السبت 14 Sep / September 2024

تعلو فوق الحرب.. أوكرانيون يواجهون الهجوم الروسي بالموسيقى

تعلو فوق الحرب.. أوكرانيون يواجهون الهجوم الروسي بالموسيقى

شارك القصة

تقرير يرصد رحلة فنانة أوكرانية من الشهرة إلى النزوح والهروب من جحيم الحرب في كييف (الصورة: غيتي)
يلعب الموسيقيون دورًا في مساعدة الناس على التغلب على الدمار الجسدي والنفسي خلال الأزمات والحروب.

مع تعرض مدنهم للحصار من قبل القوات الروسية، لجأ الفنانون الأوكرانيون إلى الموسيقى من أجل الراحة والتواصل، وملء الشوارع والمباني السكنية ومحطات القطار بأصوات بيتهوفن وموزارت.

وعندما بدأت القوات الروسية في إلقاء القنابل على مدينة خاركيف الأوكرانية، ذهبت فيرا ليتوفتشينكو للاحتماء في قبو تابع لمبنى شقتها، حيث حملت معها كمانها على أمل أن يجلب لها الراحة.

وخلال الأسابيع التي تلت الهجوم، نظّمت ليتوفشينكو، وهي عازفة كمان بمسرح الأوبرا في خاركيف، حفلات موسيقية ارتجالية كل يوم لجيرانها الذين يعيشون معها تحت الأرض، في القبو البارد الضيق، حيث قامت بأداء أغاني فيفالدي وتشايكوفسكي والأغاني الأوكرانية الشعبية.

وقالت ليتوفشينكو لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية: "يمكن أن تظهر موسيقاي أننا ما زلنا بشر"، مضيفة: "لا نحتاج فقط إلى الطعام أو الماء. نحن بحاجة إلى ثقافتنا. نحن لسنا مثل الحيوانات، ولا يزال لدينا أمل".

وأوضحت الصحيفة أن الموسيقيين لعبوا دورًا طويلًا في مساعدة الناس على التغلب على الدمار الجسدي والنفسي خلال الأزمات والحروب.

وقالت آبي أندرتون، أستاذة الموسيقى بكلية باروخ والتي درست الموسيقى في أعقاب الحرب: "إنهم يحاولون إعادة إنشاء مجتمع مزقته الحرب"، مضيفة أنه "لدى الناس رغبة حقيقية في خلق الحياة الطبيعية، حتى لو بدا أن كل شيء من حولهم ينهار".

بدورها، قالت إميلي ريتشموند بولوك، أستاذة الموسيقى المشاركة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إنه غالبًا ما تمّ الاستعانة بالموسيقى الكلاسيكية لأغراض سياسية في زمن الحرب لأنها "بُنيت على أنها صالحة لكل زمان وقوية وبشرية".

إنسانية مشتركة

وتجذب العروض في مناطق الحرب انتباه الجمهور جزئيًا بسبب تمازجها مع مشاهد الدمار واليأس. ويساعد ذلك في توضيح شعبيتها الواسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت أداة مهمة للفنانين في مناطق النزاع للفت الانتباه إلى المعاناة من حولهم.

وقال أندرتون: "يمكنهم استخدام انستغرام ومنصات التواصل الاجتماعي لإشراك الأشخاص الذين قد يكونون بعيدين جغرافيًا في صراعهم الحقيقي للغاية"، مضيفًا أنه "عندما نسمع شخصًا ما يعزف على مقطوعة شوبان أو معزوفة أخرى على بيانو مدمر، يكون هناك شعور بالإنسانية المشتركة".

في العاصمة كييف، كان إيليا بوندارينكو، طالب بالمعهد الموسيقي، يبحث عن طريقة لتسليط الضوء على صراعات أوكرانيا من خلال العمل مع عازف الكمان كرينزا بيكوك، الموجود في لوس أنجلس، وإطلاق ما أسماه "غوغاء الكمان الوميض". وقام بمزج مقطع فيديو له وهو يؤدي أغنية شعبية أوكرانية في ملجأ، مع عروض افتراضية لـ 94 موسيقيًا حول العالم.

