سعى شلومو ساند في كتابه "اختراع الشعب اليهودي" إلى برهنة أن كل الأسس التي تقوم عليها سردية إسرائيل حول أحقيتها التاريخية في فلسطين، قد تمت صياغتها في القرن التاسع عشر، حين جرى تجميع شظايا ذاكرة يهودية مسيحية على أيدي علماء آثار وتوراتيين وضباط بريطانيين في سلاح الهندسة الملكي.
وعام 1863، لبى الضابط تشارلز ولسون وفريقه الهندسي، دعوة السلطنة العثمانية لحل أزمة الصرف الصحي في القدس بعد عجزها عن حلها.
إلا أن ولسون انتهز الفرصة وبدأ برسم الخرائط للمدينة، وباشر التنقيب في أولى الحفريات المقامة في منطقة الحرم القدسي عام 1867 عن آثار وثيقة الصلة بالتاريخ التوراتي.
وكتب في إحدى تقاريره أنه ما زال هناك الكثير لإنجازه في خريطة المنطقة الواقعة بين القدس والأردن، ولا سيما الطرق التي عبرتها تحركات الشعب اليهودي قبل 2000 عام.
بعثات أثرية وهندسية
وفي بداية القرن الـ20، ترأس ولسون صندوق استكشاف فلسطين، المؤسسة التي حملت على عاتقها منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر مهمة إثبات الحق اليهودي في فلسطين.
فتوالت البعثات الهندسية والأثرية، وصدرت عشرات الكتب ورسمت مئات الخرائط التي استبدلت فيها أسماء القرى والمدن الفلسطينية بأخرى توراتية، حيث ساهمت كل تلك الأعمال والمسوحات الجغرافية بإقامة تصور لوطن مزعوم لليهود في فلسطين.
هل هرب العرب حقا من أراضيهم في حرب النكبة؟ وثائق حامية #يافا تكشف الأحداث الحقيقية.. تابعوا الجزء الثاني من #أرشيف_النكبة عبر الرابط التالي: https://t.co/64Kx4TQ5Qg #75_ولم_ننس #فلسطين @zomareen @bshalash pic.twitter.com/MWQaB3LMBl
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) May 31, 2023
إلى جانب ذلك، برزت الجهود السياسية الأوروبية في تثبيت هذا التصور، واستفادت إسرائيل بعد قيامها عام 1948 من هذا الجهد المتراكم لاستكمال أعمالها في البحث والتنقيب، تحت كل حجر في فلسطين، واستبدال أسماء المدن والبلدات والشوارع العربية بأخرى يهودية توراتية.
وهكذا استخدم التاريخ، وفق المؤرخ نظمي الجعبة في كتابه "حارة اليهود وحارة المغاربة في القدس القديمة"، كمسوغ لعملية الاحتلال الاستعماري الأخيرة الباقية في العالم اليوم.
ممارسات استعمارية
في هذا السياق، يرى الآثاري والمؤرخ محمد مرقطن أن "النص الديني التوراتي هو الأساس في الرواية الصهيونية، وهو يستخدم بطريقة خاطئة من قبل إسرائيل لتحليل التاريخ".
ويشدد مرقطن، في حديث من استديوهات "العربي" في لوسيل، على أن "الحفريات الأثرية التي تفسّر عبر علم الآثار التوراتي، هي ممارسات استعمارية بامتياز".
ويقول: "تترجم اللغة الأثرية وفق الأيديولوجية الصهيونية، لذا تعتبر من الأسس والشواهد لتأسيس سردية صهيونية".
ويضيف: "علينا التفريق بين مجموعة بشرية عاشت في أماكن محددة وفترات تاريخية محددة في فلسطين، وبين الدولة العبرية الحالية التي جمعت عناصرها من شتات حول العالم".
تكذيب الروايات التاريخية
من جهته، يعتبر المؤرخ وأستاذ التاريخ والآثار في جامعة بيرزيت نظمي الجعبة أن "علم الآثار يُسيّس اليوم لإيجاد علاقة للصهاينة بفلسطين".
ويؤكد الجعبة، في حديث من استديوهات "العربي" في لوسيل، أن "استخدام الرواية التوراتية كحق تاريخي هو هراء كبير، وهي كذبة لا تستخدم في أي مكان في العالم سوى على أرضنا".
ويرى أن "المسألة لا تتعلق بحق اليهود، بل بمبدأ القوة الغربية التي ألبسوها روايات تاريخية لا وجود لها".
ويقول: "غالبية علماء الآثار الإسرائيليين أوقفوا استخدام الروايات التوراتية باستثناء السلطة الحاكمة حاليًا".