قرّرت دول غربية فرض عقوبات اقتصادية على روسيا ردًا على قرارها الاعتراف باستقلال إقليمين انفصاليين شرقي أوكرانيا.
وتقول موسكو وتكرر أنها لن تقبل بأي حوار لا يضمن مصالحها وأمنها وتواصل اتخاذ خطوات في إقليمَي لوغانسك ودونيتسك، رغم العقوبات بحقها.
وتتوعد الخارجية الروسية برد "محسوب" و"قوي" على العقوبات الاقتصادية الغربية ضدها.
"عقوبات قاسية ومنسقة"
يظن الأميركيون وحلفاؤهم أن سلاح العقوبات سيوجع ويردع الروس هذه المرة، بما يكفي ليغيروا سلوكهم العسكري.
فبعدما اتخذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قراره الأول في موسكو الاعتراف بالإقليمين الانفصاليين، بدأ يُنفذ في أكثر من عاصمة غربية التهديد الأول أيضًا، وما أسماه الرئيس الأميركي جو بايدن بالعقوبات القاسية والمنسقة بين كل الحلفاء.
وأشهر في برلين من كانوا رعاة الوساطة بين كييف وموسكو، وهم الفرنسيون والألمان، ورقة العقوبات من حجم تعليق مشروع خط الغاز "نورد ستريم2".
أما في العاصمة البريطانية، فأعلن رئيس الوزراء بوريس جونسون عقوباته، وتوعد أن أخرى ستُفرض بالتدريج.
رد بعض النواب البريطانيين بأنه ما عاد هناك متسع من الوقت، مطالبين بعقوبات صارمة وعاجلة، وسأل آخرون ومعهم كثر: لِم يتردد الغرب ويتدرج في العقاب، وهل العقوبات كافية الآن لردع الروس وهم على أبواب أوكرانيا؟.
بدورهم الروس، خبروا في أكثر من مناسبة عقاب خصومهم، والتفوا عليه وحضروا البدائل. وأكثر ما يُخشى الآن أن يملأ تلك المساحات الاقتصادية الفارغة الصينيون.
وفي كييف، يريد المسؤولون الأوكرانيون عقوبات تمنع عنهم الحرب، لكنهم أيضًا لا يعوّلون على ذلك. لذا أُعلنت حالة الطوارئ وسيسلح من يستطيع من المدنيين، فقد يترك هؤلاء في الأيام القادمة ليواجهوا مصيرهم.
"رد فعل واشنطن والحلفاء ملائم"
تعليقًا على التطورات، يشير نائب وزير الدفاع الأميركي السابق مايكل مولروي إلى أن رد فعل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها كان ملائمًا، بهدف الضغط على روسيا ووقف التحركات الروسية ضد بلد مستقل ذي سيادة.
ويقول في حديث إلى "العربي" من مونتانا: "لكن من المؤسف أن كل هذه الإجراءات لم تفلح إلى الآن"، آملًا ألا تمضي موسكو في عملية غزو كاملة النطاق.
ويلفت إلى أن بايدن كان قد حذر من أنه في حال وقوع ذلك ستكون هناك حزمة عقوبات أقسى.
ويشير إلى أنه من خلال الخطأ في الحسابات وحشد كل تلك القوات، فإن موسكو هي التي خلقت كل هذه المشاكل التي تقلقها اليوم.
وبينما يقول إنه يستبعد عملية اجتياح شامل، يشدد على "أننا سنضع الحلول اللازمة إذا ما وقع ذلك".
ويعتبر أن "الناتو سيغدو حينها أكثر انخراطًا وقوة ونرى دولًا أخرى تنضم إلى الناتو، وستُرسل مئات الأطنان من الأسلحة من أجل دعم أوكرانيا والتصدي لإجراءات فلاديمير بوتين.
"موسكو تريد أن تبدأ الحوار"
بدوره، يلفت الباحث السياسي ديمتري بابيتش إلى أن "موسكو تريد أن تبدأ الحوار، وهي بحاجة بالدرجة الأولى لضمانات أمنية من طرف الغرب وعدم توسع الناتو نحو أوكرانيا وعدم نشر أسلحة خطيرة على الأراضي الأوكرانية".
ويرى في حديثه إلى "العربي" من موسكو، أن "روسيا إن أرادت احتلال كامل أوكرانيا لما قامت بالاعتراف بالجمهوريتين الانفصاليتين".
وفيما يقول: "إن هاتين الجمهوريتين هما 3% من المساحة الأوكرانية"، يشدد على أن "رواية أن روسيا تريد احتلال كييف وكل أوكرانيا كذب، وأمر يبدو غير منطقي أبدًا بالنسبة لروسيا".
ويتحدث عن "هجوم على لوغانسك ودونيتسك، حيث يموت الكثيرين فيهما في الأيام الأخيرة، وكذلك استقبلت روسيا أكثر من مئة ألف لاجئ منهما"، مشيرًا إلى "استفزاز من الطرف الأوكراني للطرف الروسي لكي تقوم موسكو بحماية هاتين الجمهوريتين وإدخال القوات العسكرية على الأقل إليهما".
ويردف: "فور دخول القوات الروسية إليهما سيقول بايدن أرأيتم روسيا دخلت الأراضي الأوكرانية وبدأت العدوان، لذا علينا فرض العقوبات"، معتبرًا أن "هاتين الجمهوريتين هما الآن أصلًا تحت سيطرة روسيا".
ماذا تخفي موسكو؟
من ناحيتها، ترى الصحافية والباحثة في مركز جينيف بريجيت ويتزل أن السؤال الأكبر هو ما هي نية روسيا، وما الذي ينوي بوتين فعله بما يزيد عن 130 ألف من القوات التي تطوق أوكرانيا.
وتشدد في حديثها إلى "العربي" من برلين، على أن الشروط التي وضعتها موسكو على الطاولة لم تكن تتعلق بمسألة أن تكون أوكرانيا عضوًا في الناتو.
وتشرح أن "المسألة لا تتعلق فعلًا بالناتو، بل ثمة أمر آخر تخفيه أو تنكره روسيا"، لافتة إلى أن الأساسي بالنسبة لألمانيا "هو كيف يمكن الرد على الاستفزازات والوقائع التي تجري على الأرض، والتي تتجاوز حدود أوكرانيا المعترف بها دوليًا، وهذا أمر غير مقبول".
وفيما تلفت إلى أن الصراع مستمر منذ عام 2014، توضح أنه كان صعبًا بما يكفي فيما يخص تعامل حكومة ألمانيا معه.
وتشرح أن ألمانيا لا يمكنها من جانب أن تقبل انتهاك حقوق دولة معترف بها دوليًا، ومن جانب آخر عليها أن تستورد كميات مهولة من الغاز. لذا فإنها تتوخى الحذر في اتخاذ القرار الذي ربما يكون معاديًا أو مستفزًا لموسكو. ولذا فإن ألمانيا عالقة في هذا الصراع.
وتتدارك: "لكن الآن في ضوء الحشود الهائلة في محيط أوكرانيا، فإن لألمانيا موقف حازم إلى جانب الحلفاء الغربيين، حيث يقولون إنه من غير المقبول لهذه القوات الدخول إلى أوكرانيا، وكذلك من غير المقبول أن يُعترف باستقلال منطقتي دونيتسك ولوغانسك".