تسيطر المخاوف من تكرار سيناريو "كارثة تشيرنوبيل" النووية، بعد تحذيرات من "هجوم محتمل" على محطة زابوريجيا النووية في جنوب شرق أوكرانيا، التي سيطرت عليها القوات الروسية منذ مارس/ آذار الماضي خلال حربها على أوكرانيا.
ومنذ يوليو/ تموز الماضي، أصبحت المحطة هدفًا لقصف تتبادل موسكو وكييف الاتهامات بشأن تنفيذه. وحذّرت كل من روسيا وأوكرانيا من إمكانية شنّ الطرف الآخر "هجومًا زائفًا" على المحطة، بهدف تحميل الطرف الثاني مسؤولية الهجوم أمام المجتمع الدولي.
أين تقع محطة زابوريجيا؟ وما أهميتها؟
تعتمد كييف على الطاقة النووية لتقليل اعتمادها على موسكو في مجال الطاقة. وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن أوكرانيا تمتلك 15 مفاعلًا نوويًا، زوّدت البلاد بـ51% من احتياجاتها من الكهرباء عام 2020.
وتقع ستة من هذه المفاعلات في محطة زابوريجيا، الموجودة على حافة مدينة إنرهودار على بعد حوالي 140 ميلًا من شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014.
وتقع المحطة على خط المواجهة، على الضفة اليسرى لنهر دنيبر، الذي تسيطر القوات الأوكرانية على الجانب الآخر منه.
وبدأت مفاعلات المحطة الستة العمل بين عامي 1984 و1995. ويمكنها مجتمعة بكامل طاقتها إنتاج 5700 ميغاواط من الكهرباء.
وتعد المحطة مصدرًا ضخمًا لإنتاج الطاقة النووية لأوكرانيا. وقبل الحرب كانت تنتج خمس الكهرباء في أوكرانيا، وما يقرب من نصف طاقتها النووية.
ماذا حدث للمحطة خلال سيطرة روسيا عليها؟
استولت القوات الروسية على المحطة في مارس الماضي. وبعد اندلاع النيران في جزء من المجمع النووي، ظهرت المخاوف من وقوع كارثة نووية قائمة.
حينها تمّ إخماد الحريق، ولم يسجّل المراقبون الدوليون "تسّربًا للمادة المشعة"؛ لكنها كانت المرة الأولى التي ينشب فيها القتال حول محطة طاقة نووية نشطة، ما غذّى القلق في جميع أنحاء العالم.
ولاحقًا، شهدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية انقطاعات متفرقة في إرسال بيانات الضمانات عن بعد من المحطة. ولذلك، دعت الوكالة روسيا وأوكرانيا للسماح لمفتشيها بزيارة الموقع؛ لكن الخلافات اللوجستية والسياسية حالت دون حدوث ذلك.
في غضون ذلك، واصل آلاف العمال الأوكرانيين تشغيل محطة الطاقة في ظل ظروف صعبة. وما زال اثنان من المفاعلات الستة في المحطة، يوفران الطاقة للشبكة الأوكرانية.
لكن في أوائل أغسطس/ آب الحالي، حذّر المدير العام للوكالة الذرية رافاييل غروسي من "خروج المحطة النووية عن السيطرة".
وتبادلت روسيا وأوكرانيا الاتهامات بمهاجمة زابوريجيا، وتصاعد القلق الدولي بعدما أدى القصف إلى إلحاق أضرار بأجزاء من المحطة. وقالت السلطات الأوكرانية: إن موظفي المحطة قيّدوا وصولهم إلى المركز الموجود في الموقع بهدف الاستجابة لحالات الطوارئ.
#أوكرانيا و #روسيا تتبادلان الاتهامات بقصف محطة زابوريجيا النووية و #زيلنسكي يُحذر من "كارثة نووية"#العربي_اليوم تقرير: حسيب عبد الرزاق pic.twitter.com/pxblpFtdK1
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) August 12, 2022
كما كشفت مؤسسة الطاقة النووية الأوكرانية "إنيرجو آتوم" (Energoatom)، أن روسيا نشرت قاذفات صواريخ ومئات الجنود في الموقع.
ومنذ أغسطس، يستمرّ القتال في محيط المحطة، ما أدى إلى موجة نزوح جماعية لسكان البلدات المجاورة للمحطة.
