على وقع التصعيد الإسرائيلي والاستهداف بالطائرات والصواريخ والمدفعية، وتراكم الأزمات الإنسانية وشبه انهيار القطاعات الحيوية في مدن غزة، تلقى نازحون اتصالات ورسائل مجهولة المصدر تحثُّهم فيها على العودة من مناطق النزوح إلى الشمال.
وقد حذّر مكتب الإعلام الحكومي في غزة من هذه الاتصالات غير الموثوقة كما وصفها، مشيرًا إلى حوادث سابقة ارتكب خلالها الاحتلال جرائم ضد النازحين خلال عودتهم إلى مناطقهم.
وفي هذا السياق، يردد وزير الأمن الإسرائيلي من واشنطن أن تل أبيب تخوض حربًا ضد حركة حماس وليس ضدَّ المدنيين في غزة، بينما تشير الأرقام إلى ارتفاع أعداد الشهداء في القطاع إلى أكثر من 37 ألفًا منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول أغلبيتهم من الأطفال والنساء.
تخبط سياسي وعسكري في إسرائيل
وتسيطر ضبابية إسرائيلية وتخبُّط سياسي وعسكري على المشهد، وينعكس ذلك على شكل أزمات متلاحقة تضرب أرجاء القطاع، وترديد لسيناريوهات ترفضها الجغرافية والتاريخ والواقع معًا.
ومن أثينا، يقول وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، إن بلاده لن تنظف وراء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولن ترسل قوات إلى قطاع غزة لتكون بديلًا عن قوات الاحتلال.
ويجدد وزير الخارجية المصري سامح شكري رفض القاهرة سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.
محاولة لإحداث بلبلة في القطاع
في هذا السياق، يشير الباحث السياسي أحمد الحيلة إلى أن الاتصالات التي تلقاها سكان الشمال لم يُعرف مصدرها بدقة، سواء كانت من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أو جيش الاحتلال الإسرائيلي، أو جهات ثالثة. ويلاحظ أن القصف لم يتوقف على قطاع غزة، من شماله إلى جنوبه.
ويرجّح الحيلة أن أجهزة الأمن الإسرائيلية قد تكون "تحاول إثارة حالة من الإرباك والبلبلة بين المدنيين في شمال القطاع".
وفي حديثه إلى "التلفزيون العربي" من اسطنبول، يذكّر الحيلة أن الاحتلال سبق ودعا المدنيين للتوجه لأماكن زعم أنها آمنة فقُتلوا على الحواجز. كما أعلن جيش الاحتلال عن هدنة مؤقتة في مناطق من رفح، لكن ذلك قوبل برفض حكومة الاحتلال.
ويشير الحيلة إلى تزامن الاتصالات التي يتلقاها مدنيون من عائلات معينة مع حديث إسرائيل عن اليوم التالي للحرب على غزة، مشيرًا إلى احتمال بدء تحضير الاحتلال لترتيبات عسكرية في القطاع، وفقًا للمنظور العسكري والسياسي له.
إسرائيل تسعى إلى سيطرة غير مباشرة
من جهته، يؤكد الباحث في مركز مدى الكرمل، د. مطانس شحادة، أن إسرائيل تعيش تخبطًا بشأن إدارة قطاع غزة في اليوم التالي، مشيرًا إلى أن إسرائيل تعتبر أنها هي من سيحدد اليوم التالي في غزة وأن لا تضطلع حركة حماس بأي سيطرة مدنية أو عسكرية.
وفي حديثه إلى "التلفزيون العربي" من حيفا، يرى شحادة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرغب في تأجيل النقاش بشأن اليوم التالي ويتجنبه في العلن لتجنب الخلافات السياسية، متوقعًا أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية قد قدّمت تصورًا بشأن هذا اليوم ولكن لم يتم نشره بعد.
ويقول شحادة: "إن إسرائيل تؤيد السيطرة على قطاع غزة بعد الحرب، لكنها لا ترغب في تحقيق ذلك بشكل مباشر أو باستخدام أدوات إسرائيلية"، معللًا ذلك بأنه "سيكلف تل أبيب الكثير في ظل الدمار الذي سببته في القطاع، ما سيتطلب إعادة بناء البنية التحتية لجميع القطاعات".
كما سينجم عن الوجود العسكري الإسرائيلي في القطاع تكلفة بشرية، حيث ستستمر المقاومة في استهداف جيش الاحتلال، بحسب شحادة.
موقف الأردن
وبشأن الموقف الأردني، يوضح نائب رئيس الوزراء الأردني السابق د. جواد العناني أن وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت ربما يسعى لإقناع الإدارة الأميركية بضرورة إدخال قوات مصرية وأردنية إلى قطاع غزة، وأن تخرج إسرائيل منه معلنة انتصارها وتترك خلفها الدمار والأذى الذي أحدثته لينظفه آخرون.
وفي حديثه إلى "التلفزيون العربي" من عمّان، يعتبر العناني أن خروج إسرائيل من القطاع، فيما لا تزال حماس تسيطر عليه، يعني الهزيمة بالنسبة لإسرائيل.
ويرى العناني أن تل أبيب "تحاول أن تظهر وكأنها تتصدى للإرهاب"، عبر التصعيد في الضفة الغربية وتسخين الجبهة الشمالية، مشيرًا إلى أن "ما ترتكبه إسرائيل من جرائم أمام أنظار العالم هو الإرهاب بعينه".
كما يؤكد العناني أن الأردن لا يمكن أن يقبل بإرسال أي قوات إلى قطاع غزة حتى في ظل ضغوط أميركية، إلّا في حال وضع ترتيب عربي متفق عليه مع الولايات المتحدة وتعلن إسرائيل الموافقة عليه ويجري تطبيقه بعد أن يخرج نتنياهو من الحكم، معتبرًا أن لا أمان ولا صدقية لما تقوله إسرائيل في ظل وجود نتنياهو في السلطة.