قرّرت المحكمة الجنائية الدولية يوم الجمعة، أن الأراضي الفلسطينية التي تحتّلها إسرائيل تقع ضمن اختصاصها القضائي؛ ما يمهّد الطريق لمدعيتها العامة أن تفتح تحقيقات في شأن ارتكاب جرائم حرب في تلك المناطق، في تقدم وصفته السلطة الفلسطينية بأنّه "يوم تاريخيّ".
وكانت المخاوف تتصاعد لدى الجانب الإسرائيلي، من أن يقود رحيل إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، للتحقيق مع تل أبيب، وهو ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى رفض القرار، ووصف المحكمة بأنّها "مؤسسة سياسية وليست هيئة قضائية".
ونص قرار المحكمة على الموافقة على التحقيق في جرائم حرب محتملة من قبل إسرائيل في الأراضي الفلسطينية. وقررت أن اختصاصها يمتد إلى الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل منذ حرب العام 1967.
المحكمة الجنائية تعلن ولايتها القضائية على الجرائم في الأراضي الفلسطينية
فما هي صلاحّيات المحكمة الجنائية الدولية؟ وهل يمكنها أن تنصف فلسطين؟
محكمة مستقلة
تأسست المحكمة الجنائية الدولية، بوصفها أول محكمة مستقلة، لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والإبادة والجرائم ضد الإنسانية وهي منظمة دولية دائمة، تسعى إلى وضع حد للثقافة العالمية المتمثلة في الإفلات من العقوبة.
وتُنظم علاقة المحكمة بمنظمة الأمم المتحدة بموجب اتفاقية تنسيق بين الجانبين، وتعمل هذه المحكمة التي تأسست في مدينة لاهاي الهولندية عام 2002 على إتمام دور الأجهزة القضائية الوطنية، فهي لا تستطيع أن تقوم بدورها القضائي ما لم تُبدِ المحاكم الوطنية رغبتها أو كانت غير قادرة على التحقيق أو الادعاء.
وتقوم المحكمة بعملها التحقيقي من خلال مكتب المدعي العام، وتسلمّت قيادته منذ العام 2012 محامية من غامبيا، هي فاتو بنسودا. وتضم المحكمة 18 قاضيًا تنتخبهم الدول الأعضاء.
الدول الأعضاء
صادقت على قانون المحكمة 123 دولة حتى 6 يناير/ كانون الثاني 2015 من بينها فلسطين التي قبلت عضويتها رسميًا في يناير/ كانون الثاني عام 2015. كما وقعت 34 دولة أخرى على القانون لكن لم تصادق عليه بعد.
في عام 2002، سحبت دولتان توقيعهما على قانون المحكمة، وأشارتا إلى أنهما لا ترغبان بعد الآن بالعضوية، وبذلك لم يعد هناك ما يحملهما على تنفيذ ما يترتب عليهما من التزامات تجاه المحكمة، وهاتان الدولتان هما: أميركا وإسرائيل.
الولايات المتحدة تهدد المحكمة
لم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل بدأت الولايات المتحدة تتّخذ إجراءات ضدّ المحكمة، إذ أعلن وزير الخارجية الأميركي السابق مايكل بومبيو في 15 مارس/ آذار 2019 حظر منح تأشيرات على موظفي المحكمة المشاركين بتحقيق المحكمة المحتمل ضد مواطنين أميركيين.
وأفاد تقرير لـ"هيومن رايتس ووتش" بأنّ قرار الولايات المتحدة برفض منح تأشيرات لموظفي "المحكمة الجنائية الدولية" سيعيق المساءلة عن جرائم دولية خطيرة، وقد يُستخدم لمنع تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية ضد مواطني دول حليفة للولايات المتحدة.
