واصلت إسرائيل اليوم الخميس قصفها لقطاع غزة، على الرغم من تكثيف الدعوات الدولية لها لتقليل الخسائر البشرية من المدنيين بسبب القصف، مع تزايد انتشار الأمراض الفتاكة بين السكان النازحين.
ويُواجه سكان قطاع غزة المحاصرون الذين نجوا حتى الآن من القصف والنيران الإسرائيلية قاتلًا صامتًا غير مرئي وهو المرض.
وأوضح أطباء فلسطينيون ومنظمات إغاثة أنّ الغالبية العظمى من السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة فروا من منازلهم، ما جعلهم عرضة لأمراض منها التهاب المعدة والأمعاء والالتهاب الكبدي الوبائي من النوع إيه.
وأشار عشرة من الأطباء وعمال الإغاثة لوكالة "رويترز"، إلى أنّ نقص الغذاء والمياه النظيفة والمأوى أدى إلى وقوع مئات الآلاف في براثن الإصابة بصدمات، ولم يعد هناك مفر من انتشار الأوبئة في القطاع مع انهيار النظام الصحي.
بدورها، قالت جولييت توما، مديرة التواصل والإعلام في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا": "ما يحدث هو أن الناس يفرون، ويضطرون إلى النزوح باستمرار، بعضهم نزحوا عدة مرات وكثير منهم ليس لديهم ما يحتاجونه من مستلزمات النظافة والكثير منهم لا يملكون ملابس شتوية".
وأضافت أنّ "الملاجئ مكتظة بسكان القطاع الذين يبحثون عن الأمان، حيث تتحمل أربعة أو خمسة أمثال سعتها، ومعظم الملاجئ غير مجهّزة بمراحيض أو أماكن للاستحمام أو مياه نظيفة".
بيئة مثالية للأوبئة
وبينما أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أنّ القطاع يُواجه الآن كارثة صحية عامة بسبب انهيار نظامه الصحي وانتشار الأمراض، قالت منسقة الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة لين هاستينجز: "إنّها بيئة مثالية للأوبئة وكارثة صحية عامة".
وأظهرت بيانات من منظمة الصحة العالمية ارتفاع أعداد حالات الإصابة بالإسهال لدى الأطفال دون سن الخامسة في الفترة من 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إلى العاشر من ديسمبر/ كانون الأول 66% لتصل إلى 59895 حالة، وزادت 55% بين بقية الفئات من السكان في نفس الفترة.
وقالت الوكالة التابعة للأمم المتحدة: إن الأرقام غير مكتملة حتمًا نظرًا لانهيار جميع الأنظمة والخدمات في غزة بسبب الحرب.
وفي هذا السياق، قال رئيس قسم الأطفال في مستشفى ناصر بخانيونس بجنوب غزة أحمد الفرا لـ"رويترز": إنّ القسم مكتظ بالأطفال المصابين بالجفاف الحاد الذي يؤدي إلى الفشل الكلوي في بعض الحالات، فيما تفاقم عدد حالات الإصابة بالإسهال الحاد إلى أربعة أمثال العدد المعتاد.
وأضاف أنه علِم بوجود 15 إلى 30 حالة إصابة بالتهاب الكبد الوبائي إيه في خانيونس خلال الأسبوعين الماضيين، موضحًا أن "فترة حضانة الفيروس تتراوح من ثلاثة أسابيع إلى شهر، لذلك بعد شهر ستكون هناك قفزة في عدد حالات التهاب الكبد الوبائي إيه".
غير قادرون على دعم مواجهة الأوبئة
وأجبرت قوات الاحتلال منظمة "أطباء بلا حدود" في غزة على مغادرة مركزًا للصحة في خانيونس قبل عشرة أيام بحجة أنّ المنطقة كانت ضمن أوامر الإخلاء الإسرائيلية. وكانت المنظمة تتولّى علاج حالات التهابات الجهاز التنفسي والإسهال والأمراض الجلدية في المركز.
وفي هذا الإطار، قالت ماري أور بيريوت منسقة الطوارئ الطبية لعمليات المنظمة: إنّ "وباء يُشبه الزحار سوف ينتشر في أنحاء غزة إذا واصلنا هذه الوتيرة من الحالات، كما أنّ لا وزارة الصحة ولا المنظمات الإنسانية ستكون قادرة على دعم مواجهة تلك الأوبئة".
كما أكد ثلاثة خبراء أنّ أمراضًا مثل الزحار والإسهال المائي يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى وفاة عدد من الأطفال يماثل ما قتلته عمليات القصف الإسرائيلية حتى الآن.
وحذّرت وزارة الصحة في قطاع غزة أمس الأربعاء، من أنّ إمداداتها من لقاحات الأطفال نفدت.
وتتتبّع الأمم المتحدة حالات إصابة بنحو 14 مرضًا لها "إمكانية التحوّل لأوبئة"، وينصبّ قلقها على ارتفاع معدلات الإصابة بشكل حاد بأمراض منها الدوسنتاريا والإسهال والالتهابات التنفسية الحادة، وفقًا لقائمة تستخدمها الأمم المتحدة حاليًا لمتابعة الوضع في قطاع غزة.
وقال الدكتور بول شبيغل مدير مركز الصحة الإنسانية في كلية جون هوبكنز بلومبرغ للصحة العامة الموجود في القاهرة، ويعمل ضمن فريق استجابة الأمم المتحدة: إن تفشيّ الإسهال يمكن أن يحدث في وقت قريب جدًا مثل الغد ما لم يتم السماح للعديد من شاحنات المساعدات بالدخول وتوفير مياه نظيفة.
وقال شبيغل: "يموت السكان من سوء التغذية الحاد والذي يسمى الهزال، ويكونون أكثر عرضة بكثير لأمراض أخرى".
والإثنين، قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة: إنّ 83% من النازحين إلى جنوب قطاع غزة لا يحصلون على ما يكفي من الغذاء.
مياه غير صالحة للاستهلاك الآدمي
وقال عاملون في مجال الإغاثة: إنّ مياه الشرب والاستحمام يجب أن تكون متاحة بمستويات الحد الأدنى وفقًا لمعايير أوضاع الطوارئ الإنسانية، كما يجب أن تدخل إلى قطاع غزة كميات أكبر بكثير من الأغذية والأدوية وتقديم ممرات آمنة لقوافل المساعدات الإنسانية لإيصالها.
وقال أطباء في مستشفى أبو يوسف النجار في رفح لوكالة "رويترز"، إنّهم يتعاملون مع عدد يفوق طاقتهم من مئات المرضى المحتاجين لعلاج من التهابات وأمراض معدية بسبب الأوضاع المتردية في الملاجئ المكتظة.
وحذّر مدير مستشفى الكويت التخصصي الدكتور جمال الهمص من "انتشار بؤر تفش لكل الأمراض المعدية في رفح".
وأكد الفرا رئيس قسم طب الأطفال في مستشفى ناصر في خانيونس أنّ "الأطفال يشربون مياهًا غير صالحة للاستهلاك الآدمي، ليست هناك فاكهة أو خضروات، وبالتالي لدى الأطفال نقص في الفيتامينات إضافة إلى الأنيميا من سوء التغذية".
وأشار أطباء وعاملون في مجال الإغاثة إلى أنّ "الرضع يعانون من الجوع أيضًا في ظل غياب المياه النظيفة لخلط ألبان الرضع بها".