أكّد نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، في مقابلة خاصة مع التلفزيون العربي على موقف بلاده الداعم لوقف الحرب على قطاع غزة، مشيرًا إلى أن روسيا دعت منذ البداية إلى وقف إطلاق النار في القطاع.
وإذ أكد على ضرورة تطبيق قرارات الشرعية الدولية في هذا الشأن، أشار نائب وزير الخارجية الروسي إلى أن وقف أعمال القتل في قطاع غزة هو الهدف الرئيسي لدعوة روسيا بصفتها رئيسًا لمجلس الأمن في الدورة الحالية للجلسة على مستوى وزراء الخارجية.
غزة تتصدر خطة عمل رئاسة مجلس الأمن
وخلال مقابلته مع مراسل "التلفزيون العربي" في موسكو سعد خلف، أوضح بوغدانوف أنه لدى تسلم روسيا رئاسة مجلس الأمن بداية من شهر يوليو/ تموز الجاري وصياغتها لخطة عملها في نيويورك قررت أن يكون الوضع في غزة وما حولها ومأساة الفلسطينيين ومقتل عشرات الآلاف من الأبرياء من بين القضايا الدولية الرئيسية على أجندتها.
ولفت إلى أن روسيا اتخذت قرارًا بالدعوة لعقد جلسة خاصة بملف الشرق الأوسط على مستوى وزراءِ الخارجية.
وقال بوغدانوف: "نعوّل على أن يحضر الجلسة عدد كبير من ممثلي الدول الأجنبية"، معتبرًا أن قضية غزة هي قضية "دولية ملحة"، لافتًا في الوقت نفسه إلى "تعاطف المجتمع الدولي مع الفلسطينيين الذين يعانون الآن بالفعل من أوقات عصيبة وبالغة الصعوبة".
وأكد نائب وزير الخارجية الروسي أن بلاده دعت منذ البداية "لوقف إطلاق النار ومعالجة كل المشاكل على طاولة التفاوض"، مشيرًا إلى أن قرارات الشرعية الدولية نصت على وجوب إنهاء أعمال العنف، وتم تبنيها بمشاركة الأميركيين، وعلى رأسها قرارات مجلس الأمن الدولي التي يجب تنفيذها بموجب ميثاق الأمم المتحدة. وعبّر بوغدانوف عن أسفه لعدم تنفيذ إسرائيل هذه القرارات.
كما أشار إلى أن الجلسة المرتقبة ستقدم تقييم عام للوضع بهدف رئيسي هو وقف أعمال القتال لكي يتوقف قتل الناس وتهديم البنية التحتية.
روسيا تؤيد حل الدولتين
وبشأن الموقف الروسي من تسوية الصراع بين فلسطين وإسرائيل الممتد لعقود، يؤكد بوغدانوف أن موسكو تؤيد حل الدولتين وأن موقفها متطابق تمامًا مع القرارات التي تمّ تبنيها في الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن الدَّولي.
ويعتبر أن "على الدولتين أن تعيشا جنبًا إلى جنب في سلام على حدود عام 1967، على أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، والقدسُ الغربيةُ عاصمةً لإسرائيل".
ويرى أنه يمكن للطرفين إيجاد حلول للتفاصيل المرتبطة بالوضع النهائي في إطار المفاوضات. وقال بوغدانوف: "نحن نؤيد مبدأ التعايش السلمي للدولتين"، معتبرًا أن الممارسة التاريخية تؤكد أن هذا هو الحل الوحيد المعقول والحكيم الذي من شأنه أن يضمن السلام والاستقرار، ليس في منطقة الشرق الأوسط فقط، بل على النطاق الدولي الأوسع.
وعبّر بوغدانوف عن أسفه لقصف الاحتلال للمدنيين وقتل الأبرياء، فيما تتقدم مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، بذريعة "تصفية قادة عسكريين في إطار ما يزعمون أنه مكافحة إرهاب".
