استقال أناتولي تشوبايس، الخبير الاقتصادي والمبعوث الخاص لبوتين للمنظمات الدولية منذ عام 2020. وغادر البلاد دون نية للعودة احتجاجًا على الهجوم الروسي على أوكرانيا، بحسب تقارير إعلامية.
وتشوبايس هو أول مسؤول كبير يستقيل منذ أن شنت روسيا هجومها على أوكرانيا قبل شهر.
وأكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف يوم الأربعاء استقالة تشوبايس البالغ من العمر 66 عامًا، مضيفًا أنه فعل ذلك من تلقاء نفسه.
لكن تشوبايس لم يذكر سبب استقالته بعد، أو إلى أين ينوي الذهاب بعد مغادرة روسيا. وأفادت وكالة رويترز أنه أغلق هاتفه عندما حاولت الاتصال به، فيما قالت مصادر: "إنه يعارض الحرب في أوكرانيا"، بحسب صحيفة "ديلي ميل".
من هو أناتولي تشوبايس؟
وكان الخبير الاقتصادي أحد المهندسين المعماريين الرئيسيين لإصلاحات بوريس يلتسين الاقتصادية في التسعينيات.
ويلقي العديد من الروس باللوم عليه في السماح لمجموعة صغيرة من كبار رجال الأعمال بتنمية ثروات هائلة وسط الخصخصة الجماعية للأصول المملوكة للدولة، بينما تُرك الملايين من المواطنين العاديين في الفقر.
لكن تشوبايس كان أيضًا شخصية رئيسية وراء قيام روسيا بوضع اقتصاد السوق وساعد أيضًا في تحديث قطاع الطاقة في البلاد.
كما واصل في السنوات الأخيرة الدعوة إلى الإصلاح الاقتصادي، وكان أحد أبرز الليبراليين المرتبطين بالحكومة الروسية، حيث تولى مناصب تجارية وسياسية رفيعة في عهد بوتين.
وتم تعيينه مبعوثًا خاصًا في عام 2020، مكلفًا بـ"تحقيق أهداف التنمية المستدامة''، بعد أيام من استقالته من منصب رئيس شركة التكنولوجيا الحكومية "روسنانو" التي كان يديرها منذ عام 2008.
البطل أو سيد الدمى؟
وكان تشوبايس أحد أبرز الروس في الحقبة التي أعقبت الاتحاد السوفيتي مباشرة.
وبحسب صحيفة "ديلي ميل"، فقد صوره الأعداء على أنه سيد الدمى في الكرملين الذي باع أصول قوة عظمى سابقة لمجموعة صغيرة من الأوليغارشية في عمليات الخصخصة في التسعينيات.
أنصار تشوبايس في المقابل يرونه بطلًا حارب من أجل إنشاء سوق في روسيا وحال دون انزلاقها إلى حرب أهلية.
وبعد تخرجه من معهد لينينغراد للهندسة والاقتصاد عام 1977، حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد. وبحلول أواخر الثمانينيات من القرن الماضي أصبح شخصية بارزة تدفع باتجاه الخصخصة عندما بدأ الاتحاد السوفيتي في الانهيار.
وفي عام 1990، أصبح تشوبايس نائبًا في مجلس مدينة لينينغراد (سانت بطرسبرغ حاليًا). وبحلول عام 1991 -وهو العام الذي انهار فيه الاتحاد السوفيتي- تم تعيينه وزيرا في حكومة بوريس يلتسين وكلف بتنفيذ برنامج خصخصة جماعي للشركات المملوكة للدولة.
وساعد البرنامج روسيا على الخروج من الشيوعية والبدء في تنمية اقتصاد السوق، ولكنه مكّن أيضًا مجموعة صغيرة من الأوليغارشية من تأمين ثروات هائلة في أوائل فترة ما بعد الاتحاد السوفيتي، من خلال الاستفادة من الاختلافات الهائلة بين قيمة السلع الروسية مقابل الأسواق الغربية.
وسرعان ما عززت مجموعة صغيرة من الفاسدين مكانة النخبة، في حين رأى الملايين من المواطنين العاديين ما لديهم من أموال قليلة يتبخر.
