الجمعة 22 نوفمبر / November 2024

هجمات مباغتة.. أزيز الرصاص الفلسطيني يُسمَع في العمق الإسرائيلي

هجمات مباغتة.. أزيز الرصاص الفلسطيني يُسمَع في العمق الإسرائيلي

شارك القصة

تناولت حلقة "للخبر بقية" الهجمات المباغتة الأخيرة في المدن الإسرائيلية ودلالاتها وانعكاساتها على القضية الفلسطينية (الصورة: غيتي)
لعلّ ما يميّز سلسلة الهجمات الفدائية الأخيرة، وهي الأولى من نوعها منذ سنوات، أنه لا أحد يعرف أين محطتها التالية، كما أنّها ليست بالسلاح الأبيض.

لأربع مرّات خلال أقلّ من شهر واحد، اجتاحت العمق الإسرائيلي سلسلة من الهجمات، أسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى.

وإذا كانت هذه الهجمات تركّزت داخل ما يُعرَف بالخط الأخضر، وتنقّلت شعلتها من بئر السبع إلى الخضيرة وبني براك، فإنّ الهجوم الأخير كان وسط تل أبيب نفسها.

وقد باغتت هذه الهجمات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فيما سارعت السلطات إلى الردّ عبر إطلاق يد قواتها الأمنية؛ وبمزيد من الاعتقالات في صفوف الفلسطينيين.

إزاء ذلك، تُطرَح علامات استفهام بالجملة عن دلالات هذه الهجمات المتتالية وكيف ستنعكس على سلوك إسرائيل في التعامل مع الفلسطينيين لا سيما في الضفة الغربية المحتلة.

ما الذي يميّز الهجمات الفدائية الأخيرة؟

لعلّ ما يميّز سلسلة الهجمات الفدائية الأخيرة، وهي الأولى من نوعها منذ سنوات، أنه لا أحد يعرف أين محطتها التالية، إذ تبدو وكأنها موجة جديدة من الهجمات تذكّر بتلك التي وقعت عام 2015.

ما يميّزها أيضًا أنّها ليست بالسلاح الأبيض، حيث لم يترك أيّ فصيل فلسطيني بصماته عليها، إذ يبدو أنّ ما يجمع بينها هي صفة الفردية، وإن كانت حاضنة بعض منفّذيها جنين بالضفة الغربية، وإن حظيت بتأييد فصائل المقاومة الفلسطينية وتنديد سلطة رام الله.

تتميّز هذه الهجمات أيضًا بعنصر "المفاجأة"، فقد باغتت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ولا سيما أنّها وقعت من دون أن تسبقها تحذيرات استخباراتية.

للمكان والزمان دلالاته أيضًا، فقد كانت الانطلاقة على أعتاب شهر رمضان، وهو الشهر الذي يتعقد فيه المشهد وتزداد التوترات التي تسبّبها قيود الاحتلال على المسجد الأقصى، والتي تزيدها حدّة استفزازات المتطرفين الذين تُشرَع أمامهم أبواب المسجد.

القضية الفلسطينية واحدة

أما المكان فهناك في الداخل حيث يتنامى تحريض اليمين المتطرف على الفلسطينيين منذ ما عُرِف بهبّة الكرامة التي تزامنت مع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة.

في هذا السياق، تبرز معادلة جديدة، فالقضية الفلسطينية واحدة سواء في الداخل أو الضفة أو غزة أو القدس.

لا تبدو الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في وارد حلّ هذا الصراع. تمعن في الركون للقبضة الأمنية. يطلق رئيس الوزراء نفتالي بينيت يد الإسرائيليين في حمل السلاح. يقرأه مراقبون فشلًا للمنظومة الأمنية الإسرائيلية في الحيولة دون وقوع مثل هذه الهجمات.

يطلق بينيت يدها أيضًا، فحكومته مهدّدة بالسقوط بعد فقدانه الأغلبية النيابية. إذًا هو منهج التصعيد الذي قد يدفع بالأوضاع نحو الانفجار ليس في الضفة الغربية والقدس المحتلة فحسب؛ بل وحتى داخل الخط الأخضر.

وما يزيد من المخاطر أنّ العقلية الحاكمة في إسرائيل ليست بصدد تبنّي حلّ الدولتين الذي لا يزال حبرًا على ورق لم يرَ النور بعد.

"انتفاضة حقيقية"

يرى الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي أنّ ما تعيشه الأراضي الفلسطينية المحتلة هو حالة انتفاضة حقيقية انطلقت منذ عام 2015.

ويشير في حديث إلى "العربي"، من رام الله، إلى أنّ هذه الانتفاضة تختلف عن الانتفاضتين الأولى والثانية بطابعها وشكلها وأنماط عملها، وهي تجري بالأساس على شكل موجات.

