بدأت تتكشف آثار الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، وحجم الخسائر الهائل في الأرواح والممتلكات لا سيما في الشمال السوري، وذلك بعد مرور أكثر من أسبوعين على الكارثة.
فقد فاقمت الزلازل من الأوضاع الصعبة التي تعيشها منطقة شمال سوريا بالأصل منذ 12 عامًا.
وبحسب مسؤولي الدفاع المدني السوري كان لغياب المعايير الهندسية لعمليات البناء العشوائي الذي انتشر في ظل غياب أي رقابة فنية في السنوات الماضية، وتهالك الأبنية التي تعرضت لقصف قوات النظام السوري، دورًا في حجم الدمار الكبير وارتفاع عدد القتلى والجرحى في تلك المناطق.
كما أن تعقّد الوضع السياسي في البلاد، وتباين مناطق النفوذ بين أطراف الصراع السوري حال دون انسياب المساعدات من خارج الحدود، هذا فضلًا عن تأخر الاستجابة الأممية لعدّة أيام مما اضطر أسرًا تقدّر بالآلاف للمبيت في العراء دون غذاء أم دواء.
استجابة متأخّرة
وفور وقوع الكارثة الطبيعية، أعلنت الأمم المتحدة تخصيص منحة عاجلة بقيمة 25 مليون دولار لتعزيز الاستجابة الإنسانية الطارئة للزلازل التي ضربت جنوبي تركيا، وشمالي سوريا.
كما قام مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، بتنسيق نشر فرق الطوارئ الأممية لتقديم الدعم لجهود البحث والإنقاذ، لكن الدعم تأخّر في الدخول إلى المناطق المنكوبة في الشمال السوري.
فلم تعبر أول قافلة مساعدات إنسانية حتى التاسع من فبراير/ شباط الجاري، أي بعد انتظار دام 3 أيام بسبب تضرر الطرق الرئيسة وفق مسؤولين أمميين، فيما كانت القافلة مكوّنة من 6 شاحنات فقط.
والجدير بالذكر، أن بعض هذه المساعدات دخل عبر معبر "باب السلامة" لأول مرة منذ توقّفه عام 2020، بعد تعديل آلية إيصال المساعدات عبر الحدود إلى سوريا.
وعبرت القافلة الثانية باليوم التالي، وكانت مؤلفة من 14 شاحنة تابعة للمنظمة الدولية للهجرة، تلتها قافلة ثالثة في 11 فبراير مؤلفة من 22 شاحنة محمّلة بمواد الإغاثة.
لكن استجابة الأمم المتحدة لهذه الكارثة، كانت موضع تساؤل وانتقاد نظرًا لتأخرها في الوصول إلى المنكوبين في مناطق الزلزال، كما أن نشطاء ميدانيين أكّدوا على أن الشحنة اقتصرت على مواد غذائية وطبية ومواد تنظيف، ما دفعهم للتشكيك في أن تكون الشحنة أصلًا مخصصة لضحايا الزلزال.
العرقلة البيروقراطية
أما أعمال البحث والإنقاذ لانتشال الضحايا، فقد اقتصرت على الأدوات البسيطة التي لا ترقى لحجم الكارثة، بحسب العاملين في فرق البحث والإنقاذ.
واللافت أن الأمم المتحدة لم تفعّل فرقها المنظمة للبحث بالسرعة القصوى، ولم تطلق نداء استغاثة لمناطق شمال غرب سوريا على غرار المناطق الأخرى التي ضربها الزلزال، ما يحمّلها جزءًا كبيرًا من المسؤولية في تفاقم أعداد الضحايا ومعاناتهم وفقدان الآلاف لأرواحهم ممن كان يمكن إنقاذهم في الوقت المناسب.
من جانبها، قدّرت منظمة "اليونسيف" عدد الأطفال المتأثرين بالزلازل في الشمال السوري بأكثر من 2.5 مليون طفل، حيث تواجه الأسر هناك مشقات لا يمكن تصوّرها، بحسب تعبير كاثرين روسيل المديرة التنفيذية "لليونسيف".