كما فرض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في يونيو/ حزيران الماضي، عقوبات على مسؤولين في المحكمة الجنائية منهم مدعية المحكمة فاتو بنسودا؛ لسعيهم إلى التحقيق في جرائم حرب أميركية محتملة في أفغانستان منذ مايو/ أيار 2003، بالإضافة إلى جرائم خطيرة ارتكبتها طالبان والقوات الحكومية الأفغانية، وكذلك التحقيق مع حلفاء واشنطن، بمن فيهم إسرائيل.
وحثّت المدعية العامة التي تنتهي ولايتها في حزيران/ يونيو المقبل إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن على رفع تلك العقوبات.
هيومن رايتس تنتقد فرض ترمب عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية
الخوف الإسرائيلي
ومع طي صفحة حكم ترمب للولايات المتحدة، تصاعدت الخشية من أن يُطوى معها زمن العقوبات الأميركية، أو بالأحرى "الترمبيّة"، على المحكمة، الأمر الذي أثار قلق إسرائيل.
وفي هذا السياق، ذكرت قناة "كات" الإسرائيلية في وقت سابق أنّ مخاوف المحكمة الجنائية من عقوبات كانت قد فرضتها عليها إدارة ترمب ربما تكون قد "تبدّدت الآن"، لا سيّما وأن ذلك قد يقود إلى مواجهة بين المحكمة وواشنطن، وبين المحكمة وإسرائيل.
وكانت المدعية العامة فاتو بنسودا طلبت الرأي القانوني للمحكمة حول اختصاصها في الأراضي التي تحتلها إسرائيل، وذلك بعد إعلانها في ديسمبر/ كانون الأول 2019 رغبتها في فتح تحقيق كامل ضدها.
إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية لارتكابها جرائم حرب
وأفاد بيان صادر عن المحكمة بأنها "قررت، بالغالبية، أن اختصاص المحكمة القضائي الإقليمي فيما يتعلق بالوضع في فلسطين، الدولة المنضوية في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يمتد إلى الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967، وهي غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية".
ووصف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الجنائية الدولية بأنها "هيئة سياسية".
وقال نتنياهو في بيان: "أثبتت المحكمة مجددًا أنها هيئة سياسية وليست مؤسسة قضائية"، معتبرًا أن المحكمة بقرارها هذا تلحق ضررًا "بحق الديمقراطيات في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب".
من جانبها، أعربت الولايات المتحدة عن "قلقها العميق" حيال قرار المحكمة. وصرّح المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين: "نحن قلقون بشدة لمحاولات المحكمة الجنائية الدولية ممارسة اختصاصها على العسكريين الإسرائيليين. لقد تبنينا دائمًا موقفًا مفاده أن اختصاص المحكمة يجب أن يشمل حصرًا البلدان التي تقبله أو (القضايا) التي يحيلها مجلس الأمن الدولي" إلى المحكمة".
هل ستحاكم إسرائيل؟
كان الادعاء العام في المحكمة قد بدأ تحقيقًا مبدئيًا في جرائم ارتكبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، عقب قبول عضوية فلسطين رسميا في المحكمة. وفي ديسمبر 2019، أعلنت بنسودا أنها تريد فتح تحقيق شامل في "جرائم حرب مزعومة" في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقالت إن "جرائم حرب ارتكبت أو ترتكب" في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل والقدس الشرقية وفي قطاع غزة.
هل تنصف المحكمة الجنائية الدولية الفلسطينيين؟
وينبع الخوف الإسرائيلي من المحكمة الجنائية، بالأساس مما قد يصدر عنها من قرارات، الأمر الذي قد يحد من "حرية" حركتها وقد يضع بعض المسؤولين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين في مختلف أنحاء العالم تحت مجهر الملاحقات القانونية.
وعلى الرغم من أن إسرائيل ليست عضوا في المحكمة الجنائية، يبقى القلق الأكبر من محاكمة إسرائيليين في دول أأجنبية، ولا سيّما تلك التي تتيح تقديم مذكرات اعتقال ضد متهمين بجرائم الحرب، كما هو الحال في بريطانيا وبلجيكا ودول أخرى.