وقال بوندارينكو للصحيفة: "إنها رسالة عظيمة لجميع الحضارات في العالم، مفادها أن الشعب الأوكراني ليس ضعيفًا وأننا أقوياء. لن نستسلم وسوف نصمد مهما حدث".

وواصلت عازفة الكمان ليتوفشينكو نشر عروضها على الإنترنت. وتخطط لتسجيل أغنية ثنائية مع عازفة بيانو تعيش في الخارج، وقالت إنها جمعت حوالي 10000 دولار لمساعدة العائلات الأوكرانية.

وأضافت: "لست متأكدة من أن موسيقاي يمكن أن تقاوم العنف وتوقف الحرب؛ لكن ربما يمكن أن يُظهر أننا لسنا عدوانيين للغاية، وأن لا كراهية في قلوبنا، وأنه لا يزال بإمكاننا أن نكون بشرًا".

حفلة موسيقية في خاركيف

في خاركيف، التي يقصفها الجيش الروسي يوميًا، أحيت مجموعة من الموسيقيين الأوكرانيين، السبت، حفلة للموسيقى الكلاسيكية في إحدى محطات المترو، أمام جمهور صغير ولكن شديد التأثر لنسيان الحرب ولو لفترة قصيرة.

وقام الموسيقيون الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و35 عامًا، بعزف النشيد الوطني ومقتطف للأوركسترا رقم 3 ليوهان سيباستيان باخ، ومعزوفة بيانو للموسيقي التشيكي انطونان دفوراك، وموسيقى فولكلورية أوكرانية شعبية. كما أدوا معزوفة لميروسلاف سكوريك - الملحن الأوكراني الذي توفي عام 2020 - غالبًا ما استخدمها الرئيس فولوديمير زيلينسكي في مقاطع الفيديو الخاصة به ومنشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال سيرغي بوليتوتشي مدير مهرجان خاركيف الموسيقي، أحد أكثر المهرجانات الموسيقية المرموقة في أوكرانيا: "عندما يعمّ الفرح قلوبنا يساعدنا ذلك في التغلب على الأوقات الصعبة".

وأضاف أنه على الرغم من دوي الأسلحة "الموسيقى تعلو فوقها"، قائلًا: "هذه الحفلة الموسيقية القصيرة رمز للنور الذي سينتصر على الظلمة، وللحقيقة التي ستنتصر على الكذب (...) كان التنظيم معقدا بعض الشيء بسبب الأوضاع الأمنية لكننا نجحنا".

أن أكون مفيدًا لبلدي

وقال رئيس بلدية المدينة إيغور تيريخوف: "قبل شهر لم نكن نتخيل أن يتمكن جنودنا ومواطنونا من حماية المدينة جنبًا إلى جنب (..) في أوقات الحرب نعمل جميعًا معًا من أجل تحقيق النصر، وهذا الحفل يثبت أننا على الطريق الصحيح".

بين الموسيقيين الخمسة، عازف التشيلو المحترف دنيس كاراشيفتسيف الذي أظهرته مقاطع فيديو انتشرت على المنصات الاجتماعية في الأيام الأخيرة، وهو يعزف أمام المباني التي دمرتها القنابل في خاركيف.

وقال لوكالة فرانس برس: "كانت مجرد فكرة لكي أكون مفيدًا لشعبي وبلدي ومدينتي. أحب هذه المدينة وسكانها. سأفعل أي شيء يمكنني القيام به للمساعدة".

وقالت تاتيانا شوخ أحد عازفي الكمان الثلاثة في الحفل الموسيقي القصير في خاركيف: "خلال الأيام الأولى للحرب شعرت بفراغ تام بداخلي. ثم أدركت أن علينا الاستمرار في العيش من أجل مُثلنا العليا ومن أجل بلدنا ومن أجل مستقبلنا".

تابع القراءة
المصادر:
العربي، ترجمات
Close