بعد توقف استمر لأشهر، التقت الدول الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني في فيينا من أجل محاولة إحياء الاتفاق، ووقف الإجراءات الإيرانية المتخذة في هذا المجال.
وجرت المحادثات تحت إشراف منسق الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا، المكلف بالتنسيق مع الوفد الأميركي الذي لا يشارك مباشرة في المفاوضات.
ورغم تحقيق تقدم في المفاوضات تبقى نقاط خلافية بين الأطراف تحول دون التوصل إلى اتفاق نهائي، ولعل أبرزها يتمثل في شطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب ورفع العقوبات عليه، إذ إن واشنطن ترفض سحب الحرس من قائمة المنظمات الإرهابية في إطار هذه المفاوضات، في حين تطالب طهران أيضًا بضمانات في حال عاد الرئيس الأميركي جو بادين عن تعهداته، فضلًا عن إغلاق تحقيق للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة.
وفي جديد التطورات في هذا الملف، ذكرت وكالة "إيرنا" الرسمية على لسان النائب ولي إسماعيلي أن البرلمان الإيراني منح الفريق المفاوض النووي تفويضًا تامًا، وبالتالي لا حاجة لمصادقة البرلمان على الاتفاق مع الطرف الآخر.
وكشفت مصادر عن إحراز تقدم بشأن دفع تعويضات لطهران إذا ألغي الاتفاق النووي، في وقت نفى مسؤول إيراني اشتراط شطب الحرس الثوري من قائمة الإرهاب.
وتسبب الحرس الثوري بتعقيد وتوتير أجواء المحادثات النووي، بعد أن أعلن مسؤوليته في مارس/ آذار الماضي عن هجوم صاروخي من إيران على شمال العراق، استهدف ما قال إنه مجمع إسرائيلي.
"الحرس الثوري الإيراني"
وتأسس الحرس الثوري الإيراني في أعقاب الثورة الإيرانية 1979 بقرار من المرشد الإمام الخميني، وذلك بهدف حماية النظام الناشئ، وخلق نوع من توازن القوى مع القوات المسلحة النظامية.
ويقدر عدد أفراد الحرس الثوري بنحو 125 ألف عنصر ولديه قوات برية بالإضافة إلى الوحدات البحرية والجوية، ويشرف على أسلحة إيران الإستراتيجية.
ويقود الحرس الثوري حاليًا حسين سلامي بعد أن أقال المرشد علي خامنئي قائد الحرس السابق محمد علي جعفري.
ويعد فيلق القدس أحد أذرع الحرس الثوري، ويتولى تنفيذ مهام حساسة في الخارج مثل تقديم الأسلحة والتدريبات للجماعات المقربة من إيران، ويُعتقد أن الحرس يسيطر على حوالي ثلث الاقتصاد الإيراني من خلال تحكمه بالعديد من المؤسسات والصناديق الخيرية والشركات التي تعمل في مختلف المجالات، وهو ثالث أغنى مؤسسة في إيران بعد كل من مؤسسة النفط ووقف الإمام الرضا.
ويسيطر الحرس الثوري على مؤسسة "خاتم الأنبياء"، وهي مؤسسة تدير شركات تتعلق بالطرق والإعمار المدني والنفط وشركات الاتصالات.
ووفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن الموازنة المخصصة للحرس الثوري عام 2022 تبلغ نحو 22 مليار دولار أميركي.
عوامل دفعت نحو التفاؤل الحذر
وفي هذا الإطار، يرى الأكاديمي المتخصص في تاريخ إيران المعاصر والشرق الأوسط في جامعة قطر، محجوب الزويري أن هناك 3 عوامل أساسية دفعت نحو حالة التفاؤل الحذر خلال الأيام القليلة الماضية، وهي الأزمة السياسية التي تعيشها معظم الدول المنخرطة في التفاوض خاصة أن هناك ضغوطًا اقتصادية وسياسية تهدف إلى الوصول إلى نتيجة فيما يتعلق بمفاوضات الملف النووي.