كما يرى أن قتل عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير المستشفيات والمدارس وحرمان الناس من أبسط الظروف الأساسية للمعيشة يستدعي الحزن والألم الشديد، ولكنه يتطلب أيضًا الإدانة، لأنّ مكافحة التطرف أو الإرهاب لا ينبغي أبدًا أن تتم بهذه الطريقة التي تؤدي إلى مقتل هذا العدد الكبير من الأبرياء.
مخاوف من توسيع الصراع
وعلّق بوغدانوف على تصريحات وزير الطاقة والبنية التحتية الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي قال فيها إن إسرائيل الآن في نهاية مرحلة القتال العنيف في غزة وأن عليها المضي قدمًا شمالًا وإلحاق أضرار جسيمة بحزب الله، معتبرًا أنها تصريحات "غير مقبولة على الإطلاق وتهدد بتبعات بالغة الخطورة للمنطقة عمومًا وحتى لإسرائيل".
وأشار إلى أن "توسيع نطاق الصراع ونقل أعمال القتال إلى الشمال، ضد اللبنانيين وضد حزب الله، ستصاحبها مخاطر وتبعات جمة للسكان في لبنان وفي إسرائيل".
كما دعا قادة الاحتلال لإدراك مسؤوليتهم عن أمن إسرائيل والتحلي بالحكمة واتخاذ نهجًا متزنًا واختيار الحوار السلمي لحل الخلافات القائمة، حيث أن اندلاع صراع مسلح كبير في شمال إسرائيل سيكون تطورًا خطيرًا، مشيرًا إلى أن جلسة مجلس الأمن غدًا ستتطرق أيضًا إلى هذه المسألة.
قرارات الشرعية الدولية تمثل أساسًا لتسوية الصراع
ويرى بوغدانوف أن قرارات الشرعية الدَّولية تمثل أساسًا لتسوية الصراع في الشرق الأوسط بكل اتجاهاتِه، سواء في الاتجاه الفلسطيني أو الاتجاه اللبناني أو السوريّ.
كذلك يجدّد ترحيب بلاده بجهود الوساطة التي تقوم بها قطر ومصر والولايات المتحدة والرامية إلى التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحماس، لافتًا إلى مشاركة روسيا بالفعل منذ فترة طويلة في عملية الوساطة من خلال العمل بالتوازي مع جولات المفاوضات في الدوحة وفي القاهرة، حيث أجرت موسكو اتصالات مع الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، ومع المنظمات الفلسطينيةِ المختلفة، ومع حركتي حماس وفتح.
وقال بوغدانوف: "ننتظرُ في المستقبل القريب زيارة الرئيس محمود عباس، الذي يعدّ رئيسًا لمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني".
ويضع بوغدانوف الجهود الروسية في سياق الجهد الجماعي الرامي في المقام الأول إلى وقف أعمال القتال والإفراج عن الرهائن، لافتًا إلى أن لروسيا أهدافها في هذا المسار حيث كان من بين الرهائن مواطنون روس ونجحت موسكو في الاتفاق على الإفراج عنهم.
التواصل مع حماس
ويؤكد نائب وزير الخارجية الروسي استمرار التواصل مع حماس، حيث زار ممثلو القيادة السياسية لحماس موسكو أكثر من مرة، وجرت اتصالات بين الطرفين في القاهرة وتركيا، فيما تتواصل السفارة الروسية في الدوحة مع قادة الحركة بشكل مستمر ونشط.
ويرجح بوغدانوف أن التواصل يشمل الفصائل الفلسطينية الأخرى، مشيرًا إلى أن موسكو استضافت لقاءً للفصائل الفلسطينية، بمشاركة حركتي فتح والجهاد الإسلامي.
وفيما يتعلق بالملف الفلسطيني الداخلي، يشدد بوغدانوف على موقف روسيا الدائم الذي يرى أن الوحدة الفلسطينية أمر بالغ الأهمية لاتخاذ القرارات المصيرية للشعب الفلسطيني بشكل جماعي وفي إطار البحث عن توافق وطني.
الهجمات الإسرائيلية على سوريا
وفي حديثه الخاص مع "التلفزيون العربي"، شرح بوغدانوف موقف روسيا من الهجمات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، بصفتها لاعب مؤثر في الساحة السورية.
