السبت 16 نوفمبر / November 2024

ماكرون "يُغضِب" الجزائر.. نبش للذاكرة وحسابات انتخابية وأوراق ضغط

ماكرون "يُغضِب" الجزائر.. نبش للذاكرة وحسابات انتخابية وأوراق ضغط

شارك القصة

تحدّث الرئيس الفرنسي عن تاريخ رسمي للجزائر أعيدت كتابته بالكامل لا يستند إلى حقائق، وإنما على خطاب يرتكز على كراهية فرنسا وفق قوله.

لم تنتهِ بعد "عاصفة" تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول الجزائر، وسط توتر فرنسي جزائري آخذ في الازدياد.

فبسبب تصريحات ماكرون التي نقلتها صحيفة لوموند، استدعت الجزائر سفيرها في باريس للتشاور، قبل أن تغلق مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية.

وكان ماكرون، أثناء استقباله أحفاد أطراف فاعلة في حرب الجزائر، تحدّث عن تاريخ رسمي للجزائر أعيدت كتابته بالكامل لا يستند إلى حقائق، وإنما إلى خطاب يرتكز على كراهية فرنسا وفق قوله.

وقال ماكرون إنه يجري حوارًا جيّدًا مع الرئيس الجزائري، مضيفًا أنّ الأخير عالق في نظام شديد التصلب. لكنّه ذهب أبعد من ذلك، ليتساءل "هل كانت هناك أمّة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي".

ما أهداف ماكرون من هذه التصريحات؟

إزاء ما تقدّم، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام، عن أهداف ماكرون من هذه التصريحات التي سبقها قرار باريس تشديد منح التأشيرات لمواطني كل من الجزائر والمغرب وتونس؟

وكيف ينعكس هذا الاحتدام في العلاقات بين فرنسا ودول المغرب العربي على فرص ماكرون في الانتخابات المقبلة؟ وما هي أوراق الضغط التي تملكها الجزائر لدفع فرنسا للتراجع عن تصريحات رئيسها؟

للوهلة الأولى، يبدو أنّ ماكرون في تصريحاته يلعب على حبال كثيرة، فهو لا يكتفي بإحياء رفات ملف الحركة بل ينفخ جاهدًا في كون التاريخ الجزائري مزيّفا أعيدت كتابته، لا يستند على حقائق إلا كراهية فرنسا، وينبش في الذاكرة أكثر، متحدّثًا عن الإمبراطورية العثمانية وغيرها.

وقد يبلغ مسار الرئيس الفرنسي مع الجزائر وما جاورها بالغ أثره على حظوظه الانتخابية، وهو الذي يسعى لاسترضاء يمين داخلي له أكثر من مرشح في انتخابات الربيع المقبل، كما أنّ أصحاب السترات الصفر لن يغفروا له صدامهم مع الشرطة أشهرًا من دون الالتفات إليهم استرضاء لأرباب العمل.

"خطيئة" ماكرون التي "لن يغفرها" الجزائريون

لا يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر توفيق بوقاعدة أي مبرر لما يصفها بـ"زلة اللسان" التي صدرت عن ماكرون، في إشارة إلى تصريحاته خلال لقائه مع مجموعة من الفرنسيين من أصول جزائرية، والتي يصفها بـ"المستفزّة".

ويعتبر بوقاعدة، في حديث إلى "العربي"، من الجزائر، أنّ تصريحات الرئيس ماكرون "تنمّ عن جهل معرفي بتاريخ الجزائر، وجهل كذلك بالقواعد الدبلوماسية، لا سيما على مستوى العلاقات مع الدول".

ويعرب بوقاعدة عن اعتقاده بأنّ ماكرون عبّر عمّا يضمره كل الساسة الفرنسيين تجاه الجزائر وتجاه المستعمرات التي خرجوا منها، حيث إنّهم يرون أنهم سيبقون أسيادًا على هذه الدول رغم استقلالها، لافتًا إلى أنّ فرنسا كانت تريد جعل الجزائر في تبعية مستمرة لها.

وإذ يصف تصريحات ماكرون بأنّها تشكّل "خطيئة بالعرف الدبلوماسي"، يؤكّد أنّه "لا يمكن للجزائريين أن يغفروا له ما جاء في تصريحه"، مشيرًا إلى أنّ الجزائريين جميعًا، سلطة ومعارضة، يرفضون رفضًا قاطعًا أن يتدخل أي طرف في الشؤون الداخلية للجزائريين.

خطاب "تصعيدي" بمفعول "عكسي"

من جهته، يتحدّث الباحث السياسي صلاح القادري عن أكثر من سبب خلف تصريحات ماكرون، التي يربطها بالدرجة الأولى بالتحديات الانتخابية للرئيس الفرنسي والحزب الحاكم.

ويلفت القادري، في حديث إلى "العربي"، من باريس، إلى استطلاعات الرأي التي تظهر وجود تهديد كبير، وتؤكد أن على ماكرون اتخاذ إجراءات من أجل كسب الأصوات اليمينية.

ويقول: "من خلال الحصيلة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للسنوات الأخيرة، فمن المحتمل جدًا أن لا يعاد انتخابه، ولذلك هو اضطر لإجراءات شعبوية أكثر منها إجراءات حقيقية وبدأ الموضوع بقضية التأشيرات".

وإذ يصف الخطاب الجديد بالتصعيدي، يرى أنّه "ينسى بأن هناك 3 ملايين ونصف فرنسي من أصول جزائرية" قد لا يرتاحون لهذا الخطاب، "وبالتالي قد يأتي المفعول عكسيًا لهذا الخطاب، لأنّ هؤلاء الفرنسيين قد يأتون لمعاقبته على الكلام بهذه الطريقة عن الجزائر".

فرنسا "تتراجع" دبلوماسيًا وسياسيًا

أما المحامي والمستشار في القضايا الدولية إيلي حاتم، فلا يعتقد أن هذه اللهجة هي لهجة تحدث دولة مستعمرة إلى دول المغرب ولا سيما الجزائر.

ويؤكد حاتم، في حديث إلى "العربي"، من باريس، أنّ الأسباب الانتخابية قد تقف خلف خطاب ماكرون، وهو ما يتوافق مع التوقيت، لكنّه يعتبر أنّها ليست الوحيدة.

ويتحدّث عن تراجع في الفرنكوفونية، حيث لم تستطع فرنسا استعمالها مثلما فعلت إنكلترا مثلًا، مشيرًا إلى أنّ فرنسا ضعفت من الناحية الدبلوماسية وكذلك السياسية على الساحة العالمية. ويلفت إلى أنّ هذا التراجع لا يتعلق فقط بالتصريحات الأخيرة للرئيس ماكرون.

تابع القراءة
المصادر:
العربي
Close