أما العامل الثاني فيتعلق بالمشهد السياسي في الولايات المتحدة الأميركية فيما يتعلق بالانتخابات النصفية والإدارة الجديدة، وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.
وبحسب الزويري، فالعامل الثالث يتعلق بإيران نفسها، حيث إن هناك ضغوطًا اقتصادية كبيرة عليها، وحالة من الإحراج للمؤسسة السياسية الإيرانية، في ظل مطالبات بإخراج المجتمع من أزمته الاقتصادية الشديدة.
وفي حديث إلى "العربي" من العاصمة القطرية الدوحة، يشير الزويري إلى تقديم تنازلات من كلا الطرفين من أجل التوصل إلى اتفاق، حيث غاب الحديث عن الدور الإقليمي لإيران أو النظام الصاروخي لطهران، لافتًا إلى أن "الجمهورية الإسلامية الآن في موقف حرج أمام الوكالة الدولية وعليها أن تقدم الكثير من الإفادات والتوضيحات حتى لا يستفاد من التقارير الدورية للوكالة للدخول في أزمة جديدة بالاتفاق".
ويضيف الزويري أن واشنطن أعطت رسالة واضحة للمجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي ووسطاء آخرين أن هناك عقوبات مرتبطة بالبرنامج النووي سيتم رفعها تدريجيًا، وعقوبات غير مرتبطة بهذا البرنامج لا يمكن المساس بها، ومنها ما يتعلق بالحرس الثوري الإيراني.
ويوضح الزويري أن هناك من يرحب بالعودة إلى الاتفاق النووي من منظور إعادة الأمن والهدوء والاستقرار إلى المنطقة في ظل الأزمات المتصاعدة، في حين أن هناك من يرى قلقًا من أن العودة قد تدفع إيران إلى لعب أدوار سلبية في المنطقة العربية.
ويشير الزويري إلى أن إسرائيل في وموقف حرج، لأنها ترى أن الاتفاق قريب وقد يعطي إيران على الأقل نوعًا من الهيبة في المنطقة، لافتًا إلى أن تل أبيب ستستمر في المواجهة مع طهران في سوريا وستواصل المواجهة الاستخباراتية السيبرانية مع إيران واستهداف برنامجها النووي، ولن تقف عند الاتفاق.
وأتاح اتفاق العام 2015 بين طهران وست قوى دولية كبرى، رفع عقوبات عن الجمهورية الإسلامية لقاء خفض أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها. إلا أن الولايات المتحدة انسحبت أحاديًا منه خلال عهد رئيسها السابق دونالد ترمب، معيدة فرض عقوبات قاسية على إيران التي ردت ببدء التراجع تدريجًا عن غالبية التزاماتها.
وبدأت إيران والقوى التي لا تزال منضوية في الاتفاق (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، روسيا، الصين) مباحثات لإحياء الاتفاق في أبريل/ نيسان 2021، تم تعليقها مرة أولى في يونيو/ حزيران من العام ذاته. وبعد استئنافها في نوفمبر/تشرين الثاني، علّقت مجددًا منذ منتصف مارس/ آذار مع تبقي نقاط تباين بين واشنطن وطهران، رغم تحقيق تقدم كبير في سبيل إنجاز التفاهم.
وأجرى الطرفان بتنسيق من الاتحاد الأوروبي مباحثات غير مباشرة ليومين في الدوحة أواخر يونيو/ حزيران، لم تفضِ إلى تحقيق تقدم يذكر. وفي الرابع من أغسطس/ آب، استؤنفت المباحثات في فيينا بمشاركة من الولايات المتحدة بشكل غير مباشر.
وبعد أربعة أيام من التفاوض، أكد الاتحاد الأوروبي أنه طرح على طهران وواشنطن صيغة تسوية "نهائية" وينتظر ردهما "سريعًا" عليها.