لا تتوقف التهديدات التي يطلقها المسؤولون العسكريون الإسرائيليون ومن بينها ما أعلنه وزير الأمن في حكومة الحرب يوآف غالانت من أنه سيتم إبعاد حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني جنوب لبنان سواء تم ذلك بترتيب سياسي دولي أو بتحرك عسكري.
وتستند التهديدات والتصريحات التي تطلقها إسرائيل لبنود قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في 11 أغسطس/ آب عام 2006، وينص على أن تكون المنطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني جنوب لبنان خالية من أي وجود عسكري إلا للقوات المسلحة اللبنانية وقوات اليونيفيل الدولية.
وتبدو الصورة في جنوب لبنان راهنًا جبهة مشتعلة، لكن دون عتبة الحرب، حيث تشهد الحدود قصف متبادل على طرفيه، واشتباكات منضبطة بقواعد يفرضها مسرح العمليات العسكرية.
التصعيد الحذر عنوان المرحلة في جنوب لبنان
والتصعيد الحذر هو عنوان المرحلة الجارية بين حزب الله وإسرائيل، إذ إنّ مثل هذا التصعيد كان يكفي في الماضي لاندلاع حرب شاملة على نطاق أوسع، ما يرجح التقديرات السياسية والعسكرية بغياب إرادة الدخول في مواجهة كبرى لدى الطرفين.
إلا أن هذه الإرادة تخضع لسلسلة متشابكة ومعقدة من الاعتبارات، فتدحرج العمليات العسكرية بين إسرائيل وحزب الله أنتج وضعًا جديدًا في المنطقة، يخيم عليه حالة من عدم اليقين.
فمع تكبد حزب الله خسارة عشرات المقاتلين بسبب المواجهات مع الجيش الإسرائيلي، يجد نفسه أمام ضرورة رفع مستوى عملياته العسكرية، واستهداف مقار ومواقع في العمق الإسرائيلي بعيدة عن الحدود نسبيًا.
واستخدم الحزب أسلحة نوعية جديدة منها صاروخ "بركان" قصير المدى، كما أطلق الحزب طائرات مسيّرة هجومية نجحت في بلوغ مستوطنة "نهاريا" شمالي حيفا ومستوطنة "راموت نفتالي" وثكنة "قديش" وأصابت تجمعًا للقوات الإسرائيلية شرق مستوطنة "حتسودت يوشع".
وعلى الجانب الآخر، كسر الجيش الإسرائيلي نطاق العمليات على الشريط الحدودي، باتجاه الداخل اللبناني وصولًا إلى بلدة "عرمتى" قضاء جزين، وباتت المناطق المدنية والسكنية جزءًا من بنك أهدافها، ما أعاد للذاكرة مشاهد الدمار والنزوح إبان حرب يوليو/ تموز عام 2006.
لكن النزوح ينسحب على الطرف الآخر من الحدود أيضًا، حيث أخليت المستوطنات الشمالية بموجب خطة أقرتها هيئة الطوارئ الإسرائيلية، أفرغت بموجبها نحو 125 ألفًا من سكان مستوطنات غلاف غزة، وشمال إسرائيل.
ومع استمرار الحرب واتساع المواجهات مع حزب الله في لبنان، لم تستطع الحكومة الإسرائيلية تقديم أجوبة بشأن الهوامش الزمنية لعودة المستوطنين إلى مناطقهم، ما شكل ضغطًا كبيرًا على صناع القرار في تل أبيب في مسألة حسم أمن المستوطنات الشمالية.
جدل حول تطبيق القرار 1701
في هذه الأجواء، برزت المساعي الدولية بقيادة فرنسا لاحتواء الموقف على الجبهة اللبنانية وعدم تفاقمها إلى حرب أشمل، وتكثفت الجهود الدبلوماسية بدعم من الولايات المتحدة لإعادة الاعتبار إلى القرار 1701 الصادر من مجلس الأمن عام 2006 والذي أنهى حربًا استمرت 33 يومًا صيف ذلك العام.
ورغم أنها ظلت تنتهك القرار 1701 طيلة 17 عامًا إلا أن إسرائيل باتت تطالب الآن بتطبيق صارم لبنود القرار الدولي وتحديدًا البند الذي ينص على انسحاب حزب الله شمال نهر الليطاني على بعد 30 كيلو مترًا شمال الخط الأزرق، وإنشاء منطقة عازلة ينتشر فيها الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل فقط.