وتم تعيين تشوبايس في أواخر التسعينيات رئيسًا لشركة احتكار الكهرباء المملوكة للدولة "يو إي أس". وتم انتخابه رئيسًا لمجلس الطاقة الكهربائية لرابطة الدول المستقلة في عام 2000.
كما نجح تشوبايس في جمع مليارات الدولارات من الاستثمار في قطاع الطاقة الروسي، ودخل في عصر التحديث الذي أدى إلى زيادة قدرة الطاقة بشكل كبير وخفض مشاكل الدفع، مع تفكيك احتكار "يو إي أس".
معارضو بوتين الجدد
وتأتي استقالة تشوبايس في الوقت الذي كثف فيه الكرملين ضغوطه على الأوليغارشية المنتقدين للحرب في أوكرانيا، حيث حذر بوتين الأسبوع الماضي "الخونة" من أن الشعب الروسي "سيبصقهم مثل ذرة تندفع في أفواههم".
ومع تشديد الولايات المتحدة وأوروبا للعقوبات على أثرياء روسيا، بما في ذلك الوعد "بمطاردة" اليخوت والقصور الخاصة بهم، بحسب فوربيس، بدأ قلة من الذين جمعوا ثرواتهم وهم محافظون على ولائهم للرئيس الروسي فلاديمير بوتين التحدث علنًا عن معارضتهم العملية العسكرية ضد أوكرانيا.
المليارديرات المعارضة
وسبق أن أعلن الملياردير الروسي مؤسس أكبر بنوك البلاد "تينكوف"، أوليغ تينكوف، مطلع مارس/ آذار أن التدخل العسكري لبلاده في أوكرانيا "لا يمكن قبوله"، مؤكدًا معارضته للحرب.
كذلك أعلن المليارديرات الروس ميخائيل فريدمان وأوليغ دريباسكا مواقف مشابهة.
وفريدمان الأوكراني الأصل، كان أول الأثرياء الكبار الذين جاهروا بمعارضتهم الهجوم الروسي على الجارة، ونقلت "فاينانشال تايمز" عن مؤسس بنك ألفا، أكبر بنك خاص في روسيا، قوله: "أنا لا أدلي بتصريحات سياسية، فأنا رجل أعمال مسؤول عن عدة آلاف من الموظفين في روسيا وأوكرانيا. وأنا مقتنع بأن الحرب لا يمكن أن تكون الحل أبدًا. بل ستكلف هذه الأزمة أرواحًا وستدمر دولتين كانتا شقيقتين منذ مئات السنين".
ويذكر أن فريدمان ترعرع في غرب أوكرانيا حتى بلغ السابعة عشرة من عمره. ولا يزال والداه يعيشان في لفيف، التي أطلق عليها "مدينته المفضلة". وهي واحدة من المدن التي استهدفها الجيش الروسي.
من جهته، دعا ديريباسكا، في منشور له على تطبيق "تليغرام" إلى بدء محادثات السلام بين البلدين "بأسرع ما يمكن". وكتب ديريباسكا، الذي أسس شركة الألمنيوم الروسية العملاقة "روسال"، ولا يزال يملك فيها حصة من خلال أسهم في شركتها الأم المدرجة في بورصة لندن: "السلام مهم جدًا".
وديرباسكا مدرج في قائمة العقوبات الأميركية على روسيا منذ عام 2018 بسبب صلاته المزعومة بالحكومة الروسية، والتي اتخذ إجراءات قانونية للطعن فيها.
من جهة أخرى، يثير التقدم البطيء والخسائر الفادحة التي يتكبَّدها الجيش الروسي في هجومه على أوكرانيا أسئلة حول القدرة التخطيطية، وثقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بكبار موظفيه، ووزير دفاعه المخلص، وجودة المعلومات الاستخباراتية التي يصل إليها.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن المؤيدين للكرملين بدأوا بانتقاد الحرب حتى في الوقت الذي تدعي فيه الدعاية الروسية أن هذه الإخفاقات نتيجة حرص الجيش على تجنّب إلحاق الأذى بالمدنيين.