الأربعاء 20 نوفمبر / November 2024

شهر على اغتيال شيرين أبو عاقلة.. مسح جغرافي وشهادات حية حول الجريمة

شهر على اغتيال شيرين أبو عاقلة.. مسح جغرافي وشهادات حية حول الجريمة

شارك القصة

"عين المكان" يستعيد مشهد اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة بشهادة من عايشوها (الصورة: غيتي)
عادت كاميرا "العربي" إلى موقع جريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة لتتبع مسار الرصاص ومكان وجود الجنود من خلال توثيق مجموعة من الشهادات الحية.

قضت الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة 25 عامًا من حياتها في مهنة الصحافة تفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي.

وبينما شهدت الكثير من اللحظات الصعبة، التي كانت فيها قاب قوسين أو أدنى من الشهادة، استشهدت شيرين أبو عاقلة برصاص الاحتلال صباح الحادي عشر من مايو/ أيار الماضي.

أُطلقت الرصاصة من عيار 5.6 ملم من بندقية "روجر" أميركية الصنع في ذلك الصباح، وصُوبت بدقة عالية نحو مساحة لا تتجاوز 4 سنتمترات ما بين الخوذة والدرع، فاستقرت في رأس شيرين على أطراف مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة.

في حلقة بعنوان "أثر الفراشة.. استشهاد شيرين أبو عاقلة" قام برنامج "عين المكان"، الذي يُعرض على شاشة "العربي أخبار"، بعملية مسح لجغرافيا الجريمة وتتبع مسار الرصاص ومكان وجود الجنود، بالاستناد إلى توثيق مجموعة من الشهادات الحية، التي لا تدع مجالًا للشك بأن إسرائيل اغتالت شيرين.

علي السمودي: هكذا استشهدت شيرين أبو عاقلة

كانت الساعة الخامسة والنصف فجرًا، حين اقتحم قرابة الأربعين جيبًا ومركبة عسكرية إسرائيلية مخيم جنين في الحادي عشر من مايو.

يقول الصحافي علي السمودي إنه أرسل لشيرين فيديو الدوريات في المخيم عبر الواتساب عند السادسة إلا ربعًا تقريبًا، وإنه هاتفها بعد ذلك قائلًا "إن العملية ستكون كبيرة على ما يبدو".

على الأثر، توجّهت شيرين في تمام السادسة والربع برفقة طاقمها الصحفي إلى منطقة دوار العودة، بمحيط مدرسة الوكالة في الزي الصحفي الكامل.

يشير السمودي لكاميرا "العربي" إلى المكان الذي التقى فيه شيرين قبل أن يدخلا إلى ذاك الشارع، ويقول: "كنا في هذا الموقع أمام الجيش مباشرة، وتقدمنا على مهل".

ينفي الصحافي وجود مسلحين أو اشتباكات في ذلك المكان، مؤكدًا أنه حرص وزملاءه على دخول منطقة آمنة.

ويردف بالقول إنهم ما كانوا ليدخلوا إلى المنطقة لو كان هناك ما يثير الخوف.

عند السادسة والدقيقة والعشرين، اخترقت رصاصة ظهر السمودي. سبقتها رصاصة اصطدمت بشيء ما وأحدثت دويًا، وفق ما يقول. 

ويشرح أنه استدار بعدما سمع دوي الرصاصة الأولى متوجهًا إلى زملائه بالقول إن عليهم التراجع، غير أنه شعر بـ"انفجار" في ظهره قبل أن يكمل عبارته، فعلم على الفور بأنه أصيب.

يضيف أن شيرين التي أعلمها بأمر إصابته راحت تصرخ، وبأنه لم يكن يتوقع أن تصيبها الرصاصة التالية، وأن يكون القاتل قد أراد قتلهم.

ويؤكد السمودي أن الجندي الإسرائيلي أراد إطلاق الرصاصة على صدره، وأنها كانت ستدخل قلبه وتقتله لو لم يستدر حينها.

ويتحدى الصحافي جيش الاحتلال، الذي يصوّر العمليات التي ينفذها بكاميرات مثبتة على خوذ الجنود ومن داخل الدوريات، نشر لقطات إطلاق النار عليه وعلى زملائه. 

الشجرة التي اقتربت منها شيرين أبو عاقلة

بدوره، يستعيد الصحافي الفلسطيني مجاهد السعدي مشهد إطلاق النار، فيلفت إلى أنه قفز إلى مكان قريب منع القناصة من رؤيته.

ويكشف أن شيرين وصلت إلى المكان الذي اختبأ فيه، وشاهدت أن سوره مرتفع، فعادت وشذا إلى الخلف، غير أن القناص أصابها برصاصة عندما اقتربت من الشجرة.

