يُصرّ الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء حربه المفتوحة على غزة على تدمير كل أوجه الحياة فيها، فالقصف المستمر لكل مناطق القطاع أتى على حياة عشرات آلاف المدنيين ولوث تربة غزة وماءها وهواءها، ودمّر أشجارها ونباتاتها وقتل حيواناتها، في انتهاك صارخ للقوانين والمواثيق الدولية الخاصة بقوانين الحرب وحقوق الإنسان.
تراجع كثافة الأراضي الزراعية
وقد أكّد هذه المعطيات تحقيق أجراه موقع "بيلينغكات البحثي"، الذي كشف التراجع الكبير في كثافة الأراضي الصالحة للزراعة والثروة النباتية بسبب العدوان الإسرائيلي، وتحديدًا عند مقارنة الشهرين الأخيرين من العام الماضي بشهري فبراير/ شباط ومارس/ آذار من العام الحالي.
ووثّق الموقع تجريف جيش الاحتلال الإسرائيلي ما يزيد على 4300 فدان من الأراضي الزراعية عند مفترق الشهداء، الذي يطلق عليه الاحتلال اسم "معبر نتساريم"، لأغراض قال إنّها عسكرية.
آلة الاحتلال تمحي مساحات خضراء
ومُحيت مساحات خضراء بالكامل كما تُبين صور الخرائط بين ما كانت عليه في 15 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وما أصبحت عليه في 9 مارس/ آذار المنصرم عند مقارنة المنطقة نفسها.
وقد تضرّرت مساحات زراعية وسكنية كبيرة أتت عليها آلة الاحتلال العسكرية وجرافاته بين منطقة وادي السلقا والقرارة جنوبي قطاع غزة.
وفي 2 مارس/ آذار الماضي، دمّر الاحتلال 1287 فدانًا، بالقرب من وادي غزة شرقي المغازي والبريج وفق صور التقطتها شركة "بلانيت لابز". وقد شُوِّهت ملامح المنطقة بالكامل بعمليات الجرف والقصف الإسرائيلي.
كما أظهرت صور قبل العدوان وبعده تضرر مساحات كبيرة قرب حي الزيتون وجحر الديك ومحيط جامعة الأزهر وما جاورها شمالي قطاع غزة.
تدمير ممنهج للبساتين
ولم يكتف جيش الاحتلال بذلك، بل واصل تدمير البساتين والأراضي الزراعية بشكل ممنهج حتى خلال فترة الهدنة أي خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، حسبما وثق تحقيق أجرته منظمة "هيومن رايتس ووتش".
وأتى تحقيق المنظمة على حقائق تؤكد تجريف بساتينَ زراعية بالكامل شمالي بيت حانون.
النباتات مصدر مؤونة وطاقة
وكانت الأشجار والنباتات مصدر مؤونة وطاقة لسكان غزة في ظل منع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إليهم، إذ لجؤوا في ظل نزوحهم داخليًا إلى قطع الأشجار واستخدام حطبها للتدفئة، وإلى النباتات والأعشاب ليسُدوا بها جوعهم، خاصة شمالي القطاع الذي لم تدخله المساعدات لأشهر.
وذكرت وكالة "رويترز" أخيرًا أن المدنيين الذين يتضورون جوعًا لجؤوا إلى أكل أوراق نبات التين الشوكي لدرء جوعهم. بينما ذكر تقرير الأمن الغذائي الصادر في ديسمبر/ كانون الأول 2023، عن برنامج الأغذية العالمي أن 70% من النازحين داخليًا في جنوب غزة حرقوا الحطب للوقود، وأن 13% قاموا بحرق النفايات للتدفئة لمجابهة قسوة فصل الشتاء.
ومع استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي بحق الإنسان والأرض في غزة، تستمر محاولاته الممنهجة لتدمير القطاع على كل الأصعدة، فغزة كانت تعتمد كثيرًا على الزراعة وإنتاج الغذاء من داخل القطاع في ظل الحصار المفروض عليها لسنين.
ويظل ارتباط المواطن الفلسطيني وثيقًا بأرضه وبما تـنبت، خاصة شجرة الزيتون التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين، وتدل على تجذره في أرضه، كما أنها كانت ثروة مهمة في قطاع غزة قبل بدء الاحتلال عدوانه عليها.