يصل المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي اليوم الأربعاء، إلى إيران لإجراء مباحثات مفصلية، غداة تحذيره من أن "هوامش المناورة بدأت تتقلص" بشأن برنامج طهران النووي.
وقال مراسل التلفزيون العربي في طهران، حسام دياب، إن إيران تنتظر الزيارة لا سيما وأنها تأتي في أعقاب فوز دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، فطهران يعنيها إيصال رسائل لواشنطن في هذا الوقت.
وأوضح مراسلنا أن غروسي سيلتقي الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير خارجيته، بالإضافة إلى مدير عام هيئة الطاقة الذرية الإيرانية. وأضاف أن المسؤولين الإيرانيين سيضعون غروسي في ضوء التهديدات الإسرائيلية باستهداف المنشآت النووية الإيرانية.
وتأتي زيارة غروسي في ظل مناخ من التوتر الحاد بين إيران وإسرائيل، وبعد يومين من تحذير وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس من أن طهران باتت "أكثر عرضة من أي وقت مضى لضربات على منشآتها النووية".
وتتّهم إسرائيل منذ سنوات إيران بالسعي لحيازة السلاح النووي، وهو ما تنفيه طهران التي تتهم بدورها إسرائيل بالوقوف خلف عمليات اغتيال علماء وتخريب منشآت نووية.
وتبادل العدوان اللدودان خلال الأشهر الماضية ضربات مباشرة غير مسبوقة في تاريخ الصراع بينهما، وذلك على خلفية الحرب التي تخوضها إسرائيل على قطاع غزة ولبنان.
وأثار ذلك مخاوف من انخراط إيران وإسرائيل في حرب مباشرة، بعد أعوام من العمليات الخفية وضربات غير مباشرة في أنحاء مختلفة من الشرق الأوسط.
وقال غروسي أمس الثلاثاء لوكالة الصحافة الفرنسية على هامش مؤتمر "كوب29" للمناخ، الذي تستضيفه باكو، إن على السلطات الإيرانية "أن تفهم أن الوضع الدولي يزداد توترًا، وأن هوامش المناورة بدأت تتقلص وأن إيجاد سبل للتوصل إلى حلول دبلوماسية هو أمر ضروري".
وأفاد بأن طهران تسمح للوكالة بالقيام بعمليات تفتيش، لكن "نحتاج إلى المزيد. نظرًا إلى حجم وعمق ومدى طموح برنامج إيران، علينا إيجاد وسائل لمنح الوكالة رؤية أوضح".
زيارة بعد انتخاب ترمب
وقال غروسي في مقابلة الثلاثاء مع قناة "سي إن إن" الأميركية: إن الإيرانيين "يمتلكون كميات كبيرة من المواد النووية التي يمكن استخدامها لتصنيع أسلحة نووية"، مضيفًا: "ليست لديهم أسلحة نووية في هذه المرحلة".
وتأتي زيارة غروسي عقب إعادة انتخاب دونالد ترمب رئيسًا للولايات المتحدة، واعتمد الجمهوري خلال ولايته الأولى سياسة "ضغوط قصوى" حيال إيران؛ تمثّلت على وجه الخصوص بالانسحاب الأحادي عام 2018 من الاتفاق الدولي بشأن برنامج إيران النووي.
وأكد ترمب في تصريحات الأسبوع الماضي، أنه لا يسعى الى إلحاق الأذى بإيران، ويريد لشعبها أن يكون له "بلد ناجح جدًا"، لكنه شدّد على وجوب الحؤول دون امتلاك الجمهورية الإسلامية سلاحًا نوويًا.
وأبرم الاتفاق النووي بين طهران وست قوى كبرى عام 2015 في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، وأتاح رفع عقوبات عن إيران مقابل تقييد أنشطتها النووية وضمان سلميتها.
الا أن ترمب أعاد فرض عقوبات اقتصادية صارمة بعد انسحابه من الاتفاق في 2018. وردّت طهران ببدء التراجع تدريجيًا عن غالبية التزاماتها بموجب الاتفاق، واتخذت سلسلة خطوات أتاحت نمو وتوسّع برنامجها النووي بشكل كبير.
ومن أبرز تلك الخطوات رفع مستوى تخصيب اليورانيوم من 3,67%، وهو السقف الذي حدّده الاتفاق النووي، إلى 60%، وهو المستوى القريب من 90% المطلوب لتطوير سلاح ذري.
طهران تأمل بالعودة للاتفاق النووي
وسيحلّ غروسي الأربعاء في الجمهورية الإسلامية للمرة الأولى منذ مايو/ أيار، وأكدت الوكالة في بيان أن الزيارة تهدف إلى عقد "اجتماعات عالية المستوى مع الحكومة الإيرانية" وإجراء "مباحثات تقنية تشمل كل الجوانب".
ومنذ تولّي الديمقراطي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة خلفًا لترمب مطلع عام 2021، أجرت طهران وواشنطن مباحثات غير مباشرة بواسطة أطراف الاتفاق النووي، سعيًا لإحيائه. إلا أن كل المحاولات لذلك باءت بالفشل.
وبعد تولي الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان منصبه في أغسطس/ آب الماضي، أشارت طهران إلى أنها ستكون منفتحة على إجراء محادثات لإعادة إحياء الاتفاق.
وتعود جذور البرنامج النووي الإيراني إلى خمسينيات القرن الماضي، حين وقّعت واشنطن اتفاق تعاون مع طهران في عهد الشاه محمد رضا بهلوي. وفي السبعينيات، صادقت إيران على معاهدة الحدّ من الانتشار النووي.
ومع تصاعد التوتر الإقليمي، بدأت بعض الأصوات في طهران تطرح بشكل علني إمكان إعادة النظر في العقيدة النووية. وحثّ أعضاء في مجلس الشورى (البرلمان) المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، صاحب الكلمة الفصل في السياسة العليا للجمهورية، على إعادة النظر في فتواه بشأن السلاح النووي.
ويعتبر خامنئي في فتواه التي نشرت للمرة الأولى عام 2010، استخدام أسلحة الدمار الشامل "حرامًا، ونرى السعي لحماية أبناء البشر من هذا البلاء الكبير واجبًا على عاتق الجميع".
وغالبًا ما يعتبر المسؤولون الإيرانيون أن هذه الفتوى هي بمثابة ضمانة لسلمية البرنامج النووي.