ويلفت إلى أن الصحافية شذا حنايشة اختبأت بدورها بين أغصان الشجرة وخلف جذعها، فلم يتمكن القناص من رؤيتها، غير أنه عمد إلى إطلاق النار عليها مباشرة كلما حاولت مد يدها لتوقظ شيرين.

من جانبها، تقول حنايشة إن مصدر إطلاق النار كان مركبات جيش الاحتلال، وإن ما منعهم من إطلاق النار عليها هو الشجرة، التي حالت دون وصول الرصاص إليها.

وتؤكد أن الرصاصات الموجودة في الشجرة كانت تستهدفها، مذكرة بتلك التي أُطلقت باتجاهها في كل مرة حاولت مد يدها لتبلغ شيرين.

وكان المصور في قناة "الجزيرة" مجدي بنوره، الذي شاهد السمودي منسحبًا من المكان مصابًا، قد تراجع إلى الخلف ليحمي نفسه مع استمرار صوت الرصاص. 

ويكشف أنه حاول التقدم مرارًا بالكاميرا للوقوف على ما يحصل، عندما سمع بأن شيرين أُصيبت، غير أن إطلاق النار كان يعود في كل مرة.

ويوضح أنه اختار أخذ زاوية ترابية لمعرفة ما أصاب شيرين، فصوّر في لقطة متواصلة شيرين ولحظة نزول الشاب الذي عمد إلى سحب شذا، وأُطلق النار عليه هو أيضًا. وفيما يقول إنه لم يستوعب المشهد، يتحدث عن الشعور الذي انتابه أمام مشهد الدم الذي غطى وجه شيرين وعدم حركتها. 

تخبط وتضارب في الرواية الإسرائيلية 

نشر جيش الاحتلال بعد الجريمة بنحو 4 ساعات مقطعًا مصورًا على تويتر، يدّعي فيه أن مسلحًا فلسطينيًا هو الذي أطلق النار على الشهيدة شيرين.

وصرّح رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت عند الساعة 2:41 دقيقة ظهرًا أنه، وفقًا للمعلومات التي جمعوها، فإن مسلحين فلسطينيين كانوا يطلقون النار بشكل عشوائي يتحملون مسؤولية وفاة الصحافية، بحسب زعمه.

ثم تراجعت الرواية الإسرائيلية شيئًا فشيئًا، مع مغيب شمس النهار الأصعب على الصحافة الفلسطينية والعربية. وخرج وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس بتصريحات صحافية تتناقض مع رئيس حكومة الاحتلال؛ يقول فيها إن الرصاصة قد تكون من الجانب الإسرائيلي.

ولم يقف التضارب والتخبّط الإسرائيلي عند هذا الحد. فقد نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية، بعد تصريح غانتس، تحقيقًا أوليًا يكشف أمورًا لافتة؛ أبرزها اعتراف للمرة الأولى بإطلاق وحدة "دوفديفان" الاحتلالية الرصاص بالاتجاه ذاته، الذي تواجدت فيه الشهيدة.

ويشير الصحافي المختص بالشأن العبري خلدون البرغوثي، إلى خطأ ارتكبه جيش الاحتلال أيضًا، ولا يزال مثبتًا حتى الآن. 

فيتوقف عند تغريدة نُشرت على حسابه باللغتين الإنكليزية والعبرية، في صباح اليوم الذي استشهدت فيه شيرين أبو عاقلة، تتحدث عن الوضع، وتقول إن الجيش كان في نشاط أمني في مخيم جنين أُطلقت عليه نيران كثيفة وأُلقيت عبوات ناسفة.

وفيما يلفت إلى قول التغريدة إن الجنود ردّوا بإطلاق النار وتم تحديد وقوع إصابات، في إشارة إلى الإصابات الفلسطينية، يوضح أنها استكملت بالقول إنه "لم تقع إصابات في صفوف جنودنا".

ويذكر بأن الحالتين اللتين أُصيبتا بالرصاص يوم استشهاد أبو عاقلة، هما شيرين أبو عاقلة وعلي السمودي.

ويلفت إلى أن بعض التلميحات أشارت إلى قيام تحقيق في الجيش، حول إمكانية أن يكون جندي من ثلاثة جنود هو من أطلق النار وأصاب شيرين. 

ويشدد على أن الرواية الإسرائيلية ظلت قائمة على عنصرين: التشكيك في الرواية الفلسطينية، وإبقاء حالة من عدم التعمد في استهداف شيرين، إن كان مطلق النار جنديًا إسرائيليًا. ويقول إنهم أرادوا في كلا الناحيتين الهروب من تعمّد قتل شيرين أبو عاقلة.

