على امتداد المياه في البحر المتوسط، تنتشر رحلات البحث عن اللجوء في الطرف الآخر من اليابسة، أو ما بات يُعرَف بـ"تهريب البشر"، منها ما وصل، ومنها ما ابتلعها البحر وأغرق معها أحلام النجاة.
تمثّل آخر هذه المآسي في حادثة "قارب الموت" الذي انطلق من شمال لبنان، وغرق قبالة ساحل محافظة طرطوس السورية، وغرق معه العشرات ممّن يحملون جنسيات سورية وفلسطينية ولبنانية.
إلا أنّ غرق هذا القارب ليس بالحادث الفردي، ففي أبريل/ نيسان الماضي، غرق قارب مهاجرين انطلق من شمال لبنان أيضًا لدى اعتراضه من جانب البحرية اللبنانية قبالة سواحل البلاد.
وكان على متن السفينة آنذاك نحو 80 مهاجرًا لبنانيًا وسوريًا وفلسطينيًا تمّ إنقاذ 40 منهم، في حين تأكد مقتل 7 وما زال نحو 30 آخرين في عداد المفقودين رسميًا.
ووفق الأمم المتحدة، حاول ما لا يقلّ عن 38 زورقًا يحمل أكثر من 1500 شخص مغادرة لبنان منذ 2020.
من جهتها، قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: إن أكثر من 3000 شخص لقوا حتفهم أو فُقِدوا أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط والمحيط الأطلسي العام الماضي وحده.
كما أعلنت المفوضية وصول أكثر من 53 ألف مهاجر إلى إيطاليا عبر البحر عام 2021، مشيرة إلى أنّ معظم رحلات العبور تتم عبر قوارب مطاطية متهالكة غير صالحة للإبحار.
عائلات لبنانية تعيش حالة من الحزن بعد غرق قارب المهاجرين وموت أبنائهم#العربي_اليوم #لبنان تقرير: جويس الحاج خوري pic.twitter.com/dqYZrORtdF
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) September 25, 2022
ثلاثة طرق رئيسة لـ"تهريب البشر"
تقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: إن ذروة الهجرة غير النظامية كانت عام 2015 حيث عبر أكثر من مليون لاجئ ومهاجر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا.
بعد ذلك، شهدت أعداد من يعبرون البحر انخفاضًا ملحوظًا حتى قبل جائحة كورونا، ففي عام 2021، تمّ الإبلاغ عن 300123 حالة عبور فردي مقارنة بـ800095 في عام 2020.
ولتهريب البشر إلى أوروبا يوجد ثلاثة طرق رئيسة، أولها هو طريق غربي البحر الأبيض المتوسط والذي يشكّل قناة رئيسية لمهرّبي البشر الذين ينقلون المهاجرين إلى أوروبا عبر المغرب.
أما الطريق الثاني يعتبر الطريق المركزي، فيبدأ في ليبيا ويمرّ عبر الخطوط الساحلية الإيطالية والمالطية، في حين أنّ الطريق الثالث هو طريق شرق البحر الأبيض المتوسط والذي ينطلق من تركيا إلى اليونان، وأصبح أكثر استخدامًا منذ عام 2014 مع تدفق اللاجئين من الدول العربية كسوريا والعراق.
ما أسباب الهجرة غير النظامية؟
وعن أسباب الهجرة، تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أنّ النزاعات والحروب والفقر وانتشار الجريمة والتغير المناخي هي من أهم الأسباب التي تدفع بالمهاجرين إلى سلك طرق خطرة للغاية من أجل الحصول على اللجوء في بلد آمن أو من أجل حياة أفضل، ولا سيما مع قلة توفر الطرق النظامية للهجرة.
ومع ازدياد أعداد الباحثين عن ملاذ آمن وحياة أفضل، تشهد شبكات الاتجار بالبشر وطرق التهريب غير الشرعية زيادة ملحوظة، فعلى سبيل المثال، وبحسب منظمة Global Initiative، فالأرباح التي تمّ جنيها من قبل مهرّبي البشر من إفريقيا إلى أوروبا عام 2019، قُدّرت ما بين ثلاث إلى ستّ مليارات يورو.
شبكات "عابرة للدول" لتهريب المهاجرين
وبحسب دراسة أجراها مكتب الأمم المتحدة، ثمّة شبكات كبيرة لتهريب المهاجرين، وهي عابرة للدول، ولا تربط بالضرورة صلات عرقية بين المهربين والمهاجرين، ولكن المهربين الصغار يرتبطون في الغالب عرقيًا بالدول التي ينشطون فيها، وتربطهم علاقات عرقية ولغوية بالمهاجرين، أو يشتركون في الجنسية نفسها.
وعادة ما ينتظم المهرّبون في شبكات رخوة لا تعمل وفق تراتبية صارمة، بحيث يعمل أفراد الشبكة الواحدة باستقلالية عن باقي الأطراف المسؤولة عن المهام الأخرى، سواء تعلق الأمر باستقطاب مجموعة من المهاجرين، أو تزوير وثائق السفر والهوية، أو تجهيز سفن التهريب، أو تسهيل عبور النقاط الحدودية.
وعادة ما تعمل الأطراف المشاركة في سلسلة التهريب مع أكثر من شبكة، وتظلّ ممارسات الرشوة مرتبطة بنشاط شبكات تهريب المهاجرين في العالم، سواء تعلق الأمر بالمبالغ الصغيرة التي تقدَّم لحرس الحدود مثلاً أو المبالغ الكبيرة التي تُدفَع لموظفين كبار في الحكومة لتسهيل التهريب.
"أحبك يا عمتي ولا أستطيع العيش من دونك".. تلك كانت آخر كلمات إحدى ضحايا قارب الموت الذي غرق قبالة السواحل السورية، إليكم قصته المأساوية #سوريا #لبنان @AnaAlarabytv pic.twitter.com/JbnX1YF9HS
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) September 23, 2022
يأس من الحياة وموت في البحر
يتحدث المحامي والمستشار في قضايا اللجوء والهجرة باسم سالم عن موجة جديدة من الهجرة، أو محاولة إن جاز التعبير، انطلقت من الشواطئ اللبنانية وباءت بالفشل، بل هي محاولة فاشلة أساسًا قبل أن تبدأ، على حدّ تعبيره.
ويرى سالم في حديث إلى "العربي"، من باريس، أنّ المفارقة أنّها "مبادرة فردية" من أشخاص يئسوا من الحياة، ولم يعد لديهم خيار سوى أن يموتوا في البحر، وفق تعبيره. ويشير إلى أنّهم عندما استقلّوا هذا المركب، كانوا يدركون أنّهم سيموتون بنسبة تتجاوز 80%.
وفيما يستبعد أيّ رابط بين هذه المحاولة بالتحديد وشبكات التهريب المنظمة، يرى أنّ مواجهة هذه الشبكات غير سهلة، لافتًا إلى معضلة الفساد المنتشرة في سوريا ولبنان بالتحديد، حيث يمكن اعتماد الرشوة، أو ما تسمّى بـ"الإكرامية"، ليسمح أيّ عسكري بإقلاع القارب.
ويعرب عن اعتقاده بأنّ المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من محاولات الهجرة من السواحل السورية واللبنانية على حدّ سواء، لأنّ الأمن غير مستتبّ في هذين البلدين، فضلًا عن أنّ راتب العسكري الموجود على الحدود لا يكفيه ليعيش، ما يدفعه لقبول مثل هذه الرشوة بسهولة.