على وقع التباينات المستمرة منذ سنوات، حمل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن برنامجًا حافلًا خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية، والتي وصفت بأنها استكمال لمحاولات ترميم العلاقات بين الرياض وواشنطن.
وأجرى بلينكن خلال زيارته الرياض، نقاشات ومباحثات مع القادة السعوديين، في مقدمتها البحث في ملفات الطاقة ومكافحة الإرهاب، مرورًا بمصالحة الرياض مع طهران، وخفض إنتاج النفط، وليس انتهاء ببحث إمكانيات التطبيع مع إسرائيل.
إذًا هي "نقاشات منفتحة وجادة"، يقول مسؤول أميركي عن اللقاء الذي جمع الوزير بلينكن بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قصر السلام بمدينة جدة الساحلية، كما تناولت البحث في تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية.
وفي سياق الإصرار على تأكيد الثوابت في العلاقات الأميركية الخليجية، يؤكد الوزير بلينكن أمام وزراء الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض أن بلاده لا تزال ملتزمة تجاه شركائها في منطقة الخليج ودول المنطقة.
وقال بلينكن: "ناقشنا مواضيع مهمة في الشرق الأوسط وفي العالم، إذ يجب إيجاد حل سياسي في سوريا لتأمين حقوق الشعب السوري، لدينا التزامات أيضًا بخصوص الشأن الفلسطيني".
قضايا إقليمية وعربية على الطاولة.. #بلينكن يلتقي مسؤولين خليجيين في #الرياض تقرير: كامل لطفي pic.twitter.com/5Q3CBy6gAM
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) June 8, 2023
في المقابل، قال وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي إن لدى الجميع أجندة مشتركة تستطيع بها دول المنطقة تعزيز قضية السلام والأمن والاستقرار.
وأضاف البوسعيدي: "أعتقد أن لدينا أجندة مشتركة حيث يمكننا تعزيز قضية السلام والأمن والاستقرار في هذه المنطقة وخارجها والدفاع عنها والنهوض بها".
فتعزيز الشراكة وتقوية روابط التحالف الإستراتيجي والحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها، كلها تخيم على تصريحات المسؤولين من كلا الجانبين، إنما لا تقلل من مخاوف الطرفين حول وجه العلاقة في ظل التغيرات الدولية المتسارعة وخريطة التحالفات المتبدلة.
ما هي أسباب عودة الولايات المتحدة بقوة إلى المنطقة؟
وفي هذا الإطار، يوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت عبد الله الشايجي، أن السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي يتعاملون الآن بندية مع واشنطن، وأن هناك تراجعًا بالثقة، وشعورًا حقيقيًا بأن أميركا في طور التراجع والانكماش عن المنطقة، حيث لم تعد الأولوية لها، كما أن مجلس التعاون الخليجي لم يعد المحور الرئيسي في الإستراتيجية الأميركية.
وفي حديث لـ"العربي" من الكويت، يضيف الشايجي أن من أسباب عودة واشنطن، هو رفض السعودية في الخريف الماضي خفض إنتاج النفط، بل زادته مع روسيا، بالإضافة إلى التباين الواضح حول التطبيع مع إسرائيل، الأمر الذي ترفضه السعودية صاحبة المبادرة العربية، التي تنص على الانسحاب الكامل مقابل التطبيع الكامل، بالإضافة إلى دخول الصين على خط المصالحة بين الرياض وطهران، بينما غابت واشنطن عن المشهد.
ويتابع الشايجي أن هذه الأمور تعطي صورة بأن أميركا قوة عظمى متراجعة، وأن هناك خيارات أخرى لدول المجلس في التعامل معها ومع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ولإرسال رسالة بأن على واشنطن أن تعيد حساباتها، وأن تعيد الثقة الغائبة.
ويعرب عن اعتقاده أن الحديث عن التطبيع بوجود الملك سلمان بن عبد العزيز سابق لأوانه، ولن يكون هناك تطبيع، لأن العاهل السعودي لديه موقف واضح جدًا، إذ يرفض بشكل كلي أي محاولة للتطبيع.
ويردف الشايجي أن هناك حديثًا عن بعض المطالب السعودية حول الوضع الأمني والملف النووي الإيراني وإسرائيل، ولكن لا يوجد نقاش حقيقي الآن حول التطبيع، في ظل وجود أكثر حكومة متطرفة عنصرية فاشية في تاريخ إسرائيل، وعجز الإدارة الأميركية عن ردعها، مشيرًا إلى أن هذا الأمر لا يشجع أحدًا لأن يتجرأ ويتقارب مع إسرائيل، خاصة المملكة العربية السعودية بما تملكه من رمزية مهمة جدًا.
من جهته، يلفت مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق وكبير باحثي مركز التقدم الأميركي لاري كورب، إلى أنه على الرغم من تركيز الولايات المتحدة على روسيا والصين، إلا أنها لم تتجاهل المنطقة، مشيرًا إلى وجود الأسطول الخامس في المنطقة وقوات أميركية في شمال سوريا، بالإضافة إلى اتفاقيات أبراهام بين إسرائيل وبعض الدول العربية.
وفي حديث لـ"العربي" من واشنطن، يضيف أن الولايات المتحدة ليست سعيدة بالتصالح بين إيران والسعودية، كما أن واشنطن ليس سعيدة بخفض إنتاج النفط وتحاول أن تحكم في التضخم مثلما يفعل بقية الحلفاء في أوروبا.
ويعرب كورب عن اعتقاده أن واشنطن لا يزال لديها قدرات عسكرية كبيرة، ولا تزال في المنطقة، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة ستكون قادرة على العمل مع إسرائيل لتقويض القدرات الإيرانية في حال حصولها على سلاح نووي.