيل المثال هناك حساب إسرائيلي يحمل اسم "جوناثان"، قام بنشر عبارة محدّدة باللغة الإنكليزية على شكل ردود حوالي 2220 مرّة منذ السابع من أكتوبر.
بينما ردّد حساب آخر تحت اسم "نيسو" عبارة "حماس تساوي داعش" باللغة الإنكليزية، 930 مرّة في الفترة نفسها.
هذا وتعتمد اللجان الإسرائيلية أسلوبًا آخر لنشاط تلك الحسابات، عبر تضخيم التغريدات التي تتهم "حماس" بالإرهاب، عن طريق إعادة نشرها آلاف المرّات.
بالإضافة إلى مشاركة حسابات إسرائيلية ناطقة بالعربيّة، والتي حاولت من جهتها الترويج للوسوم باللغة العربية إلى جانب اللغة الإنكليزية.
دعم إعلامي وسياسي للادعاءات
من جهة ثانية، رصد "العربي" نشاطًا في عدة دولٍ حول العالم وكان مدعومًا بشكلٍ كبيرٍ أيضًا من قبل وكالات أنباء عالمية وغربية وشخصيات رسميّة.
وشاركت الصحافة العالميّة لا سيما الغربية منها هذه الوكالات والصحف، برواية "إرهاب حماس" من خلال عناوينها وتغطياتها للأحداث في قطاع غزة.
أما قائمة أبرز الشخصيات الرسمية المشاركة للرواية نفسها، فعلى رأسها رئيس الولايات المتحدة جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وبين النشطاء المشاركين في هذه الادعاءات، الممثلة الأميركية الكوميدية سارة سيلفرمان، ورجات شارما رئيس مجلة الإدارة ورئيس تحرير "إنديا تي في نيوز".
ملامح الحملة الإسرائيلية
وترسم كل الأدلة التي تتبّعها التحقيق الرقمي ملامح الحملة الإسرائيلية، فبأخذ عينة من النقاش الدائر حول جملة "إرهاب حماس" التي خرجت بها اللجان الوهمية، نجد أنه في يومين فقط كان هناك 35 ألف تغريدة، 80% منها كانت لإعادة التغريد، و15% كمعدّل للردود.
وسجلت التغريدات العادية عليها أقل من 1%، وهو مؤشر يدل على انخفاض التفاعل الحقيقي وتضخيم التفاعل الوهمي على وسائل التواصل الاجتماعي.
كل هذه الخيوط داخل إسرائيل وخارجها تشكل شبكة خفيّة يتفاعل القائمون عليها مع بعضهم البعض ويضخون الأكاذيب بشكلٍ منهجي، والهدف هو تضليل الرأي العام العالمي، ودعم البروباغندا الإسرائيلية التي تصف المقاومة المشروعة بالإرهاب.