يصل التطرف وتاريخه اليوم في إسرائيل إلى أقصى درجاته مع الحكومة السادسة لبنيامين نتنياهو الذي لطالما عُرف بجشعه للسلطة والحكم. ويتجه نتنياهو في سياسته إلى أقصى اليمين المتطرف ويدفع ثمن رئاسته السادسة تنازلات للأحزاب الدينية المتطرفة.
وتتكون تلك الأحزاب من حزب الليكود بقيادة نتنياهو، وحزب "الصهيونية الدينية" بقيادة بتسلئيل سموتريتش، وحزب "القوة اليهودية" بقيادة إيتمار بن غفير، بالإضافة إلى حزب "نوعم" بقيادة آفي ماعوز.
أبرز بنود الاتفاق مع الأحزاب الدينية
وكانت أبرز بنود الاتفاق بين هذه الأحزاب قبيل الإعلان عن التشكيلة الحكومية الجديدة في دقائقها الأخيرة حصول حزبي "الصهيونية الدينية و"القوة اليهودية" على تعهدات من نتنياهو بتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة وفرض الإسرائيلية عليها.
كما خلق الاتفاق الحكومي منصبًا وزاريًا جديدًا في وزارة الأمن وهو وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق والإدارة المدنية للاحتلال في الضفة الغربية، وهو المنصب الذي سيشرف عليه زعيم حزب "الصهيونية الدينية".
وبالتالي، كانت وزارة الأمن القومي من نصيب زعيم حزب "القوة اليهودية" إيتمار بن غفير، بالإضافة إلى كونه مسؤولاً عن وحدة حرس الحدود العاملة في الضفة والقدس المحتلتين.
وبموجب الاتفاق الذي أبرم مع نتنياهو، يعتزم حزب "القوة اليهودية" تقديم مشروع قانون جديد يقترح "إعدام الأسرى الفلسطينيين" المتهمين بتنفيذ عمليات ضد قوات الاحتلال ومستوطنيه.
وبهدف ترسيخ الطابع الديني اليهودي للدولة، سيتم إلغاء "الإصلاحات الدينية" التي قامت بها الحكومة الإسرائيلية السابقة، بالإضافة إلى استحداث تشريع يجيز الفصل بين الجنسين في الأماكن العامة، وقانون آخر يسمح للشركات برفض تقديم الخدمات على أساس ديني.
تهديدات ووعود سياسية
إذًا ضمن هذا الاتفاق وغيره من البرامج الحكومية، تنعطف السياسة الإسرائيلية يمينًا غير مبالية بالمطبات، فرواد الحكم الجديد فيها لا يعترفون بخط أحمر للتطرف بعدما أعطوا الضوء الأخضر للتجاوز والمضي قدمًا في مشاريعهم.
وكانت هذه المشاريع بالأمس آراء وخطبًا على المنابر وتنفيذًا مبطنًا بحجج أو تبريرات، باتت اليوم نصوصًا حكومية ووعودًا سياسية قدمها نتنياهو للوصول إلى كرسي يحميه من حساب قانوني على فساد متهم به.
ويعكس المشهد خطرًا واضحًا على الفلسطينيين، فتحالف حزب الليكود برئاسة نتنياهو مع الأحزاب الدينية المتطرفة بني على أساس متشدد لما يصفونه بـ"الحق الحصري للشعب اليهودي على الأرض دون تفاوض".
وعليه، تعتزم الحكومة الجديدة توسيع المشروع الاستيطاني ومنح الأفضلية لليهود للأرض على حساب تهميش أصحاب الأرض الفلسطينيين أنفسهم. وهو واقع أكثر شدة وصعوبة تقبل عليه الساحة الفلسطينية، وللداخل الإسرائيلي حصة وفيرة من المستجدات والتغييرات التي ستطال الإسرائيليين ربما قبل الفلسطينيين.
"قنبلة موقوتة"
وتحت عنوان "إسرائيل تقف الآن على أعتاب ثورة دينية استبدادية يقودها اليمين المتطرف"، افتتحت جريدة هآرتس عددها تعليقًا على الوجوه الجديدة في السلطة، بينما رأى محللون أن شكل إسرائيل القديمة ينتهي تحت حكم متشدد وسياسيين قوميين متطرفين.
هو تحد سيواجه معسكر "الصهيونية الدينية" داخليًا مع سعيه إلى إملاء توجهاته الدينية داخل إسرائيل، رفض في أولى دقائق ولادة الحكومة فكرة التدخل في قوانين الأحوال الشخصية والحياة التي تفرض عليهم العيش تحت موجب الدين المتطرف.
إذًا لم يقف معسكر السياسة الإسرائيلية مرتاح البال. وسيحاول نتنياهو إرضاء قاعدة شعبية أوهمت أنها تعيش تحت "ديمقراطية" في واقع احتلال، في الوقت الذي ستخرج فيه وعوده للأحزاب الدينية على الأرض كـ"قنبلة موقوتة" سيتعدى صداها حدود فلسطين المحتلة.
من الخارج لم تمطر التهاني على نتنياهو بإنجازه الأخير بل كان القلق والاستنكار سيدا الموقف، فقد علق الاتحاد الأوروبي التعاون مع الشرطة الإسرائيلية كأول رد فعل على تحالف نتنياهو وصعود الأحزاب المتطرفة.
بينما تحدث محللون عن نقطة سوداء لإسرائيل لدى الرئيس الأميركي جو بايدن قد تمحى مع أيّ تبدل في المشهد الأميركي لكي تبقى إسرائيل الطفل المدلل لواشنطن.
وهو بلا شك هيكل جديد للسلطة الإسرائيلية يقف اليوم على أعمدة متطرفة في الوقت الذي يقوض المشهد الجديد "ديمقراطية" لطالما تباهت إسرائيل بها لدى الغرب رغم دوسها على كافة حقوق الفلسطينيين المعدومة أصلاً.
إسرائيل.. قوة احتلال
ويشير رئيس تحرير موقع "عرب 48" رامي منصور، إلى أنّ نتنياهو يحاول تصوير الحكومة الجديدة على أنها تمثل أغلبية الرأي العام الإسرائيلي، بحيث حظيت بثقة أكثر من مليوني ناخب إسرائيلي.
ويلفت في حديثه إلى "العربي"، من مدينة الناصرة، إلى أنّ الولايات المتحدة تتعامل "بحذر شديد" مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة، لا سيّما مع تصريحات صادرة عن مسؤولين أميركيين تؤكد أن واشنطن تريد الحفاظ على الوضع القائم في القدس المحتلة وتدعم حل الدولتين.
لكنه يشدد على أنّ إسرائيل كقوة احتلال ليس هناك ما يمنعها من تنفيذ وعودها وبنود الاتفاق الحكومي بين نتنياهو والأحزاب الدينية، لافتًا إلى أن هناك نحو 22 بندًا يتعلق بتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية لوحدها من دون القدس والجولان ومناطق أخرى.
ويضيف أنّ الشيء الوحيد الذي يمكن أن يعيق تلك الممارسات بشكل علني هو "الضغط الدولي وحلفاء إسرائيل الغربيين لا سيما الولايات المتحدة".
ويبيّن أن البرنامج السياسي لحكومة نتنياهو يحمل عدة إشارات إلى أن يكون تنفيذ هذا البرنامج "في الوقت المناسب وحسب المصلحة القومية لإسرائيل أو وفق معايير محكمة لاهاي".