بعد أيام فقط من قرار لمحكمة العدل الدولية يطالب إسرائيل بإيقاف عمليتها على رفح، بدأ أعضاء مجلس الأمن بمشاورات بشأن مشروع قرار تقدمت به الجزائر يلزم تل أبيب بوقف عمليتها في المدينة الواقعة جنوب قطاع غزة.
من جانبها، تتوجه جنوب إفريقيا بعد أيام إلى تفعيل قرار محكمة العدل، في ظل استمرار مجازر الاحتلال في رفح، بينما تتخوف إسرائيل من إدراجها على قائمة الأمم المتحدة للدول المتهمة بقتل الأطفال.
وتأتي الضغوط الدبلوماسية التي يتوعد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بتجاوزها في سياق تصنيفه ضمن الزعماء المنبوذين دوليًا، بعدما طلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة اعتقال بحقه للاشتباه في ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب الإسرائيلية على غزة.
هذه الخطوة تُضاف إلى كثير من الأعباء التي يتحملها حلفاء الاحتلال في مقدمتهم الولايات المتحدة، فيما اضطرت ألمانيا على سبيل المثال إلى تبرير مبيعات الأسلحة للاحتلال بمواجهة اتهامات تسهيل الإبادة الجماعية والتي رفعتها نيكاراغوا.
في المقابل، تواصل حكومة الاحتلال مواجهة كل هذا بمزيد من المجازر ضد الفلسطينيين، وتجاهل كل قرارات الهيئات الأممية والدولية، ودون أدنى مراعاة للمزاج العام الدولي والشعبي.
وتنقل وسائل الإعلام الإسرائيلية والأجنبية ممارسة وزراء في حكومة نتنياهو السخرية والتحقير لدول نادت بالحقوق الفلسطينية، ما يعزز الاعتقاد السائد في أن حكومة نتنياهو تتبع نهجًا لا ممنوعات فيه بإطار التعامل مع منتقدي إسرائيل، مثلما ظهر ذلك جليًا في تصرفات مندوب الاحتلال في مجلس الأمن أو تصريحات وزير الخارجية.
هل تؤثر التحولات السياسية الدولية على إسرائيل؟
وفي هذا الإطار، يرى الباحث في مركز "مدى الكرمل" إمطانس شحادة، أن التحولات السياسية وما يحدث في المجتمع الدولي يؤثر كثيرًا على إسرائيل ومكانتها، لكن تل أبيب تكابر وتنكر ما يحصل العللىساحة الدولية، وتستعمل إستراتيجية واحدة، وهي الاستمرار في حرب الإبادة على غزة، والاعتماد على الدعم الأميركي.
وفي حديث لـ"العربي" من حيفا أضاف شحادة، أن إسرائيل تتصرف وكأن العالم يسير كما كان قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وكأن لا مجازر، وعمليات عسكرية تسفر عن إبادة شعب وتجويع وقتل ودمار.
شحادة أشار إلى أن إسرائيل محاصرة دوليًا، ليس فقط في مجلس الأمن، بل في المحاكم الدولية، لافتًا إلى أن مكانة تل أبيب تتراجع عالميًا، مع اعتراف دول أوروبية بدولة فلسطين، وفي ظل الاحتجاجات الطلابية، ومقاطعة أكاديمية جدية وقوية ضد الجامعات الإسرائيلية.
وأردف شحادة أن إسرائيل التي عرّفت أهداف الحرب بأنها وجودية وحرب استقلال ثانية، وضخمت الأزمة إلى حالة وجودية، لا يمكنها من منطلقات إسرائيلية أن تتجه إلى أي حل آخر سوى الاستمرار في الحرب في محاولة لتحقيق الأهداف التي وضعتها في بداية العدوان على غزة.
ولفت شحادة إلى أن الدعم الأميركي لإسرائيل مستمر، بالرغم من انتقاد نتنياهو، مشيرًا إلى أن خلافات هذا الأخير مع الإدارة الأميركية لم تُترجم على أرض الواقع بأي شيء يفرض على تل أبيب وقف الحرب أو تغيير من السياسات.
