الأحد 17 نوفمبر / November 2024

من الدمار إلى الإعمار.. الموصل تستعيد رونقها بعد سنوات من المعاناة

من الدمار إلى الإعمار.. الموصل تستعيد رونقها بعد سنوات من المعاناة

شارك القصة

تكتظّ ليلًا شوارع الموصل والمتنزّهات والمطاعم ومدينة ألعاب بالعائلات
تكتظّ ليلًا شوارع الموصل والمتنزّهات والمطاعم ومدينة ألعاب بالعائلات - غيتي
على غرار الموصل، تشهد مدن عراقية عدة استقرارًا نسبيًا بعد عقود من حروب وصراعات سياسية وعنف طائفي وعمليات خطف وهجمات إرهابية أثقلت كاهل العراقيين.

على أنغام أغان عراقية وعربية في مطعم افتُتح مؤخرًا في الموصل، تتناول أميرة طه مع صديقاتها وبناتهنّ العشاء، ويستمتعن بواحدة من سهرات باتت تطبع الحياة الليلية في منطقة عانت طويلًا من سيطرة المتشددين وتداعياتها.

ففي 10 يونيو/ حزيران 2014، سيطر تنظيم "الدولة" على الموصل في محافظة نينوى في شمال العراق، وأعلن منها بعد 19 يومًا "الخلافة".

وعلى مدى سنوات، بثّ عناصره الرعب في المنطقة وحوّلوا حياة الناس إلى جحيم، فنفّذوا إعدامات بقطع الرأس وفرضوا عقوبات بمنع التدخين وقطعوا أيدي أشخاص اتهموهم بالسرقة ودمّروا كنائس ومساجد ومتاحف وأحرقوا كتبًا ومخطوطات وحرّموا الموسيقى، حسب وكالة "فرانس برس".

سهر وحفلات في الموصل

وبعد معارك عنيفة، استعاد الجيش العراقي، بدعم من تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة، الموصل في 2017، وأعلن في نهاية العام نفسه هزيمة التنظيم في العراق.

وبعد 7 سنوات على إعلان السلطات العراقية "النصر" على تنظيم "الدولة"، الذي سيطر بين 2014 و2017 على أجزاء واسعة من شمال العراق وغربه، تكتظّ ليلًا شوارع الموصل والمتنزّهات والمطاعم ومدينة ألعاب بالعائلات التي تذوق للمرة الأولى منذ سنوات طعم الاستقرار الأمني والحرية.

وقالت طه (35 عامًا) التي ارتدت ملابس زرقاء داكنة لوكالة فرانس برس: "تغيّر كل شيء في الموصل. أصبحت هناك حرية وأمان واستقلالية، وباتت السهرات شائعة".

وتشير ربّة المنزل إلى أن "الاستقرار الأمني" اليوم هو الذي ساهم في "انفتاح الناس وشعورهم بأنهم يريدون العيش في أجواء حلوة".

وتؤكد طه التي تقول إنها تخرج يوميًا للترفيه، إنها لم تعد "تشعر بالخوف أبدًا"، وإن السكان المحليين "أصبحوا الآن ينعمون بحرّية دون قيود"، بينما كانوا خلال سيطرة المتشددين، يلازمون "منازلهم ويقفلون الأبواب".

"من دمار إلى إعمار"

واستغرق تعافي المدينة سنوات. فبعدما تحولت أحياء كثيرة إلى أنقاض، توجّب إزالة الألغام قبل إعادة بناء ما دُمّر من منازل وطرق وبنى تحتية لتمهيد طريق عودة النازحين الذين فرّوا من المدينة التي يقيم فيها اليوم 1,5 مليون شخص.

وعلى غرار الموصل، تشهد مدن عراقية عدة استقرارًا نسبيًا بعد عقود من حروب وصراعات سياسية وعنف طائفي وعمليات خطف وهجمات إرهابية أثقلت كاهل العراقيين في حياتهم اليومية.

وقبالة قصر قره سراي التاريخي وقلعة باشطابيا، يعجّ مطعم "الشيف أحمد السويدي" الذي افتُتح في يونيو، بما يتراوح بين 300 و400 شخص يوميًا، وفق مؤسسه.