ما السيناريو الأسوأ؟
وفي هذا الإطار، حذّرت صحيفة "واشنطن بوست" من أن السيناريو الأسوأ يتمثّل في حصول تسرّب نووي.
وشرحت أن التسرّب يحصل عندما لا يتم تبريد الوقود في المفاعل بشكل كافٍ، ما يؤدي إلى ذوبان اليورانيوم الموجود في قضبان الوقود. وإذا حصل تسرب في مبنى الاحتواء، يؤدي ذلك إلى إطلاق إشعاعات نووية في المنطقة المحيطة، ما يعيد للأذهان كارثة تشيرنوبيل عام 1986، التي أدت إلى إجلاء مئات الآلاف من السكان وانتشار مواد مشعّة عبر أوروبا.
وشرح مراسل "العربي" في كييف أن أوكرانيا تحذّر من أن يخرج الوضع عن السيطرة جراء الإشعاعات المنبعثة من محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا، مما يجعل السلطات الأوكرانية من جهة، ودول الاتحاد الأوروبي يحبسون أنفاسهم.
وأضاف المراسل أن المخاوف تتصاعد في خضم أنباء عن اعتزام روسيا فصل وحدات للطاقة عن شبكة الكهرباء بالمحطة.
من جهته، أوضح المدير المشارك لبرنامج السياسة النووية في مؤسسة "كارنيغي للسلام الدولي" جيمس أكتون، أن مفاعلات زابوريجيا محمية بأسوار خرسانية مسلحة، مستبعدًا "احتمال إصابة المفاعل بقصف مباشر".
لكنه، في الوقت نفسه، اعتبر أن الخطر الأكبر يكمن في "قطع إمدادات الكهرباء عن المحطة نتيجة القتال، حيث تعتمد المحطات النووية على الكهرباء للحفاظ على برودة المفاعلات".
وبعد حادث فوكوشيما دايتشي في اليابان عام 2011، عزّزت أوكرانيا تدابير السلامة، بما في ذلك حول توليد الطاقة الاحتياطية، في المحطة.
وقال إدوين ليمان، مدير سلامة الطاقة النووية في اتحاد العلماء المهتمين: إن كل مفاعل في زابوريجيا يضمّ ثلاثة مولدات احتياطية للتبريد.
وفي هذا الإطار، قال أكتون: إن احتمال فشل كل أنظمة التبريد في زمن السلم "سيكون ضعيفًا للغاية، لكن في زمن الحرب، يمكن أن نتخيل بشكل معقول سلسلة من الأحداث التي تتسبب في وقوع حادث كبير."
وأضاف: "محطات الطاقة النووية ليست مصممة ببساطة لتكون في مناطق حرب".
ويأتي الخطر الأكبر على الصحة والبيئة من الإشعاع الذي لا يمكن رؤيته أو شمّه، وغالبًا ما تكون آثاره غير ملموسة على الفور، لكنها يمكن أن تظل تهديدًا صامتًا لسنوات.
وربطت الدراسات بين التعرض للإشعاع وزيادة مخاطر الإصابة بالسرطان والحالات الصحية الخطيرة الأخرى.
وقال أكتون: "في حالة حدوث أضرار خطيرة، فإن الحرب يمكن أن تعقّد قدرة أنظمة الطوارئ والأفراد على الاستجابة".
وأكدت "خدمة الطقس الوطنية الأوكرانية" أن وقوع حادث نووي في محطة زابوريجيا سيؤدي إلى نشر مواد مشعة في معظم أنحاء أوكرانيا وربما إلى دول أخرى.
كما حذّر محللون من "منظمة السلام الأخضر" الدولية، في مارس الماضي، من "سيناريو قد يكون أسوأ من كارثة فوكوشيما في اليابان"، مما قد يترك مئات الأميال من الأراضي حول المصنع غير صالحة للسكن.
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أنه قد يكون من الخطر أيضًا محاولة تحويل المحطة من الشبكة الكهربائية الأوكرانية إلى الشبكة الروسية، حيث تزعم كييف أن موسكو تنوي القيام بهذه الخطوة.
وفي هذا الإطار، قال أكتون: "إذا كانت هناك مشكلة في تلك اللحظة، فستعتمد أوكرانيا كليًا على مولدات الديزل" للحفاظ على برودة المفاعلات.