أما الحكومة اللبنانية التي تكرر التأكيد أنها تعمل على تجنيب لبنان دخول حرب فإنها تتمسك هي الأخرى بانسحاب إسرائيل من مزارع شبعا المعترف بها دوليًا بوصفها جزءًا لا يتجزأ من الأراضي اللبنانية.
ووفق هذه المعطيات يجد حزب الله نفسه أمام معادلة دقيقة قد تعيد تعريف موقعه داخليًا كقوة سياسية لبنانية، وإقليميًا كجزء من "محور المقاومة" في المنطقة، فقبوله تطبيق القرار ينزع منه مشروعية السلاح باسم المقاومة، وبالتالي تفقد إيران حليفًا متقدمًا على جبهة المواجهة مع إسرائيل.
أما رفضه تطبيق القرار فيضعه أمام سيناريوهات الدخول في صدام مباشر مع القوى الدولية الداعمة لإسرائيل وإطلاق يدها في عملية عسكرية واسعة ضد لبنان، لطالما هدّدت بها على لسان مسؤوليها الأمنيين والعسكريين.
وعد وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين تنفيذ قرار إبعاد الحزب ومقاتليه إلى شمالي الليطاني بمثابة السبيل الوحيد لمنع نشوب حرب مع لبنان، بينما هدد يوآف غالانت بأن الجيش الإسرائيلي سينفذ القرار بالقوة لضمان عودة المستوطنين إلى شمال إسرائيل إن فشلت المساعي الدبلوماسية.
في هذه الأثناء، لم يبد حزب الله موقفًا حاسمًا بشأن هذه الطروحات، وهو موقف ينحصر بخطابات أمينه العام حسن نصر الله، الذي لطالما ربط التزامه بالقرار 1701 بالتزام إسرائيل بتطبيق بنوده التي تنص على الانسحاب من جميع الأراضي اللبنانية المحتلة، وفي مقدمتها مزارع شبعا.
"مشاغلة إسرائيل"
وفي هذا السياق، يقول الباحث السياسي وأستاذ العلاقات الدولية نبيل سرور، إن "إسرائيل بعدما غرقت في رمال غزة واعتبرت أن لبنان جبهة معادية تقوم بقصف المدنيين وتهجير الأهالي وتعتبر منطقة الجنوب منطقة معادية لها فضلًا عن ضغوط للمستوطنين لإبعاد مقاتلي حزب الله عن الحدود بعمق لا يقل عن 20 كيلومترًا بعد الخط الأزرق وصولًا إلى نهر الليطاني".
ويضيف سرور في حديث إلى "العربي" من بيروت، أن "العدو الإسرائيلي يسعى لتغطية اخفاقاته أمام الرأي العام الداخلي وأنه يريد تطبيق بالقرار 1701 وإبعاد حزب الله لطمأنة المستوطنين، وبذلك هذه رسالة للداخل المأزوم، ولذلك هذا الأمر مستبعد وهو يستهدف الداخل الإسرائيلي في هذه المرحلة".
ونوه سرور، إلى أن "مشاغلة الإسرائيلي عند الحدود كان بهدف حماية السكان المدنيين جنوب لبنان من الهجمات الإسرائيلية".
ومضى يقول: "ما يحدث في غزة هو مربط الفرس لكل من يناصر القضية الفلسطينية، ولهذا فإن حزب الله يشاغل الإسرائيليين في الشمال، وسيكون الحزب منفتحًا بعد وقف الحرب على غزة لكي يناقش بنود القرار 1701".
واعتبر الأكاديمي، أن "حزب الله وإسرائيل يقومان حتى الآن بالالتزام بقواعد الاشتباك، وبالتالي الكل يسعى للتقيد بهذا الأمر، إلا أن حدوث مجزرة كبيرة عند حدود لبنان فإنه ربما سيفاقم الأمر هناك".
وراح يقول: "إن المعيار الأساسي في حال تطورت الأمور بهزيمة الفصائل الفلسطينية أو تهجير الفلسطينيين سيكون هناك تدخّل أكبر وبفعاليات أكبر للمقاومة اللبنانية".