في سهرة في الهواء الطلق يحييها مطربون محليون مع فرقة موسيقية، يصفّق أطفال ويرقصون فيما يدخّن بعض البالغين النرجيلة، ويتناول آخرون مأكولات غربية بعضها إسكندنافية وأوروبية طعمّها الطاهي بنكهات عراقية موصلية.

تشهد الموصل كذلك نشاطًا سياحيًا ليليًا نهريًا
تشهد الموصل كذلك نشاطًا سياحيًا ليليًا نهريًا - غيتي

ويقول صاحب المطعم البالغ 40 عامًا الذي ارتدى بزة الطاهي البيضاء "قبل الأحداث، غادرتُ المدينة وعشت أكثر من نصف عمري في السويد، لكنني كنت دائمًا أحلم بالعودة لأفتتح مشروعي الخاص في العراق".

ويضيف الطاهي الذي أطلق على نفسه لقب "السويدي" نسبة لإقامته سابقًا في ستوكهولم: "أردتُ جلب فكرة جديدة إلى محافظة نينوى، لذلك عدت".

ويتابع: "يستحيل أن أعود إلى الغربة بعدما عدت مع ابنتَيّ وزوجتي لنكمل حياتنا هنا".

ويعبّر عن ارتياحه لأن "الناس بدأوا يريدون الخروج لرؤية أشياء جديدة ومختلفة".

وعلى بعد بضعة أمتار في منطقة الغابات التي لطالما شكّلت متنفسًا يقصده عراقيون من محافظة نينوى ومحافظات أخرى قبل النزاع، ترتاد عائلات مجمعًا سياحيًا يضم مدينة ألعاب ومطاعم وأكشاكًا وحدائق.

ويقول مدير إدارة مدينة الألعاب ومسؤول الأمن في مجمع السدير السياحي خليل إبراهيم (50 عامًا): "تغيّرت المدينة في السنوات الماضية من دمار إلى إعمار".

ويشير إلى أن مدينة الألعاب التي تأسست في العام 2011، دُمّرت بالكامل بعدما سيطر تنظيم "الدولة" على الموصل، ويوضح بينما يركض أطفال خلفه حاملين بالونات ملوّنة "تعرّض هذا المكان للحرق بالكامل وكانت لدينا مجموعة من الحيوانات قُتل قسم منها. حين عدنا إلى الموقع، كنّا تحت الصفر، لكننا أعدنا بناءه بإمكاناتنا الخاصة".

"طعم الأمان"

وبعد استعادة القوات العراقية السيطرة على ثاني أكبر مدن العراق، عاد المتعهدون والمستثمرون إلى الشطر الشرقي أولًا من المنطقة التي كانت يومًا مركزًا تجاريًا إقليميًا.

أمّا الشطر الغربي، فأطلق فيه محافظ نينوى عبد القادر الدخيل مطلع العام الجاري مشروع "الواجهة النهرية" لإعادة إعمار المدينة القديمة بمنازلها ومتاجرها.

وافتُتحت في هذه الضفة متنزّهات وحدائق جديدة، فيما أُعيد إعمار حدائق مهملة أو متضررة.

وتشهد الموصل كذلك نشاطًا سياحيًا ليليًا نهريًا، بعد سنوات صدمة عاشها السكان حين قضى في مارس/ آذار 2019 مئة شخص غالبيتهم نساء وأطفال في غرق عبّارة سياحية كانت تقلّهم إلى منطقة الغابات.

وتنساب القوارب السياحية على المسطّح المائي وعلى متنها نحو 30 متفرجًا، وتنعكس أضواؤها الحمراء والخضراء والزرقاء على صفحة النهر.

واشتهرت الموصل بلقب "أمّ الربيعين" لاعتدال مناخها في فصلَي الربيع والخريف.

ويقول الكاسب جمال خالد عبد الستار (32 عامًا) لفرانس برس في مقهى يتناول فيه مع عدد من الشبان الطعام ويلعبون الورق والدومينو: "الجلسة لطيفة في هذا المتنفس الطبيعي والأكسجين الطبيعي، ونهر دجلة يكفي".

ويضيف: "حين ذاق الناس طعم الأمان، بدأوا يخرجون ويعودون إلى منازلهم في الوقت الذي يريدونه، وأصبحت هناك متاجر تفتح حتى الثالثة فجرًا أو حتى 24 ساعة".

تابع القراءة
المصادر:
أ ف ب

الدلالات

Close