ورأى أن إسرائيل كانت تتلاعب إلى حد كبير بالإدارة الأميركية التي تتبنى الرواية الإسرائيلية بالكامل لكل ما يحدث في قطاع غزة.
وقال شحادة إن الولايات المتحدة مستعدة أن تذهب إلى أبعد الحدود في الدفاع عن إسرائيل، مشيرًا إلى أن واشنطن لم تنجح بالضغط أو إقناع الحكومة الإسرائيلية لا بالذهاب إلى وقف إطلاق نار وصفقة لتبادل الأسرى، ولا لتغيير الحالة الإنسانية بشكل جدي في غزة.
ما مدى قدرة الضغوط على تغيير موقف بايدن؟
من جهته، رأى مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خليل جهشان، أنه لا يمكن ترك الساحة الديبلوماسية لتل أبيب في إنكار كل المسؤوليات الملقاة على عاتقها وعلى عاتق الأطراف التي تدعمها وعلى رأسها واشنطن.
وأردف في حديث إلى "العربي" من واشنطن، أن كل الحراك الديبلوماسي يأتي في إطار الجهود الديبلوماسية الدولية، وليس فقط العربية لوقف العدوان الإسرائيلي.
وفيما تشير بعض التقارير إلى أن التغير الذي يحدث على مستوى الرأي العام الأميركي تجاه ما يحدث في قطاع غزة لا يمتد بالضرورة إلى الطبقة السياسية، وبالتالي لا يشعر بايدن أن هناك أي ضغوط تمارس عليه من أجل تغيير مقاربته ودعمه لإسرائيل، قال جهشان: إن هذا "الطرح إلى حد ما صحيح ويعكس الحقيقة على أرض الواقع".
لكنه قال: إنه "لا يوافق على التحليل الذي يقول إن بايدن لا يشعر أبدًا بهذه الضغوط، بل إنه يشعر كليًا بخطورتها وبهذا التحول في الرأي العام الأميركي، خصوصًا على فرص نجاحه في الانتخابات القادمة، لكنه وبسبب التزامه الصهيوني التاريخي فهو مقتنع بأن إسرائيل لا ترتكب خطأ".
وتابع جهشان: "لا الكونغرس ولا الإدارة الأميركية معنية في إعادة تقييم الأزمة، خصوصًا بعد دعمهم لإسرائيل وفشلها في تحقيق أهدافها في وقت زمني معين"، لافتًا إلى أن الحرب على غزة بدأت تضر في مصالح الولايات المتحدة، لكن الإدارة الأميركية حرمت نفسها من أي مجال للمناورة وإعادة النظر في سياساتها الخاطئة بهذا الخصوص.
إلى متى تستطيع واشنطن أن تقاوم الإجماع الدولي؟
من ناحيته، قال نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي سابقًا توماس وريك: إن "إسرائيل تعتقد أن بقاءها على المحك محفوف بالمخاطر، وأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ملتزمة بضمان بقاء إسرائيل".
وفي حديث لـ"العربي" من واشنطن، أضاف وريك أن السؤال المطروح الآن هو كيف يمكن أن تضع الحرب أوزارها، مشيرًا إلى أن موقف واشنطن حيال وقف الحرب يتمثل في ألا تمسك حماس بزمام الأمور في غزة، وتعزيز المساعدة الإنسانية، وأن إسرائيل يجب أن تغير من سلوكها.
وأشار إلى أن واشنطن ما تزال تحاول أن تلعب دور الوساطة للوصول إلى صفقة كبرى لتعترف المملكة العربية السعودية بإسرائيل وتطبع علاقاتها، مشيرًا إلى أن السعوديين يصرون في المقابل على وجوب أن تقبل تل أبيب بحل الدولتين، وأن تتخذ خطوات ملموسة في هذا الإطار.
وريك لفت إلى أن "مستشاري بايدن يدفعون للوصول إلى هذه الصفقة الكبرى، ويريدون لها أن تبصر النور، ولكن واشنطن في الأثناء تريد هدنة تمتد على ستة أسابيع تسمح بالإفراج عن الرهائن، وتعزيز المساعدات الإنسانية، لتصل إلى الشعب الفلسطيني في غزة".