ويقول: "رأينا موجة كبيرة في عام 2017 عندما أفشل الفلسطينيون مؤامرة البوابات الإلكترونية على أبواب المسجد الأقصى، وفي العام الماضي رأينا أمرًا مماثلًا في معركة القدس والآن نرى أشكالًا جديدة تتصاعد باستمرار".

ويخلص إلى أنّ جوهر الأمر أنّ الفلسطينيين ينتفضون بعد 28 عامًا على اتفاق أوسلو الذي فشل وبعد كل الإستراتيجية التي اعتمدت على المفاوضات وعلى إمكانية أن تقوم الولايات المتحدة بدور تفاوضي إلى آخره.

ويضيف: "هذه من العوامل الأساسية التي أقنعت معظم الشعب الفلسطيني إن لم يكن غالبيته الساحقة ألا حلّ سوى المقاومة والكفاح؛ خصوصًا مع تصاعد القمع والتنكيل الإسرائيلي ومع ترسخ نظام الأبارتيد والفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني". 

كما يلفت إلى "فقدان الثقة بالمجتمع الدولي خصوصًا بعدما تجلى أثناء الحرب الأوكرانية الأخيرة من ازدواجية رهيبة في المعايير وشعور الفلسطينيين بأن هناك تمييزًا صارخًا على الصعيد الدولي ضدّهم".

عمليات المقاومة مستمرة منذ الانتفاضة الأولى

من جهته، يلفت الباحث المتخصص بالشؤون الإسرائيلية صالح النعامي إلى أنّ الموضوع لم يبدأ منذ عام 2015 بل منذ اندلاع الانتفاضة الأولى؛ حيث يواصل الشعب الفلسطيني منذ ذلك الوقت عمليات المقاومة بكل أشكالها.

ويوضح في حديث إلى "العربي"، من غزة، أنّ هناك جملة من المعيقات التي تؤثر على وتيرة العمل المقاوم ومن ضمنها إجراءات إسرائيل القمعية ولكن أيضًا تعاون السلطة الأمني، "ولولا ذلك لوجدنا الكثير من مثل هذه العمليات".

ويلفت إلى أنّ هذه العمليات فردية "لأنّ الكيان الصهيوني بالتعاون مع أجهزة السلطة الأمنية قاموا بتجفيف بيئة المقاومة عن طريق عمليات الاعتقال اليومي"، مشيرًا إلى أنّ التعاون الأمني "يهدف إلى وأد أي محاولة للعمل المقاوم عن طريق حركات المقاومة".

ويضيف: "لذلك، نجد أن مثل هؤلاء الشباب يتصرفون بشكل فردي ومع ذلك يحدثون هذا الأثر الكبير على العمق الإسرائيلي، وقد لاحظنا بالأمس كيف دفعت إسرائيل بتعزيزات إضافية فقط لملاحقة شاب فلسطيني واحد".

لماذا أدان محمود عباس عملية تل أبيب؟

أما الكاتب السياسي محمد هواش، فيشير إلى أنّ إدانة الرئيس محمود عباس "لقتل المدنيين"، على حدّ وصفه، موضوع بروتوكولي بحت لا علاقة له بما يتعلق بالعملية الأخيرة وغيرها.

ويلفت في حديث إلى "العربي"، من رام الله، إلى أنّ "منفّذ هذه العملية من حركة فتح وهو من عائلة فتحاوية ووالده عضو في جهاز الأمن الوطني الفلسطيني"، مضيفًا: "هذه بيئة كل الفلسطينيين وليست بيئة فصيل دون آخر".

ويشدّد على أنّ "السلطة هي إدارة يومية للحياة اليومية للفلسطينين؛ وعنوان سياسي للشعب في كل ما يتعلق بالمفاوضات والصراع والحقوق والدفاع عن الرواية الفلسطينية".

ويقول: "هذه وظيفة السلطة الفلسطينية بصرف النظر عن كيفية قيامها بذلك وعن أدائها، لكن هذا يجب فصله عن فكرة أن الشعب الفلسطيني يرفض تجاهله وتجاوزه وإنكار وجود قضيته".

ويضيف: "حتى حلّ الدولتين ينطلق من نظرة عنصرية ولا ينطلق من اعتراف إسرائيلي أو أميركي أو دولي بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية المحتلة".

ويشدد على رفض الشعب الفلسطيني لكل ما تقوم به إسرائيل من انتهاك لحقوق الفلسطينيين اليومية، وحقه في الدفاع عن نفسه والاستقلال وإقامة دولة فلسطينية، مستنتجًا أنّ العملية تأتي في هذا السياق وليس في أي سياق آخر.

تابع القراءة
المصادر:
العربي
تغطية خاصة
Close