فهناك عائلات كاملة تعيش في أوضاع بالغة البؤس، ومراكز إيواء مؤقتة تفتقر للتجهيزات المناسبة لمقاومة ظروف البرد الشديد.
ويؤكد مسؤولون في منظمات إغاثية، أن الاحتياجات الطارئة لمنكوبي الزلازل لم تعد تحتمل إجراءات التقييم والدخول في ماكينة البيروقراطية، التي تعتمدها أجهزة ومؤسسات المنظمات الدولية المعنية بالاستجابة للكوارث الطبيعية.
لذلك يطالب هؤلاء، بمراجعة هذه الآليات تحسبًا لكوارث جديدة قد تضرب أية منطقة وفي أي وقت.
"تقييم سلبي"
متابعةً لهذا الملف، يقدّم منير المصطفى نائب مدير الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) تقييمًا سلبيًا لاستجابة الأمم المتحدة للزلزال في الشمالي السوري من ناحية السرعة في إرسال فرق بحث وإنقاذ، واصفًا إياها بأنها "سيئة للغاية".
وذلك كون دعم عمليات البحث والإنقاذ يحتاج إلى سرعة في الوصول إلى الأماكن المتضررة، لكن لم يصل أي دعم لفرق البحث والإنقاذ السورية بآليات أو معدات خلال "الوقت الذهبي" للعثور على ناجين أي في الساعات الـ 72 الأولى، وحتى خلال الـ 5 أيام الأولى، وفق المصطفى.
كما يتطرق نائب مدير الدفاع المدني السوري في حديثه مع "العربي"، إلى مدى الاستجابة الأممية من خلال المساعدات الإغاثية للمتضررين من الزلازل، إذ شدد على أنها كانت غائبة في الأيام الـ 5 الأولى لوقوع الكارثة الإنسانية.
ويضيف من إدلب: "في اليوم السادس كان هناك دخول لـ 6 شاحنات مساعدات كانت للأسف مخططة للدخول إلى شمال غرب سوريا مسبقًا قبل وقوع الزلزال، وبالتالي لا يمكن أن تعدّ استجابة حقيقية".
ويلحظ المصطفى، أنه بعد ذلك بدأت المساعدات تدخل إلى الشمال السوري بنمط بطيء مقارنة بحجم الكارثة، إلى جانب البطء في وصول هذه الإغاثات إلى مستحقيها.
ويردف المسؤول في "الخوذ البيضاء": "بعد 18 يومًا من وقوع الزلزال المدمّر.. هناك من يبيت في العراء ويحتاجون لسرعة وصول المساعدات الإنسانية".
كارثة جديدة تلوح في الأفق
من جهة ثانية، يلفت المصطفى إلى أنه لا تفسيرات واضحة بالنسبة إليهم عن أسباب التأخر والتقاعس الأممي في الاستجابة للكارثة في الشمال السوري.
كذلك، يتساءل نائب مدير الدفاع المدني السوري: "فرضًا أنه ليس هناك آليات للإنقاذ، فهل أيضًا لا توجد إمكانية للسرعة في إيصال المساعدات للمتضررين؟".
ويحّذر المصطفى من كارثة أخرى تلوح في الأفق، قد تحصد ضحايا تساوي عدد من فقدوا خلال الزلزال، وهي كارثة لها علاقة بتردي الأوضاع الصحية، وذلك بعد انهيار المنظومة الصحية في الشمال السوري، والتي كانت أصلًا تعمل بالحد الأدنى قبل الزلزال، بحسب تعبيره.
فقد تضرر عدد كبير من المستشفيات والمراكز الطبية، في ظل اكتظاظها بالعدد الكبير من المصابين. فضلًا عن تجمع مئات العوائل في خيم ضيقة وأماكن مغلقة ما قد يهدد بانتشار الأوبئة والأمراض.