فشلت الجهود الدبلوماسية المبذولة لنزع فتيل الأزمة الأوكرانية في تخفيف التوتر أمس السبت، مع تأكيد البيت الأبيض أن روسيا ستواجه "كلفة باهظة وفورية" إذا غزت جارتها.
من جهته، ندد الكرملين بتصريحات الدول الغربية حول غزو روسي وشيك لأوكرانيا، معتبرًا أنها "تكهنات استفزازية" يمكن أن تقود إلى نزاع في الدولة السوفياتية السابقة.
الخطر "بات وشيكًا"
وقال وزير الخارجية الأميريكي أنتوني بلينكن أمس السبت: إن احتمال قيام روسيا بعمل عسكري في أوكرانيا "بات وشيكًا وكبيرًا" بما يكفي لتبرير مغادرة الكثير من الموظفين في السفارة الأميركية في العاصمة الأوكرانية، وهو ما أعلنته وزارة الخارجية الأميركية في وقت سابق.
وأضاف بلينكن في مؤتمر صحافي في هونولولو: "أصدرنا أوامر برحيل معظم الأميركيين الذين ما زالوا في السفارة الأميركية في كييف. احتمال قيام روسيا بعمل عسكري ضد أوكرانيا أصبح كبيرًا بما يكفي والخطر بات وشيكًا للدرجة التي تقتضي معها الحكمة القيام بهذا الشيء".
وصدرت أوامر لمعظم موظفي السفارة بمغادرة أوكرانيا على الفور بسبب الخطر من حدوث غزو روسي، وتقول وزارة الخارجية الأميركية إن الوضع يبدو أنه يتجه على نحو متزايد إلى "نوع من الصراع النشط". وكانت الوزارة قد طالبت في وقت سابق مواطني الولايات المتحدة بمغادرة أوكرانيا على الفور.
وتقول واشنطن إن حشد روسيا لأكثر من 100 ألف جندي على الحدود مع أوكرانيا ينذر بغزو وشيك، وزادت من تحذيراتها في الأيام الأخيرة.
وفي تصريحات بعد اجتماعه مع نظيريه الياباني والكوري الجنوبي، قال بلينكن: "إن المسار الدبلوماسي مع روسيا بشأن أوكرانيا لا يزال قائمًا، وإن السبيل للمضي فيه هو أن تعمل موسكو على تهدئة الأوضاع".
"أهلا بكم في الجحيم"
وخاطب رئيس الأركان الأوكراني الفريق فاليري زالوجني، أمس السبت، القوات الروسية المنتشرة على حدود بلاده بالقول: "أهلا بكم في الجحيم". وجاء ذلك في بيان مشترك لزالوجني ووزير الدفاع الأوكراني أولكسي رزنيكوف، نُشر على موقع وزارة الدفاع الأوكرانية، وسط تصاعد التوترات على الحدود مع روسيا.
وأكّد زالوجني أن القوات المسلحة الأوكرانية "مستعدة للرد"، وأنهم يعملون باستمرار على تحسين القدرات الدفاعية وتماسك الوحدات والمهارات العسكرية. وقال: "إن 420 ألف جندي أوكراني، بما فيهم القادة، مستعدون للموت".
وأضاف: "لقد أنشأنا تشكيلات قتالية، وتمكنا من نشر قوات الدفاع الإقليمية في وقت قصير وتسليحها بصواريخ موجة مضادة للدبابات ونظام الدفاع الجوي المحمول". وتابع: "لقد عززنا الدفاع عن كييف".
دعم "غير مسبوق"
من جانبه، قال وزير الدفاع الأوكراني أولكسي رزنيكوف: إن الوضع الآن "مختلف تمامًا"، و"لن يكون هناك تكرار لعام 2014"، وإن المعتدي "لن يستولي على كييف أو أوديسا أو خاركيف أو أي مدينة أخرى".
وأشار ريزنيكوف أيضًا إلى أن أوكرانيا تتمتع اليوم بدعم "غير مسبوق" من الشركاء الدوليين، مؤكدًا استلام أوكرانيا ما يقرب من ألفي طن من الأسلحة الحديثة والذخيرة من مختلف البلدان.
ووصف ادعاءات موسكو بتخطيط كييف لمهاجمة روسيا بـ"السخيف"، مؤكداً أن أوكرانيا "لن تهاجم أحداً"، لكنها تبذل قصارى جهدها "لتعزيز الدفاع والقضاء على إمكانية التصعيد".
وشدّد على أن أوكرانيا تخطط "لاتباع المسار السياسي الدبلوماسي"، الذي من خلاله رفع الكرملين حصاره "الوقح" على "آزوف"، حسب البيان.
انتهاك دولي
من جهته، اعتبر الباحث في مركز التقدم الأميركي، لورنس كورب أن غزو دولة لدولة أخرى قائمة بشكل خاص؛ هو انتهاك دولي وانتهاك لمبادئ حلف شمال الأطلسي الذي له الحق في الدفاع عن نفسه.
وقال في حديث إلى "العربي" من واشنطن: "إذا قامت روسيا بغزو أوكرانيا فربما تغزو بولندا أو أي دولة أخرى، فلهذا تدافع الأمم المتحدة عن مبادئ الناتو".
واعتبر أن الاتصالات الأخيرة التي جرت بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبين الأخير والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني؛ هي محاولة أخيرة للوصول إلى حل دبلوماسي.
واعتبر أن بوتين في المقابل هو من قام بحشد القوات والعتاد العسكري على الحدود مع أوكرانيا. وأضاف: "علينا أن نتذكر أنه قام بغزو أوكرانيا عام 2014 ولم نفعل أي شيء حيال ذلك على الإطلاق، لذلك فإن التصعيد يأتي من روسيا وكان علينا أن نقول لهم إن الثمن سيكون باهظًا إذا فعلت هذا مرة أخرى".
عقوبات اقتصادية
وأشار إلى أن العقوبات الاقتصادية ضد موسكو ستكون قوية هذه المرة حيث سيتم منعها من استخدام نظام الـ"سويفت"، وسيكون لذلك تأثير قوي.
وقال: "الموضوع لا يتعلّق بالولايات المتحدة وحدها هذه المرة بل بالدول الغربية جميعها، ولن يدهشني أن تنضم اليابان وأستراليا أيضًا".
وحول سيناريو التصعيد، لفت كورب إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها لن يرسلو أي قوات عسكرية إلى أوكرانيا، لكن ما سيحدث هو حرب بين روسيا وأوكرانيا.
وحشدت موسكو مؤخرًا أكثر من 100 ألف جندي قرب أوكرانيا، ما أثار مخاوف من أن الكرملين قد يخطط لهجوم عسكري آخر ضد جارته السوفيتية السابقة.
ونفت روسيا استعدادها للغزو، واتهمت الدول الغربية بتقويض أمنها من خلال توسع الناتو نحو حدودها.
كما أصدر الكرملين قائمة بمطالب أمنية وجهها للغرب، بما في ذلك التراجع عن نشر قوات للناتو في بعض الدول السوفيتية السابقة، وضمانات بعدم انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى الحلف.