وقال المسؤول الروسي: "إنّ الخلافات الإسرائيلية السورية، ومسألة مرتفعات الجولان المحتلة يجب حلُّها في إطار عملية سلام ومفاوضات".
ولفت إلى أنه جرى عقد عدة جولات لهذه المفاوضات، ومذكّرًا بأن موسكو وواشنطن رعتا عملية مدريد التي وضع خلالها الأساس الرئيسي لتسوية هذا الصراع وفق مبدأ "السلام مقابل الأرض الذي كان من المبادئ الرئيسية لمبادرة السلامِ العربية، والتي كانت تنص على التطبيع مع إسرائيل في مقابلِ خروج إسرائيل من كلِ الأراضي العربية المحتلة، وليس من الفلسطينية فقط، ما كان يعني أيضًا الانسحابَ من مرتفعات الجولان، وكذلك بعض الأجزاء في جنوبِ لبنان".
وشدد على ضرورة الاتفاق على آليات تنفيذ هذه المبادئ، من خلال إرساءُ الحوار والتفاوض، حيث يمكن لروسيا أن تؤدي دور الوسيط الذي أدَّتهُ في السابق رباعية الوسطاء الدَّوليين، التي كانت تضمّ روسيا والولاياتِ المتحدةَ والاتحادَ الأوروبيَّ والأممَ المتحدة.
ويصف بوغدانوف تجربة الرباعية بأنها "تجربة مفيدة للعمل الدولي المشترك"، معتبرًا أن السلوك الأحادي، ومساعي الولايات المتحدة لاحتكار جهود الوساطة باءت بالفشل.
وفي المقابل، يعوّل بوغدانوف على "الجهود الجماعية الموحّدة في تحريك الأمور من حالة الجمود الراهنة، والانتقال إلى مسار التسوية السلمية لهذه الخلافات، في ظل توفر القرارات الدولية ذات الصلة".
العلاقات السورية التركية
كما تطرق السياسي الروسي إلى ملف العلاقات السورية-الروسية وفرص نجاح تطبيع العلاقات بين رئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مشيرًا إلى أن روسيا لطالما دعت إلى علاقات حسن جوار طبيعية بين البلدين.
ويرى "ضرورة بناء العلاقات على أساس المبادئ، وأولها الاحترام المتبادل ووحدة وسلامة أراضي الدولتين الجارتين"، مشيرًا إلى أن صياغة أستانا عملت بنشاط في هذا الاتجاه، حيث أدَّت روسيا وتركيا وإيران دور الضامنين لعملية التفاوض السورية، التي كانت تهدف دائمًا ولا تزال إلى المساعدة في التوصل إلى توافق بين السوريين.
كذلك، عبّر بوغدانوف عن أمله في عقد لقاء ثلاثي يجمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس النظام السوري بشار الأسد، لكنه يرى أن "هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به".
وأشار إلى الاتصالات التي جرت على مستوى وزراء الخارجية ووزراء الدفاع في تركيا وروسيا وفي حكومة النظام السوري، والتي انضمت إليها إيران فيما بعد.
ويقول بوغدانوف: "الأمر المهم هو أن العمل في هذا الاتجاه قد بدأ وسيستمر، ونحن نأمل أن يتم إنهاؤه بعقد لقاء على مستوى القيادة السياسية العليا، والذي سيسمح بحل جميع المشاكل على أساس مقبول للجميع".
ويعتبر أن المفاوضات السورية التركية التي ستُجرى بوساطة الدول الصديقة، منها روسيا، يجب أن تضع على أجندتها انسحاب تركيا من الأراضي السورية وضمان الأمن على الحدود السورية التركية، إضافةً إلى تنظيم وصياغة مقاربات مشتركة لمكافحة هجمات تنظيم الدولة، ولحل مسألة اللاجئين السوريين، والقضايا الكردية، وملفات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
تجدون في الفيديو المرفق المقابلة الكاملة مع ميخائيل بوغدانوف الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ونائب وزير الخارجية الروسي، وناقشت مجموعة من المحاور بينها الحديث عن مآلات الحرب في غزة وحدود التصعيد في الشرق الأوسط.