مشاهد جوية من مسرح عملية الاغتيال

بالعودة إلى مسرح عملية الاغتيال، تشير المشاهد الجوية، وفقًا إلى خاصية القياس التي يوفرها تطبيق "غوغل إيرث"، إلى أن المسلّح الفلسطيني الذي يظهر في فيديو جيش الاحتلال كان على مسافة 290 مترًا بعيدًا عن المكان الذي استُهدفت فيه شيرين.

ويبدو لافتًا أن مدى الرؤية مغلق بالكامل، ويحد بين المسلحين الفلسطينيين وشيرين أكثر من 20 بناية سكنية ومدرسة، يتراوح ارتفاع البناء فيها ما بين 4 أمتار و15 مترًا، أي أن المنطقة كانت محاصرة بالإسمنت من جميع الاتجاهات.

وتشير المعلومات الميدانية التي قام "عين المكان" بجمعها استنادًا إلى الشهود العيان، إلى أن جيبات الاحتلال كانت تقف على مسافة تقارب 190 مترًا أمام موقع شيرين والزملاء الصحفيين المستهدفين، وهو ما تؤكده المشاهد الحية من موقع الاغتيال في مجال رؤية ومدى واضحين مع الصحفيين المستهدفين دون أي أبنية أو عوائق.

وفي سياق متصل، كشف تحقيق استقصائي أجرته شبكة "سي أن أن" الأميركية أخيرًا، استنادًا إلى آراء خبراء دوليين في الطب الشرعي، بعد دراسة لصوت الرصاص وصداه، أن المسافة بين شيرين ومطلق النيران تتراوح بين 177 مترًا إلى 197 مترًا.

ويؤكد ذلك ضمنيًا أن الطلقات النارية كان مصدرها جنود الاحتلال على بعد نحو 190 مترًا، وفقًا لتقديراتنا استنادًا إلى الشهود العيان.

من ناحيتها، خلصت التحقيقات الفلسطينية - التي استمرت على مدار 14 يومًا - إلى أن جنديًا احتلاليًا أطلق رصاصة من عيار 5.56 ملم من سلاح "روجر ميني 14".

وتُعد هذه البندقية أميركية الصنع سريعة ودقيقة، ويصل مداها إلى 3000 متر، بإصابة قاتلة على بعد قرابة الـ 400 متر، وفق ما يورده موقع "غانز.كوم" العالمي المتخصص ببيع الأسلحة.

في المقابل، يستخدم الفلسطينيون في العادة بندقية كلاشينكوف الروسية و"أم16" الأميركية وسلاح "الكارلو" المحلي الصنع.

فلسطين تودع شيرين أبو عاقلة

حمل الفلسطينيون الشهيدة شرين، التي أفنت حياتها في خدمة القضية الفلسطينية ونشر روايات الضحايا من أبناء شعبها، في 6 جنازات شعبية ورسمية؛ من جنين شمالًا إلى مدينة القدس وسط الضفة الغربية.

واعتدى الاحتلال على جنازتها في مشهد هز الرأي العام العربي والدولي.

أم أحمد فريحات من مخيم جنين، التي ردّدت باكية في مقطع مصور "قولوا الله قولوا الله، هاي شيرين مش حيالله"، تقول إنها هتفت بين الرجال في التشييع، وحاولت المشاركة في رفع نعشها لكنها لم تطله.

على غرار الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني، ستظل ذكرى شيرين محفورة في وجدان أم أحمد، التي تستذكر كيف ساعدتها شيرين في البحث عن أبنائها بين ركام المنازل، التي دمرها الاحتلال عند اجتياحه مخيم جنين بالكامل عام 2002.

وشيرين لن ينساها أيضًا من عرفوها، لا سيما أقاربها وأصدقاؤها وزملاؤها، فيما تقول لينا أبو عاقلة، ابنة شقيق شيرين، إن الشهيدة لم تكن مجرد عمة بالنسبة لها، بل بمثابة أم ثانية وصديقة وقدوة.

وتلفت صديقة شيرين فاتن علوان، التي عرفتها عن قرب، إلى أن الصحافية الشهيدة إنسانة حنونة جدًا، وهي أشبه بطفلة.

أما مجدي بنوره، المصور الصحفي في قناة "الجزيرة"، فيستعيد حضور شيرين المميز والقوي، متحدثًا هو أيضًا عن "طيبة قلبها".

ويصف الصحافي علي السمودي، شيرين بأنها مثال للإنسان المنتمي إلى وطنه وشعبه، مؤكدًا أنها تجسد أسمى القيم الإنسانية.

شهادات إضافية عن شيرين في الحلقة المرفقة من "عين المكان".

تابع القراءة
المصادر:
العربي

الدلالات

تغطية خاصة
Close